كورونا وأجواء ما قبل الحرب.. هذا ما حصل عشية حربين عالميتين
النظام العالمي الجديد قد يُلغي القُطبية الواحدة أو ديكتتورية دول الفيتو، ولكن هل ستكون البدائل جيّدة لمنطقتنا؟ أم سنكون الضحية رقم واحد لهذا النظام؟
ربما ليس عبثيّاً أن تكون الكرة الأرضية دائرية أو "مُفلْطَحة" كما يحبّ الجغرافيون تسميتها، لأنها، وبسبب هذا الشكل كما أتخيّل، نرى أن الأحداث تتكرَّر دائماً ولكن باختلافاتٍ بسيطةٍ. هذه الفروقات تتمثل في المؤلّف والمخرج والمُمثّلين، كفيلم "النمس بوند" للمُمثّل المصري هاني رمزي، نسخة طبق الأصل عن فيلم "جوني إنغلش" من بطولة البريطاني روان أتكينسون المعروف باسم (مستر بن).
في النسخة المصرية نرى الضعف الكبير في التمثيل والإخراج والحبكة رغم أن القصة نفسها، أما في النسخة الأجنبية فنرى إبداعاً في التمثيل والإخراج والحبكة، وكذلك هو الأمر في السياسة، الأحداث تتكرّر لكنّ المُمثّلين يتغيَّرون، إما يضعفون أو يصبحون أكثر قوَّة.
في عام 1933 صعد أدولف هتلر إلى الحُكم في ألمانيا وبات مُستشار البلد الذي كان لسنواتٍ قليلةٍ ماضيةٍ مهزوماً مكسوراً مسحوقاً مديوناً من كل جيرانه والكرة الأرضية، هذا البلد كان يحتاج شخصاً كهتلر بقوَّته ليقوده، ولكن هل أخذ هتلر قوَّته من نفسه فقط؟ وهل كان يمتلك عقلية مُميَّزة حتى يكون الأقوى في العالم مثلاً؟
هتلر اكتسب قوَّته من ضعف جيرانه. مثلاً بريطانيا كانت تشهد أزمة سياسية وتخبّطات وصراعات بين الأحزاب، وعندما وصل هتلر إلى الحُكم كان رئيس وزراء بريطانيا رامزي ماكدونالد، الذي كان يتميَّز بالضعف في مواجهة التحديات لا سيما الاقتصادية في البلاد. ثم أتى بعده ستانلي بلدوين، والذي تميَّزت فترته بالأزمة في كرسيّ العرش في بريطانيا حيث تعاقب على المُلك ثلاثة ملوك، ولم يستمر في المنصب سوى عامين حتى أتى بعده نيفيل تشامبرلين، الذي كان يُحابي هتلر ويخافه ولم يعصِ له طلباً خوفاً من الحرب التي وقعت في عهده.
أما فرنسا فقد كان يحكمها العجوز المريض ألبير فرانسوا لوبران، الذي كان شغله الشاغِل صحّته المُتدهوِرة، أما خارجياً فقد كان يخاف من ألمانيا.
الولايات المتحدة بدورها كانت خارجةً لتوِّها من أزمة الكساد الكبير في عهد هربرت هوفر، وبعدها شهدت البلاد أزمة سياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذي أتى منه الرئيس الجديد فرانكلين روزفلت، والذي كان قوياً لبلدٍ يُعاني من أزمةٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ كبرى وبالتالي لم يكن مشغولاً كثيراً بما يفعله هتلر، وهنا نحن نتحدَّث عن عام 1933 وما بعده.
هتلر رأى كل هذا الضعف في جيرانه الذين كان يجب عليهم أن يكونوا أقوياء، كونهم فازوا بالحرب الأولى وقسَّموا ألمانيا وأخذوا تعويضات منها، لكن عملياً كانوا أضعف من أن يواجهوا شارعهم المؤيِّد في بلدانهم وليس المعارِض، ولهذا استطاع هتلر وقبل أن ينتهي عام 1938 أن يحتل نصف أوروبا، ولم يأتِ عام 1940 حتى دخل باريس، ولم يكن ليحصل هذا لولا ضعف أعدائه من جهةٍ أو انشغالهم بأزماتهم الداخلية من جهةٍ أخرى.
بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية صعد إلى الحُكم في بريطانيا رجل قوي شَرِس وذكي وهو ونستون تشرشل، وبرغم اختلافنا الكبير معه، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر قوَّته، فهو القائِل أنه يُفضِّل رائحة البارود في المعارك على رائحة عطور النساء في لندن، وهو مَن أجبر الولايات المتحدة على دخول الحرب بسبب ذكائه.
أما في فرنسا فقد قاد المقاومة فيها شارل ديغول، الذي ترأّس حكومة فرنسا الحرَّة في لندن، وقاد بنفسه المقاومة في الخنادق وكان يبات فيها بالأشهر حتى نهاية الحرب. أما أميركا فقد اتّخذ رئيسها المريض ولكن القوي في وقتها روزفلت، قراره بدخول الحرب ووضعِ حدٍّ لهتلر وللنازية.
النازية التي كانت تهدِّد العالم ككل في القرن الماضي تشبه كورونا اليوم، ولكن لنرى مَن يُحاربها الآن؟ في بريطانيا رئيس وزراء متهم بالكذب وله فضائح بهذا الأمر، إضافة إلى اضطرابه بالقرارات والخطوات التي يتّخذها وعدم اتّزانه أساساً.
في فرنسا نرى إيمانويل ماكرون، الرئيس الذي يُعاني من أزمات كُبرى في حكومته، وشعب لا يثق بسياساته، حيث تشهد فرنسا أكبر تظاهرات وأعمال عنف من قِبَل الشرطة بحق أصحاب السترات الصفر، إضافة إلى عنصريَّته ضدّ أصحاب البشرة السمراء.
وفي الولايات المتحدة نرى دونالد ترامب، الرئيس المُتهوِّر. ديغول كان يعيش في الخنادق، أما ترامب فيخاف أن يزور العراق أو أفغانستان عَلَناً ويُفضّل زيارتهما سرّاً مُصرِّحاً عن الزيارة بعد انتهائها، وهذا دليل كبير على جُبنه، إضافة إلى ضعفه في الرؤية السياسية، والشارع الأميركي بات من أكثر الكارهين له بسبب أزمة كورونا.
هذه الدول إنْ كانت لا تستطيع أن تواجه فيروس مجهرياً، فكيف تقود العالم وتصنّفه عالماً أول وثالثاً، ولماذا تمنع التكنولوجيا عن باقي الدول إنْ كانت بمثل هذا الضعف؟ فحقّاً شتَّان بين مَن واجه النازية سابقاً وبين مَن يواجه كورونا الآن.
أزمة كورونا ليست عادية بل هي حرب حقيقية ضد المنظومة العالمية ككل، وبالتالي ما بعدها ليس كما قبلها، فكما خلَّفت الحرب العالمية الأولى لنا عصبة الأمم، والثانية الأمم المتحدة، فإنّ كورونا ستخلّف نظاماً عالمياً جديداً سيُدمِّر دولاً واتحادات وسيخلق أخرى، وما ستخلّفه سيستمر لأجيالٍ قادمة، لأن الدول التي تحكم العالم باسم القوى ليست أهلاً لمثل هذه المهمة، فهي أضعف من سابقاتها بمئات المرات.
النظام العالمي الجديد قد يُلغي القُطبية الواحدة أو ديكتتورية دول الفيتو، ولكن هل ستكون البدائل جيّدة لمنطقتنا؟ أم سنكون الضحية رقم واحد لهذا النظام؟