أنظمة الخليج تصوّب "سلاح الدراما".. والهدف فلسطين!

شكّلت الأعمال الدرامية التي تناولت فلسطين هذا العام جدلاً كبيراً، لكن الأكثر بروزاً هو موجة التطبيع المباشرة التي حفلت بها المسلسلات المنتجة خليجياً.

  • أنظمة الخليج تصوّب "سلاح الدراما".. والهدف فلسطين!
    يشهد الإنتاج الفني الخليجي اليوم هندسة فاضحة لتمرير رسائل التطبيع

لا يختلف الموسم الرمضاني هذا العام عن سابقيه من ناحية تسمّر العوائل العربية خلف شاشات التلفزة ومشاهدة الإنتاجات الدرامية، حيث يشكل الشهر الكريم أوجّ الطلب على هذا الإنتاج الذي يعاني من الذبول في غيره من المواسم، وليتحول الى أشبه بأحد تقاليد العرب الرمضانية اللازمة.

وبطبيعة الحال، تعكس الدراما العربية، رغم القيود والقصور، جزءاً من مشاكل المجتمعات العربية والصراع السياسي الدامي، ومختلف الاستقطابات السياسية على الساحة العربية. إلا أن ما يميز الموسم الحالي هو جنوح المنتج الفني الخليجي إلى تمرير الرسائل السياسية، رغم أن الإنتاج الفني الخليجي سواء السينمائي أو المسرحي كان يتجنب الدخول في مثل هذه المواضيع سابقاً، نظراً للقيود المفروضة على التعبير وتشديد الرقابة، خصوصاً في الفترة التي تلت حرب الكويت والتي أنهت ما يمكن وصفه بفترة صعود المسرح السياسي في الخليج.

لكن ومع بروز الرسائل السياسية في الأعمال الرمضانية هذا العام، فإنه من الواضح أن الرسائل الممررة موجهة بشكل منظم من قبل السلطة، وليست انعكاساً للتحرر من قبضتها. بل إن المسألة تجاوزت الرسائل حتى، إلى تجسيد أعمال بأكملها بغرض واحد ومحدد وهو تمرير التطبيع مع الوجود الصهيوني في المنطقة، في نسخ للسياسة الغربية التي يتخذها منتجو المحتوى السينمائي والدرامي الغربي عبر محاولة ذكر "إسرائيل" وتمرير وجودها في المشاهد بشكل مبتذل، في خطوة تعكس هاجس الحاجة لهندسة هذا الوجود وفرضه في الفضاء العام على المشاهد بغض النظر عن رأيه وهويته.

المرحلة التاريخية الحالية والتي شكلتها تقاطع ظروف مختلفة من إحكام محمد بن سلمان على السلطة في السعودية منهياً تجاذبات مختلف الأجنحة الحاكمة، إلى تسلّم دونالد ترمب للرئاسة الأميركية، وصولاً إلى "صفقة القرن"، جميعها عوامل مترابطة ومتداخلة أرجعت فلسطين إلى صدارة المشهد العربي من جديد، لكن الفارق اليوم هو لغرض تصفيتها.

فالطبقة السياسية الخليجية اليوم وأكثر من أي وقت مضى تريد التخلص مما تجد فيه عبئاً اتجاه تمكين مصالحها التجارية والاقتصادية والسياسية مع الغرب والكيان الإسرائيلي.

وبناءً على ذلك، يشهد الإنتاج الفني الخليجي اليوم هندسة فاضحة لتمرير رسائل التطبيع أو حتى محاولة بائسة ومثيرة للشفقة لإعادة سردية الصراع والوجود الاستعماري في الوطن العربي، من بوابة ربط الوجود العربي-اليهودي والتنوع التاريخي للمشرق، بقيام المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، يحدث ذلك في المسلسل الكويتي "أم هارون" من بطولة حياة الفهد.

غرض المسلسل الرئيس هو إعادة تشكيل سردية قيام الكيان الصهيوني، لكن بشكل ينافي حتى السردية الصهيونية ذاتها، من خلال ربطها بما صوّر على أنه "اضطهاد لليهود العرب ما دفعهم إلى الهجرة وإقامة دولتهم"، في نزع كامل للسردية الصهيونية القائمة على "انتهاز الاضطهاد والعنصرية التي تعرض لها اليهود في أوروبا تاريخياً، وصولاً إلى الفترة النازية ووعد بلفور قبلها".

بل إن الجهل المتعلق بالنسخة الدرامية الخليجية من قصة نشوء كيان العدو أدت إلى اختلاق حدث تاريخي جديد وهو "الانتداب البريطاني على إسرائيل"، في حين أن التاريخ الإسرائيلي ذاته لا يرى يزعم هذا الأمر، ولا البريطانيون أنفسهم في مجمل تاريخهم الاستعماري ورد ذكر انتداب على "أرض تسمى إسرائيل".

والجانب الآخر، هو إضفاء البعد الشرقي للسردية، في جهل تام لطبيعة الإستيطان الصهيوني كإستيطان أوروبي من اليهود "الأشكناز البيض"، الذين وإلى اليوم يعاني اليهود المشارقة والعرب منهم ومن عنصريتهم. وإن كان هنالك رغبة ما -وهي بالطبع ليست موجودة- في إبداء التضامن أو الحرص على اليهود العرب فهي تكون عبر إنقاذهم من براثن الصهيونية لا العكس.

وفي مشهد من المسلسل السعودي "مخرج 7" بطولة ناصر القصبي، يظهر الجانب التجاري والاقتصادي من "الانعزالية الخليجية" حيث صوّر المشهد حواراً بين القصبي وراشد الشمراني حول شرعية "عمل بزنيس" مع الإسرائيليين، وهل كانوا حقاً أعداء؟ هنا يقول الشمراني بإن "العدو هو الي ما يقدّر وقفتك معه، ويسبّك ليل نهار أكثر من الإسرائيليين"، وكما "دخلنا حروب علشان فلسطين وقطعنا النفط عشان فلسطين ويوم صار عندهم سلطة ندفع تكاليف ورواتب وحنا أحق بهذه الفلوس"، في نزعٍ واضحٍ لعربية القضية من خلال خصخصتها فلسطينياً والانعزال إلى الهوية السعودية المفترضة، ومن ثم فوق كل ذلك، يقارب المسألة من ناحية القيام بجميل، فيقول إن الفلسطينيين ردوا على ذلك بـ"السباب والشتيمة" في مقاربة سياسية أقرب إلى صراع المراهقين منها إلى صراعٍ عربي-إسرائيلي يفرض واقعه.

تخلل المشهد أيضاً رداً لناصر القصبي والذي رغم محاولته للتمويه والمناورة فهو يعد أخطر من التساؤل حول العداء مع الصهاينة ذاته، لينطلق من ذات المنبع ومن ذات السردية المعممة سعودياً والمكررة منذ أعوام من تسليم بسردية "بيع الفلسطينيين لمنازلهم" و"نكران الجميل"، وأن هنالك فلسطينيون أخياراً وهنالك من هم ليسوا كذلك، فهم وفق قوله "بشر مثلهم مثل كل الجنسيات فيهم الطيب وفيهم الرديء، فيهم ناكر الجميل وفيهم الوفي، فيهم المخدوع وفيهم الواعي".

ثم يكمل القصبي وفي مفارقة سريالية بالقول إن "هذه مؤامرة إسرائيلية للتفريق بين الفلسطينيين وباقي العرب"! رغم أنه هو نفس أحد بيادقها. ويختم بالإجابة عن إذا ما وجب علينا الوقوف مع الفلسطينيين "رغم أنهم لاعنين أبو خامسنا" وهنا حرفياً يقصد الشمراني بلعن "أبو الخامس" ما يتلقاه سعوديون من الغضب والاحتجاجات والشتم على إثر محاولتهم تصفية القضية بالتعاون مع ترمب وجاريد كوشنر، فيقول القصبي "نحن لا نقف مع أحد نحن نقف مع الحق"!

بالطبع لا يمكن اختزال المشهد السينمائي العربي بالمنتج الخليجي، رغم الاحتكار التاريخي لشبكة "ام بي سي" للفضاء العام العربي والقدرة على توجيهه. برغم ذلك إلا أننا وجدنا، مثلاً، في سوريا ورغم سنين الحرب والدمار فيها، إلا أن ذلك لم يمنعها من فرض موقفها الوطني بوجه موجة التطبيع.

وكما عودنا الإنتاج السينمائي السوري عربياً من ريادة، شكّل مسلسل "حارس القدس" الذي تعرضه قناة الميادين يومياً عند الساعة 9 مساءً بتوقيت القدس، شكّل صورة التمسك بفلسطين والعروبة في آن.

ورغم مرور بعض الحلقات في البداية إلا أنّ أهمية العمل تكمن في إغراس الإمتداد الطبيعي لحلب ودمشق ولبنان والقدس في الوجدان والمخيلة الجمعية العربية، وتأكيد النظرة للاستعمار الاحتلالي الصهيوني كنقيض وحاجز مصطنع، لكل ما يجمع مجتمعاتنا ولكل لما هو جميلٌ فينا... وهنا تُسقط تلك الإنتاجات الفنية جميع السرديات التي تقوم عليها المسلسلات الخليجية حالياً!

مسلسل درامي يؤرخ لحياة المطران المناضل إيلاريون كبوجي، وحياته بين حلب والقدس، ونضاله في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.