حكومة تكنوقراط وقوة أمنية سلطة أوسلو تندرج في "اليوم التالي الأميركي"
مَنْ سيكون جزءاً من "وحدة وطنية"، لا ينصاع للمطلب الأميركي بالانخراط في "اليوم التالي"، بتشكيل حكومة "فتحو قراط"، ولا يشكل "قوة أمنية" ترصف الطريق لعودة سلطة أوسلو إلى القطاع، وبالتنسيق مع "دولة" الإبادة.
لا تنقص الدلائل على اندراج سلطة أوسلو، وهي ذاتها قيادة منظمة التحرير، في ترتيبات "اليوم التالي الأميركي"، الذي وكما أعلنت الإمبريالية الأميركية لن ينهض إلا على قاعدة تصفية حماس، والقضاء على سلطتها في القطاع، وإحلال سلطة بديلة مكانها لن تكون إلا نسخة عن سلطة العميل سعد حداد في الجنوب اللبناني.
منذ اليوم الأول، اتخذت سلطة أوسلو موقفاً معادياً للمقاومة والطوفان ينسجم مع موقفها منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، والرسائل المتبادلة بين عرفات ورابين، والتي أعلن فيها عرفات "نبذ العنف" كمطلب أميركي-صهيوني. بداية من اعتبار "ما يجري بين حماس وإسرائيل لا دخل لهم به"، كما أعلن أبو ردينة، مروراً بتصريحات تطالب بمحاسبة المقاومة على اقتحام المستوطنات والمواقع العسكرية يوم 7 أكتوبر، وليس نهاية ببيان حركة فتح بعد تشكيل حكومتها، والذي يحمّل حماس مسؤولية النكبة الجديدة والعدوان على القطاع وإعادة احتلاله.
وعبثاً حاول مسؤولو السلطة في رام الله الادعاء أنهم لن يعودوا إلى القطاع على رأس دبابة. ومَنْ قال إن العودة لا تكون إلا على رأس دبابة؟ طرق كثيرة للعودة وفق الترتيبات الأميركية والرجعية العربية والعدو الصهيوني، ولن تكون الدبابة منها، فتلك طريقة محرجة للغاية، رغم الانطباع الشعبي بأن السلطة لم تعد تستشعر أي حرج بفعل مواقفها وممارساتها، من قمع المقاومين في شمال الضفة مثلاً، وتحميل حماس مسؤولية حرب الإبادة. شاحنات المساعدات يمكن أن تكون أيضاً طريقة لعودة سلطة رام الله إلى القطاع.
نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قدمت قوى المقاومة الخمس مقترحاً وطنياً لتشكيل قيادة طوارئ وطنية تنتج منها حكومة توافق وطني شامل، لم تتفاعل حركة فتح مطلقاً مع المقترح، لا بل بدأت تُظهر انصياعها للطلب الأميركي البديل، (حكومة تكنوقراط)، وفي رواية أخرى "فتحو قراط"، تكون جزءاً من ترتيبات عودة سلطة أوسلو إلى القطاع، طبعاً بعد تمهيد الطريق بتصفية المقاومة وسلطة حماس هناك.
بعد ذلك، تم تداول أخبار عن ترتيبات "أمنية" للقطاع عبر مدخل "تنظيم توزيع المساعدات" عن طريق تشكيل قوة أمنية تتبع جهاز المخابرات، كانت صحيفة "الأخبار" اللبنانية نشرت عنها قبل افتضاح أمرها، وفضحتها وزارة الداخلية في القطاع باعتقال المشرفين عليها واستجوابهم. كان واضحاً أن تلك الترتيبات لبناء القوة الأمنية لن تكون بالاتفاق مع قوى المقاومة، إذ لا حاجة للمقاومة إلى قوة أمنية للسلطة في القطاع لتوزيع المساعدات، وقد أعلنت المقاومة حينها أن أي ترتيبات لأي فعل يتعلق بتوزيع المساعدات يجب أن يتم عبر التنسيق مع المقاومة لا بالالتفاف عليها.
حكومة التكنوقراط تشكلت، والقوة الأمنية كما أعلنت قوى المقاومة ووزارة الداخلية في غزة انكشف أمرها وتمت ملاحقة مسؤوليها الذين، حسب ما أعلنته الداخلية في القطاع، تم ترتيب دخولهم بالتنسيق مع الشاباك الإسرائيلي تحت مبرر تنظيم توزيع المساعدات. واضح أن الصهاينة من جهة يقومون بتصفية 72 ناشطاً من لجان العائلات والشرطة وناشطي التنظيمات، الذين يقومون بتنظيم توزيع المساعدات عبر هيكلية تنسيقية تتبع غرفة قوى المقاومة، ومن جهة ثانية، يسهّلون للأجهزة الأمنية في رام الله التسلل إلى القطاع.
مَنْ يريد تقديم خدماته لتنظيم وتنسيق إدخال المساعدات فالوجهة معروفة: غرفة قوى المقاومة ولجانها المنتشرة في عموم القطاع، والتي تدفع من دم ناشطيها مقابل تنظيم توزيعها، أما مَنْ يريد استخدام تنظيم توزيع المساعدات مدخلاً لمحاولة، هي بائسة كما ظهر على أي حال، بناء سلطة مدنية وأمنية بديلة لسلطة المقاومة، وعلى جثتها، ومتاجرة في الوضع الصعب للحياة اليومية للسكان، فطريقه معروفة أيضاً: التنسيق الأمني مع العدو.
محاولة بناء تلك القوة أفشلتها المقاومة في مهدها، أما حكومة التكنوقراط فأهدافها بالإصلاح ووقف إطلاق النار والإعمار مثيرة للضحك بين أوساط شعبنا.
أي إصلاح وتعطيل الانتخابات منذ 14 عاماً، فلا برلمان منتخباً ولا رئيس منتخباً، رغم أن لا سيادة للمؤسستين، ومع ذلك يحلّون حكومات ويشكّلون حكومات بناءً على رغبة أميركية صريحة، ثم يسمّون ذلك إصلاحاً متوهّمين سيادة معدومة. حتى حكومتهم الجديدة، لا وجود لمؤسسة انتخابية تمنحها الثقة، إن تحدثنا بلغة القانون.
أما أن يكون هدف حكومة "فتحو قراط" الوصول إلى وقف إطلاق النار، فينطبق عليه المثل (على بال مين يللي بترقص في العتمة). من يفاوض لوقف إطلاق النار هو مَنْ يقاتل، هو مَنْ يضع شروطه ويتمسك بها منذ شهور ولم يتزحزح، مَنْ يفاوض ليفرض وقف إطلاق النار هو مَنْ يمتلك ثلاثة عوامل قوة: موقف الغزيين الرافض للهدن المؤقتة، والمطالب بوقف تام ونهائي للعدوان، بطولة المقاومين وتصديهم وإيقاعهم الخسائر في صفوف العدو ما يعمّق من هزيمته الميدانية، وباعتراف جنرالاته وصحفييه وكتّابه، وأخيراً حيازته ورقة القوة، المحتجزين الصهاينة لديه، والذين ببقائهم في الأسر، يعمّقون الأزمة داخل الكيان. المقاومة تملك عوامل القوة هذه، فماذا يملك محمد مصطفى وحكومته ليعلن أن هدف حكومته "وقف إطلاق النار"؟ فعلاً، إنه يرقص في العتمة.
لذلك، لم يعد الفلسطيني يقيم وزناً لأي حديث حول إعادة بناء المنظمة، وعن الوحدة الوطنية مع فريق أوسلو. فأي "وحدة وطنية" مع مَنْ يطعن المقاومة في ظهرها، لا بل يتخذ موقفاً معادياً منها، وبيان فتح بعد تشكيل حكومتها نموذج صارخ على الموقف العدائي. أي عاقل يتوقع بناء "وحدة وطنية" مع مَنْ يحمّل حماس مسؤولية الإبادة في القطاع، وإعادة احتلاله؟
مَنْ سيكون جزءاً من "وحدة وطنية"، لا ينصاع للمطلب الأميركي بالانخراط في "اليوم التالي"، بتشكيل حكومة "فتحو قراط"، ولا يشكل "قوة أمنية" ترصف الطريق لعودة سلطة أوسلو إلى القطاع، وبالتنسيق مع "دولة" الإبادة. وحدة المقاومين هي المطلوبة، وهي تتجسد اليوم في القطاع، في السعي لتنظيم الحياة اليومية، رغم ضربات المحتلين، ورغماً عنهم، وفي ميدان القتال أيضاً.
أما إعادة بناء منظمة التحرير فلا يمكن أن تحقق المرجو منها وطنياً إلا بشروط أربعة لا يجوز إخضاعها للتحوير والتسويف: إعادة الاعتبار إلى الميثاق الوطني الفلسطيني، الناظم للرؤية والهدف، بعدما شطبه عرفات بناءً على الطلب الأميركي، الإعلان بوضوح عن الانحياز الكامل للمقاومة الشاملة، وفي مقدمتها المقاومة المسلحة، بديلاً لكل نهج أوسلو التدميري، تحويل السلطة إلى سلطة خدمات حصراً، من دون أي دور سياسي، وأخيراً اعتماد الانتخابات الديمقراطية لمؤسسات المنظمة، وخاصة المجلس الوطني ومؤسسات السلطة.
غير ذلك، فإن الحديث عن "وحدة وطنية" لن يكون سوى مخادعة للحفاظ على النهج القائم سياسياً لدى القيادة الفلسطينية، نهج العداء للمقاومة والغرق أكثر فأكثر في نهج التفاوض التدميري.