لعمامرة وترامب.. معركة تدوير الزوايا جزائرياً في الملفّ الليبي
مصادر مقربة من دوائر صنع القرار الدبلوماسي كشفت "للميادين نت" أن السلطات الجزائرية تفاجأت بموضوع اعتراض إدارة ترامب على ترشيح الدبلوماسي الجزائري المخضرم رمطان لعمامرة.
لم يحظَ خبر إسقاط الإدارة الأميركية اسم رمطان لعمامرة كممثل أممي خاص إلى لييبا بأي تعليق رسمي جزائري، تماماً كما كان الأمر حين تم تسريب خبر ترشيحه من طرف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش. ولسان حال الفاعلين في الدبلوماسية الجزائرية حول الحادثة: لم نكن على علم بخبر ترشيحه، ولا يعنينا كثيراً إسقاطه الآن.
مصادر مقربة من دوائر صنع القرار الدبلوماسي كشفت "للميادين نت" أن السلطات الجزائرية تفاجأت بموضوع اعتراض إدارة ترامب على ترشيح الدبلوماسي الجزائري المخضرم رمطان لعمامرة، على اعتبار أن وزير الخارجية الأسبق في عهد نظام بوتفليقة كان يحظى بموافقة الخارجية الأميركية، بحسب المصادر نفسها، بل إن ترشيح لعمامرة لدى مكتب الأمين العام الأممي جاء من دول تدور في فلك السياسة الأميركيَّة.
وتعد بعض هذه الدول مجرد أدوات لتبليغ قرارات واشنطن وتنفيذها، فما الذي تغيَّر لتنقلب حسابات ترامب حيال الملف الليبي، ويجد غوتيرش نفسه مجبراً على إيجاد أسماء بديلة؟
في سياق التحليل هذه المرة، وليس المعلومات، يبدو أن إعصار فيروس كورونا عصف بالكثير من الخطط والسيناريوهات التي كانت جاهزة للتنفيذ في ليبيا، بعد أن جرى التحضير لها على مدار الأشهر الماضية.
العنوان الأبرز أميركياً في الأزمة الليبية حالياً هو تأجيل الحلول الجدية، ولا بأس بالمزيد من التصعيد الميداني. ميزان القوى في ظل أزمة كورونا أعاد ترسيم معادلات صراع ونفوذ جديدين على المستوى الدولي بشكل عام، وفي حوض المتوسط والمنطقة العربية على وجه خاص.
من هنا، يبدو أن الإدارة الأميركية جنحت إلى أسلوب المراوغة التكتيكية وتأجيل القرارات الاستراتيجية الحاسمة. ويأتي ترحيل الملف الليبي إلى وقت لاحق في هذا السياق.
جزائرياً، لم تتغيَّر الأمور كثيراً. ما زال التقييم السياسي والأمني للملف الليبي ذاته. الحل في ليبيا مرتبط بإرادة سياسية إقليمية يبدو أنها لم تنضج بعد صوب حل سياسي سلمي، لكن إسقاط ورقة لعمامرة من منصب الممثل الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، قد يكون له بعض المزايا في الحسابات الجزائرية داخلياً وخارجياً.
محلياً، يمثل لعمامرة عبئاً سياسياً ثقيلاً على السلطة في الجزائر في ظل حكم الرئيس تبون، وإن كان دبلوماسياً محنكاً، وله إنجازات مهمة، وخصوصاً في الملف المالي، إذ نجح في إفشال مخططات باريس في شمال مالي، ومنح الدبلوماسية الجزائرية إنجازاً مهماً بالتوقيع على اتفاق السلام في مالي، الأمر الذي كان له تأثير مباشر في الوضع في منطقة الساحل، وبالتالي تخفيف الضغط على الجيش في الجنوب الجزائري بعد تحسن الأوضاع الأمنية، إلا أن هذه التركة الدبلوماسية الكبيرة تبخَّرت أو تكاد تتبخّر، بعد أن قَبِل لعمامرة الدخول في لعبة كسر العظام التي شهدها النظام الجزائري في آخر أيام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وبعد أن كان لعمامرة يحظى باحترام كبير لدى طيف واسع من الجزائريين، بخلاف كل وزراء النظام السابق ورموزه، سقط الرجل من علياء مجده الدبلوماسي بعد أن وافق على خطة إنقاذ بوتفليقة، حين قَبِل منصب نائب وزير أول ووزير خارجية في حكومة نور الدين بدوي، التي جاءت بعد إقالة أحمد أويحيي في 28 شباط/فبراير 2019، أي بعد 6 أيام فقط من اندلاع الحراك الشعبي في الجزائر.
وكان الهدف من هذه الخطوة هو تقديم اسم محترم كواجهة جديدة للسلطة لإسكات صوت الشارع المنتفض. وقد قبل لعمامرة بالمهمة. وبقبوله، وقع على شهادة وفاته سياسياً ورمزياً لدى غالبية الجزائريين المنتفضين في تلك الفترة.
خارجياً، لا يمثل اسم لعمامرة ورقة رابحة للدبلوماسية الجزائرية، وخصوصاً أن خلفيات ترشيحه للمنصب الأممي كانت بعيدة تماماً عن تحركات الجزائر في الملف الليبي، بل كان تعيينه سيمثل نقطة ضعف للموقف الجزائري، على اعتبار أن أي تصريح أو تحرك له، كان بشكل من الأشكال سيحسب على الدبلوماسية الجزائرية، وتجربة الأخضر الإبراهيمي في الملف السوري كانت تجربة مكلفة وصعبة، على اعتبار أن الموقف الجزائري كان على نقيض من تحركات الإبراهيمي في الأزمة السورية.
الأهم من التحفظات على لعمامرة لحسابات داخلية وإكراهات خارجية، أن مقاربة الجزائر للأزمة الليبية في مكان آخر، بعيداً من تجاذبات القوى الإقليمية وهشاشة موقف الأمم المتحدة بفعل الضغوطات التي تمارسها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وكانت جهود الخارجية الجزائرية قد وصلت إلى مرحلة متقدمة جداً لجمع أطراف النزاع الليبي في الجزائر، إلا أنّ جائحة كورونا خلطت حسابات الجميع.