كورونا مفتاح ما يخبئه المستقبل.. حقائق وتساؤلات
قد يكون لدينا مقدار مهم من الحظّ يجعلنا نعيش في خضمّ مرحلة مفصليّة مهمّة في تاريخ البشريّة، يقول مختصّون في هذا الشّأن إنّها تحدث كلّ 550 سنة تقريباً.
تطوّرات كثيرة ومتلاحقة جرت مؤخراً في العالم وفي منطقتنا أخذت بنا وباهتماماتنا بعيداً. رغم ذلك، ما زالت بوصلتي موجَّهة إلى الفيروس التاجي المستحدث، لكونه المفتاح لأبواب مشرعة على ما يخبّئه لنا المستقبل القريب. وقد يكون لدينا مقدار مهم من الحظّ يجعلنا نعيش في خضمّ مرحلة مفصليّة مهمّة في تاريخ البشريّة، يقول مختصّون في هذا الشّأن إنّها تحدث كلّ 550 سنة تقريباً.
ما كان طارئاً وبدا كارثياً أصبح حائلاً دون الهدوء والتفكير الموضوعي، وبات الإدمان على التلفاز وما ينقل من أخبار في مواقع التواصل وغيره ملازماً للمرحلة، لكنّ الإعلام لم يساعد البتة على إدراك الحقائق، لكونه يعلن الشيء ونقيضه، وبعضه يتلاعب بالمعطيات، فهو ليس سوى صدى لإرادات من يموّله ومن يسيطر على القرار السياسي، وغالبهم يدور في فلك واحد، والثمن المدفوع هو الابتعاد عن الموضوعيّة والمهنيّة.
لاحظنا أنَّ المشاهد والسيناريوهات المتعلّقة بالفيروس التاجي تكرَّرت نفسها تقريباً في غالبية البلدان التي أصيبت به، وكأنهم ينقلون عن بعضهم البعض، أو كمن يتحرك ضمن جوقة موسيقية يتعدد فيها العازفون وتختلف الآلات، لكن قائد أوركسترا واحداً يدير اللعبة.
المعزوفة الأكثر بروزاً كانت بثّ الخوف، وحتى الرعب العصابيّ أحياناً، بين صفوف البشر، بتسريب معطيات كان الكثير منها غير مبني على أسس علميّة مثبتة، كما تحريك العواطف والغرائز، وتغييب العقل النقديّ، ومعاملة الناس كأغبياء أحياناً، بتغييب حسّهم السّليم، وتشديد القبضة الأمنيَّة، وإصدار قرارات كثيراً ما تكون اعتباطيّة، ولكنّها تُطبّق بالقوة وبالمخالفات لمن عصى.
مرَّت الموجة، ولم يفتك الفيروس بأعداد كبيرة من البشر، كما أُشيع في بادئ الأمر، والكثير ممن أصابهم كان لديهم أمراض من أنواع معيَّنة وضعف في الجهاز المناعيّ، ونسبة مهمّة ممن كانوا محجورين في منازلهم أصيبوا به من دون أن يلاحظوا أيّ تغيير يُذكر.
أما أعداد الوفيات، فلم تكن صحيحة البتة. وقد عهد بإحصاء الأرقام في العالم إلى جامعة "جون هوبكنز"، التي يدور حول عملها الكثير من الشبهات. كما منعت منظّمة الصحة العالمية تشريح الجثث، وأمرت بحرقها أو دفنها فوراً، بحجَّة منع نقل الفيروس إلى الآخرين، لكن في ألمانيا مثلاً، قامت الوكالة الألمانيّة للأمراض المعدية بتشريح 65 جثة، ووجدت أنَّ 46 من المتوفّين كانوا مصابين بأمراض الرئة، و28 بأمراض داخليّة، و10 بالسكّري والبدانة، و10 بالسّرطان، و16 كانوا يعانون من الألزهايمر.
وصرَّح مدير معهد الطبّ الشرعيّ في هامبورغ بأنّ سبب موتهم ليس كورونا، بل إشكالات أخرى. وقال البروفيسور كلاوس بوكسيل إن المخاوف نتجت من مبالغة بأنَّ كورونا مرض خطير معدٍ.
ثمة مثل آخر من إيطاليا، عندما اعترض أطباء على تعليمات المنظَّمة، فشرّحوا جثة مصاب بكورونا، واستنتجوا أنَّ سبب الوفاة ليس فيروساً، بل بكتيريا قاتلة تسبَّبت له بجلطات في الدم وعدم حركة، كان يمكن أن تنقل الأوكسجين إلى خلايا الدماغ والقلب والرئة. ولمعالجتها، كان يفترض تناول مضادات الجلطة والالتهابات ومضادات حيوية، كما أنَّ وحدات العناية المركزة ومراوح التهوئة لم تكن ضرورية. إثر ذلك، قامت وزارة الصحة بتغيير البروتوكول العلاجي، وأعطت المصابين 100 ملغ "أسبرين" و"أبروناكس"، ما جعلهم يتماثلون للشفاء، ويخرج 14000 شخص من المستشفيات في يوم واحد.
وإذا كان المجتمع العلميّ غير متّفق حتى اليوم، فالإشكالية المطروحة: إما أنّ الفيروس غير خطير، ولا يستحق كل الإجراءات الَّتي اتخذت، وإما أنه خطير، وكان يجب أن يسقط البشر جراءه كالذباب، لمجرد العطس أو التكلم وانتشار الرذاذ في الهواء الذي يخرج مع التنفس، وليس العطس فقط، وبالتالي هو ينتشر بشكل أكبر ضمن هواء المنازل التي أجبر النّاس على التزامها وعدم الخروج منها إلا بالحالات القصوى. وما دام لم يكن شريراً، فهو إذاً صاحب فضل وفاعل خير، لأنه محفّز لردود الفعل التي تجعل الأجسام أقوى عند التغلّب عليه وإضعافه.
في كلّ الأحوال، أكَّد علماء الأوبئة أنَّ الأشخاص الذين يعانون من ضعف التمثيل الغذائي كانوا الأكثر عرضة للتأثر بالفيروس، لكون هذه الأرضية تتسبّب بتواجد الأمراض الأكثر شيوعاً، كالسكّري والقلب وارتفاع ضغط الدم والتهابات الجهاز التنفسي.
أما السنّ، فلم يكن دوماً شرطاً أساسياً، إذ إننا نعرف جميعاً الكثير من كبار السن الذين لم يصابوا بأذى، ولو أنهم ليسوا بالضرورة بصحة جيدة ولديهم مناعة قوية. عميدة كبار السن في إسبانيا أصيبت بكوفيد 19، وشفيت منه، وعمرها 114 سنة.
وأعلن مختصّون أنَّ الشخص الذي يصاب بالفيروس مرةً غير معفى من الإصابة به مرة ثانية، وما زالت سلالات جديدة منه تظهر، وهو الأمر الذي يجعل من لقاح الإنفلونزا سنوياً غير ذي جدوى، بحسب دراسات جدية.
إذاً، إذا كان الفيروس التاجي كغيره يتأقلم ويضعف مع الوقت، لماذا الإصرار على إقناعنا بضرورة اللقاح، إن لم يكن في الأمر شيء آخر، وما لم يكن الفيروس المستحدث سوى حجة لفرض اللقاح وما يحمله؟
رغم رفع الحظر، لم يبلغ عن حصول هبَّة ثانية للفيروس، علماً أنَّ قواعد التباعد الاجتماعيّ لم تُحترم، والناس خرجوا في تظاهرات وغيرها. كما أنَّ أعداداً كبيرة من الجسم الطبيّ، من أطباء وممرضين، ممن احتكّوا بشكل دائم مع الفيروس، لم يشعروا به.
لقد أخبرونا أنَّه للحصول على مناعة الجماعة، يجب أن يُصاب نصف المجتمع أو أكثر على الأقل. رغم ذلك، أُصيب في فرنسا 4% فقط بالعدوى، فهل التفسير المقنع هو أنَّ الاحتكاك بمجموعة من الفيروسات بشكل معتاد أنشأ حماية للبشر وجنَّبهم هذا الفيروس؟ في كلّ الأحوال، تتمدَّد الفيروسات عموماً بين كانون الأول/ديسمبر وأيار/مايو من كلّ عام، وتتراجع مع بدء حلول الدّفء في الأجواء، ويمكنها أن تصيب أناساً، ولا تظهر عليهم الأعراض أو تجعل منهم ناقلاً لها.
شهدنا في كثير من البلدان المتقدمة الفشل الذريع للأنظمة الصحيَّة التي وضعت آمالها في شركات الدواء أو سلَّمت أمرها لها، وقرأنا تقارير وتوصيات عن علاقة فيروس "كوفيد 19" بالفيتامين "د"، رغم أنَّ الأمر معروف، ولا يحتاج إلى دراسات، لكن هل أوصت منظمة الصحة العالمية، مثلاً، به وبما هو مفيد للصحة وتقوية المناعة؟ لا، كانت التّوصيات بالحجر المنزليّ والمزيد من العزلة، بعيداً من أشعة الشمس التي توفّر الفيتامين للجسم.
بات معلوماً أنَّ استخدام الكمّامة لوقت طويل، مع تنفّس هواء الزفير الّذي يحتوي ثاني أكسيد الكربون، يتسبَّب بنقص الأكسجة وزيادة حمض اللاكتيك، وبالتالي التسمّم والشعور بالدوار والتعب وعدم القدرة على إظهار ردّ الفعل المناسب. والأمر يصبح أشدّ خطراً لمن يقود سيارته واضعاً الكمامة فيما النوافذ مقفلة. ومن يستمرّ لساعات على هذا النحو، بحكم عمله، قد يتصرف كمخمور من دون التنبّه إلى الأمر وأخطاره.
كذلك، إن استعمال معقّمات اليدين ليس خالياً من المحاذير، لكون البشرة مغطاة بطبقة من الهيدروليبيدات الَّتي تحميها، لكنها تُزال بالكحول التي تقتل الجراثيم والفيروسات والفطريات، ما ينتج منه بشرة جافة عرضة للالتهابات والتشقّقات المسبّبة لدخول الميكروبات والمواد السامة الموجودة في البيئة المحيطة، ومن ثم ظهور البقع بعد تفاعلها مع أشعة الشمس.
كما أنَّ البكتيريا الموجودة في كفّ اليد، بعضها مفيد، وتخفض محاولة تعقيمها المناعة الذاتية. وثمة دراسة أشارت كذلك إلى أنَّ اللجوء المنتظم إلى مطهّر اليدين يمكن أن يزيد من امتصاص البشرة لـ"Bisphenol A"، الَّذي يتسبّب بتدهور كمّية الحيوانات المنوية ونوعيّتها، ويؤدّي دوراً في حالات الإجهاض والسّمنة وبعض أنواع السرطانات، ما يفسر توصية الجمعية الفرنسية للصحة البيئية باستخدام هذه المواد المضادة للبكتيريا في حالات استثنائية.
إنّ تلوّث الأجواء الَّذي رافق الفيروس، كانت تأثيراته النفسية والعقلية والجسدية أشد وقعاً من الفيروس نفسه، وخصوصاً عند كبار السن الذين لا يملكون من وسائل المعرفة والخبر سوى التلفاز، بما يضخّ من أخبار مرعبة ومرهقة، في ظل غياب الأولاد والأحفاد الذين امتنعوا عن الزيارات بفعل التعليمات والمخالفات، كما الخوف من العدوى.
إنَّ الذّعر والتوتّر والإحباط والاكتئاب والفوبيا وازدياد الوسواس القهري، وحتى التفكير في الانتحار، كلّها مشاعر قد تكون طبيعية كردّ فعل تجاه موقف غير مألوف وخطير، لكن لأجل قصير، وبحدّها الأدنى، بحيث يستعاد الشعور بالاطمئنان والأمان سريعاً عندما ينتفي السَّبب، أو حين نتعلَّم طرائق المواجهة والوقاية والعيش بطريقة جديدة وقبول المرض والموت كحقيقة لا مهرب منها، من دون البقاء سجناء لمخاوفنا وهواجسنا، والبحث عما يعطي معنى لوجودنا العابر على هذه الأرض، بالعمل، ليس لذواتنا فحسب، بل أيضاً لأجل الآخرين أمثالنا، بتنوّع ألوانهم وأجناسهم وأعراقهم وانتماءاتهم.
يعتبر ألبير كامو في كتابه "الطاعون" أنَّ الأوبئة متواجدة دوماً، وهي ليست تلك التي تتسبَّب بها الفيروسات فقط، بل أيضاً الأكاذيب ومشاعر الكراهية والغيرة والهجر والمرض والإفلاس وخيبات الأمل، وكل أنواع الأخبار السيئة. فلماذا، إذاً، يحرموننا من التواصل والعناق والضحك والرقص والغناء والسلوكيات التي تتيحها اللقاءات بمن نحبّ، وارتياد الأماكن المخصّصة لإدخال البهجة إلى النفوس؟ لماذا لا يدعوننا نحمل أعباء حياتنا بأقل قدر من الأحزان، ونستغلّ الوقت المتبقي منها لنتنفّس ونعيش، من دون تذكيرنا بالفيروس وتحذيرنا من عودته إن تقاربنا وتحاببنا وتذكّرنا أنَّ هناك على مسافة قصيرة منا من يعيش مثلنا ويعاني مما نعانيه، ويتوقع أن نكون قادرين على لفتة حنونة أو بسمة بسيطة أو إيماءة رأس متفهّمة؟
قال موليير قبل 4 قرون: "كلما قلَّلت من تسليم صحّتك للأطباء، كان وضعك أفضل"، والمقصود هو أن يتعلم كل إنسان القواعد الأساسية للحفاظ على صحة جيدة، فكيف سيكون الطبّ في المستقبل ومعالجته أمراض البشر في هذه الحالة؟ وإلى أين سيأخذنا العلم؟
المواقف متناقضة، منها ما يعتقد بأنّه سيكون بكثير من الآلات والماسحات الضوئية النانوية، وبأنَّ جسم الإنسان نفسه سيذهب باتجاه الآلة مع المركبات الاصطناعية، كالعين أو القلب أو الأطراف، ومع الاتصال عبر الموجات الكهرومغناطيسية بالأقمار الاصطناعية، انطلاقاً من شريحة مثبتة في جسد الإنسان تتيح متابعته، وحتى حصاره وخنق أنفاسه، إن اقتضت الحاجة، تحت شعار المزيد من التقدم العلمي، وبالتالي نهاية الأمراض والانتصار على الموت.
إنَّ الأحداث التي رافقت ظهور الفيروس عاشها الكثير من الناس كتعدٍ على حقوقهم الأساسيّة التي لا تعتبر فرصة تُمنح لهم، بل هي مستحقّة لهم منذ ولادتهم، وإن حُرم منها الملايين من البشر في ظروف مختلفة، وخصوصاً في عصر شهد نزعات قوية نحو المادية ونسيان الموت الكامن وراء المرض وحوادث الحياة المفاجئة.
في عالمٍ كهذا، ليس ثمة عودة إلى الوراء وإلى ما قدَّمته الطبيعة، وهو بمعنى ما نهاية الإنسانية، فهل سينصاع الناس إلى ما يُملى عليهم باسم حمايتهم، ولم يكن الفيروس سوى الحجّة لتنفيذ المشروع المرسوم لهم، أم أنَّ هناءهم لن يكون باقتلاعهم من بشريتهم بالقوة، وبقرار خارج عن إرادتهم، بل بمقاومتهم لما يمسّ حقوقهم الطبيعية، وبعودتهم إلى الطبيعة وما تمليه من احترام للروح والجسد وتوازناتهما، ومعالجة الأمراض من جذرها، بالبحث عما هو كامن، وليس سطحياً أو عارضاً؟
كيف نتجاوز صعاب الحياة وننتصر على أنفسنا؟ كان للفيلسوف فريدريك نيتشه، الذي عاش حياة معذبة، جواب خاص على هذا السؤال: "إلى كلّ من يهمّني أمرهم، أتمنى أن يختبروا المعاناة والهجر والمرض وسوء المعاملة والعار. آمل أن لا يسلموا من ازدراء ذواتهم بشدة، ويعرفوا عدم الثقة المؤلم بأنفسهم. أنا لا أرحمهم، وأتمنّى لهم الشّيء الوحيد الَّذي يمكن أن يظهر إن كان للمرء قيمة: الثّبات في المحن".