أحداث مثَّلت بداية لتراجع قوة الولايات المتحدة
حجم تأثير الولايات المتحدة في المجتمعات سيكون أضعف، ولكن هذا لا يعني أن أميركا في طريقها إلى الانهيار.
منذ انتشار فيديو يظهر شرطياً أميركياً خلال خنقه مواطناً أميركياً أفريقياً، إلى أن قتله بطريقة بشعة، لا تزال الاحتجاجات تزداد غضباً يوماً بعد آخر في عموم الولايات الأميركية، وتعدَّتها لتصل إلى أوروبا بشكلها الغاضب، ولتنذر ببوادر ثورة في الغرب ضد العنصرية الممنهجة تجاه ذوي البشرة السوداء.
هذه الاحتجاجات التي تشكل هزة كبيرة من الداخل لأقوى دول العالم، والتي من المفترض أنها أكثرها تقدماً وحرصاً على تطبيق العدالة، تفجّرت بالتزامن مع أقسى أزمة صحية تعانيها دول العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة، التي سجّلت فشلاً ذريعاً في احتواء فيروس "كوفيد 19" والسيطرة عليه.
وهنا، يجب أن نكون متأكدين من أن ما يجري داخل الولايات المتحدة سيكون عاملاً مهماً في ولادة جديدة لهذه الدولة في العالم، ومنطقتنا على وجه الخصوص، لأن واشنطن خاضت حروباً، وتدخّلت في القضايا السياسية والمجتمعية الداخلية للكثير من دول الشرق الأوسط من بوابة حمايتها لحقوق الإنسان. وما يعانيه الأميركيون الأفارقة كشف نفاق السياسة الأميركية، وما يؤكد ذلك النفاق هو قانون "قيصر" الذي دخل حيز التطبيق على سوريا.
وفي الأساس، وجدت الولايات المتحدة هذا القانون فرصة لمعاقبة سوريا بذريعة ارتكاب القوات السورية انتهاكات بحق المواطنين. واليوم، ترسل واشنطن إشارات إلى دمشق بإمكانية تعطيل "قيصر" إذا فكّكت ارتباطها بطهران، وهو دليل على أن واشنطن تتصرف مع تل أبيب، الحليف الأقرب إليها في المنطقة، بشكل أقرب إلى النفاق الواضح الذي لن ينطلي على أحد بعد اليوم.
هذا الأمر يعود إلى سببين: الأول كيف تعطّل واشنطن قانوناً يفترض أنه جاء على أساس رد الفعل على انتهاك حقوق الإنسان، لأجل مصلحة سياسية ضيقة تتمثل في تحقيق طموحات الكيان الإسرائيلي، والآخر هو الاحتجاجات داخل الولايات المتحدة، والتي أعطت تصوراً للكثير عن السياسة الأميركية، وخصوصاً في إيران والعراق وسوريا ولبنان، عندما كانت الخارجية الأميركية تصدر بيانات عن حقوق الإنسان وطريقة التعاطي المثلى مع أي احتجاجات مطلبية، وكان البعض في هذه الدول يعتقد أنّ تلك البيانات هي خارطة الطريق له أو وسام بالوطنية.
واليوم، حجة هؤلاء أضعف، وحجم تأثير الولايات المتحدة في المجتمعات سيكون أضعف، ولكن هذا لا يعني أن أميركا في طريقها إلى الانهيار. لا، هذا الكلام يجانب الواقع، فلا زالت الولايات المتحدة تملك جيشاً قوياً ومؤسسات أمنية واقتصادية هي الأبرز في العالم، لكن الحديث فعلياً يدور حول فاعلية واشنطن بعد كلّ هذه الأزمات التي كسرت هيبة قوتها.
ما هي أبرز الأحداث التي مثَّلت بداية لتراجع قوة الولايات المتحدة وتأثيرها؟
الأحداث كثيرة، لكن أبرزها يختصر بالتالي:
- إسقاط إيران طائرة استطلاع أميركية متطوّرة فوق مضيق هرمز، وعجز الولايات المتحدة عن الرد في حزيران/يونيو من العام الماضي.
- ضرب إيران قاعدة عين الأسد في العراق، والتي تعتبر رمز القوة الأميركية في المنطقة، فهي تضم مطاراً لطائرة "B-52". وكانت تلك المرة الأولى التي تقوم بها دولة، لا حركة مقاومة، بل دولة بشخصها الرسمي، بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، باستهداف الجيش الأميركي، وإعلان المسؤولية الكاملة عن ذلك بصورة رسمية، في ظل عجز واشنطن عن الرد، في الوقت الذي كانت تهدّد بأنها سترد بشكل أقوى.
- النظام الصحي المتردي بشكل كبير. ولم يصدق كثيرون أن أعظم دول العالم اقتصاداً وتطوراً في أغلب مناحي الحياة تعاني من فشل صحي ونقص في الكمامات والمستلزمات الصحية الأولية، بينما ظهرت دول أخرى أكثر فاعلية وقوة، مثل الصين وإيران وروسيا.
- كسر إيران الحصار عن فنزويلا، بعد أن أرسلت 5 ناقلات للوقود، في ظل فرض أميركا حصاراً مطبقاً على كاراكاس. وكانت واشنطن قد أكّدت أنها ستستهدف أي ناقلة إيرانية تتجه صوب فنزويلا. ومضت الناقلات، وبقيت البحرية الأميركية متفرجة لا أكثر.
- تفوّق التنين الصيني إلى حد كبير على أميركا في حرب الـ5G.
- الاحتجاجات التي تعم الولايات المتحدة الآن، رفضاً لعنصرية ممنهجة ضد ذوي البشرة السوداء، أعطت تصوراً كاملاً وواقعياً عن مدى قمع الإدارات الأميركية المتعاقبة وعنصريّتها، وكشفت النقاب عن مجاعة كبيرة في أميركا، ستنعكس سلباً على تأثيرها بعد هذه الأزمة التي ستليها أزمة اقتصادية قاسية، ربما تطيح بقوة الدولار.