فلسطين التاريخية
إن النظام الاستعماري الإسرائيلي هو استمرار للمفارقة الاستعمارية الأوروبية، والصهيونية هي مشروع سياسي استعماري لضمان استمرارية مصالح الغرب.
جئت من رحم فلاحة فلسطينية نجت من النكبة في العام 1948، عندما تم فرض كيان استعماري في فلسطين يسمى "إسرائيل"، من قبل أوروبا، وهو كيان قائم على أساس التطهير العرقي ضد السكان الأصليين في فلسطين العربية السامية، وعلى أساس تزوير التاريخ.
إنّ الاستعمار التقليدي لا يقتصر على اغتصاب أرض الوطن والاستيلاء عليها فحسب، بل يسرق التاريخ القديم والمعاصر للسكان الأصليين. هذه الخصوصية في الاستيلاء على تاريخ الشعب الفلسطيني الأصلي، ترجع إلى حقيقة أنه لا يأتي من استعمار لشعب، كما هو الحال في الاستعمار الكلاسيكي، ولكن من حركة صهيونية انطلقت من طائفة دينية (آرية يهودية)، لتصل إلى الشعب والدولة والأمة، وهذا هو سبب سرقة تاريخ الشعب الأصلي.
بعد 72 عاماً من النكبة، لم تحافظ الصهيونية على جوهرها الاستعماري والفاشي كما هو، بل عززته أيضاً. استولت على جزء من فلسطين (1948)، ثم على أجزاء أخرى من فلسطين التاريخية (1967).
إن علم الاستعمار المذكور يحمل خطين يمثلان حدوده من نهر النيل إلى نهر الفرات. في الواقع، إن ما يسمى "دولة إسرائيل"، وحتى يومنا هذا، ليس لديها دستور وطني، وذلك بغية عدم رسم خطوطها الحدودية ومواصلة توسعها الاستعماري.
إن النظام الاستعماري الإسرائيلي هو استمرار للمفارقة الاستعمارية الأوروبية، والصهيونية هي مشروع سياسي استعماري لضمان استمرارية مصالح الغرب.
في هذه المرحلة من التاريخ، يتعرض الشعب الفلسطيني لخطة ممنهجة لسرقة تاريخه وثقافته وتغيير أسماء مدنه وقراه، تمهيداً لاقتلاعه على نحو نهائي، مع خطورة امتداد ذلك على العالم العربي.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، تزداد وتيرة الهجوم الغربي على تاريخ شعوب الشرق العربية وثقافتها.
أنا أنتمي إلى الشتات الفلسطيني، إلى فلسطين المتجوّلة... كوني ابنة للناجين من النكبة، صبغ هذا الأمر شخصيتي، وجعلني أنسجم مع نفسي وضميري، ومع الحياة نفسها، في التفاني من أجل تحرير شعبي الفلسطيني، الذي هو أصلاً جوهر علاقتي مع الإنسانية، بمعناه النظيف والصحي والنبيل والكريم.
أريد أن أعاني في سلام، من دون أن أدع الكراهية تقمع نفسي، ولكن بحزم وصدق، وبلا كلل.
لقد أضرت اتفاقيات أوسلو بقضية الشعب الفلسطيني، واستغلتها "إسرائيل" لمزيد من التوسع وبناء المستوطنات، ولم تقدم تنازلاً واحداً بموجب هذه الاتفاقيات.
يجب على الفلسطينيين العودة إلى جذور قضيتنا: الكفاح من أجل تحرير فلسطين التاريخية ضد نير الاستعمار الصهيوني الإسرائيلي، وتحرير كل فلسطين.
إن القبول بحل الدولتين هو قبول بظلم استعماري. وقد أظهر الاستعمار الإسرائيلي أنه لا يريد دولتين، ولا دولة فلسطينية على أرض فلسطين، بل يريد نهاية الشعب الفلسطيني الأصلي.
يجب ألا يتخلى الشعب الأصلي عن ذرة واحدة من أراضيه الوطنية. لماذا التمزيق؟ تقطيع إقليم وتسليمه إلى مشروع استعماري، وليس فيه أية ضمانة للسلام.
من المؤسف سماع بعض القيادات في السلطة الفلسطينية تقول: "أريد السلام مع إسرائيل". هذا القول هو مثال لرضوخ العقل أمام المستعمر. هذا هو الخضوع والزحف بعينه. لم يقل اليهود أبداً: نريد السلام مع النازيين. أنا مواطنة فلسطينية، وأريد العدالة، أريد تحرير شعبي من نير الاستعمار الإسرائيلي.
يجب أن ننقذ معجمنا بالتركيز على قضيتنا ونهجنا الأساسي، وإعادة القضية الفلسطينية إلى جوهرها كحركة تحرر وطني فلسطيني. أوروبا لا تقدم حلولاً عبر رسائلها المنمقة، وهي رسائل لا تعدو كونها محاولات لإسكات وتخدير الشعب الفلسطيني من دون اتخاذ أي إجراء عملي وفعلي ضد "إسرائيل" وسياستها الاستعمارية العنصرية التوسعية.
لا بد من العودة إلى ممارسة كل أشكال المقاومة، وفي مقدمتها الكفاح المسلح. إنه خيار شريف وعادل وقانوني وشرعي ضد الاستعمار، وبديل من سياسة الركض وراء أوهام أوسلو ومشتقاتها، وحق منصوص عليه في القانون الدولي وقرار الأمم المتحدة رقم 3070. دعونا نلقِ نظرة على التجربة النموذجية لحزب الله في لبنان ونضال الشعب اليمني.
صحيح أننا نجتاز أسوأ الأوقات، ولكن أسوأ الأوقات هو الأفضل لصنع الثورة.
ربما يكون لما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من ضم للأراضي المحتلة، واعتبار القدس عاصمة لذلك الاستعمار، مفاعيل إيجابية غير مقصودة في كشف الأقنعة عن نظام الطغيان السعودي وغيره من أنظمة الاستبداد في الخليج؛ هؤلاء الزاحفون نحو التطبيع مع الكيان الاستعماري الإسرائيلي الغاصب.
فلتسقط جميع الأقنعة، ولنكن، نحن الفلسطينيين، نموذجاً لمقارعة الظلام الاستعماري، انتصاراً للإنسانية.
ومع الأحرار في العالم، سنصنع التاريخ.