في يوم الطفل الفلسطيني.. حقوق في قبضة الاحتلال!
قتل الاحتلال 2115 طفلاً فلسطينيًا على الأقل منذ عام 2000، أمّا في غزَّة فلا يمكن تعداد الحالات التي فَقَدَ فيها الأطفال أطرافهم أو أصيبوا بالشلل نتيجة رصاص الاحتلال.
في مشهدٍ مجبولٍ باحتلالٍ تجاوز سبعة عقود واعتداءاتٍ يوميّة تضيق بها أيام الأسبوع لتطال كل تفاصيل الحياة في فلسطين، قد يبدو ترفاً الحديثُ عن حقوق الطفل الفلسطيني، فالاحتلال الذي صادر الأرض من أهلها وشرّدهم وقتلهم ولا يزال، لن يكترث لحقوق الأطفال ولن تلجمه الاتفاقيات الراعية لها. وعلى الرغم من أنّ دولة الاحتلال هي من الموقّعين على اتفاقية حقوق الطفل، إلا أنّها تمعن في انتهاك هذه الاتفاقية عندما يتعلّق الأمر بالأطفال الفلسطينيين.
وفي يوم الطفل الفلسطيني، الذي يصادف في الخامس من نيسان/أبريل من كلّ عام، فإنّ أكبر اعتداء على الطفل الفلسطيني وحقوقه هو الاحتلال ذاته، أمّا الاعتداءات الإسرائيلية بحقّ الأطفال فهي التعبير الذي يُعرَّف به الاحتلال، وهي جزء من سياسته الهمجيّة التي لا تفرّق بين كهلٍ أو طفلٍ رضيع.
تنصّ اتفاقية حقوق الطفل في المادة 6 على أنّ لكل طفل الحق الأصيل في الحياة، وعلى أن تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموّه. أمّا المادة 19 فتلزم الدول الأطراف باتخاذ كلّ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من العنف والضرَر والإساءة البدنية أو العقلية.
وتتكفّل الدول الأطراف، وفق المادة 37 من الاتفاقية، بعدم تعرّض أيّ طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية المهينة، وألا يُحرَم أيّ طفل من حريته بصورةٍ غير قانونية أو تعسفية. كذلك تستوجب المادة معاملة الطفل المحروم من حريته بإنسانية واحترام للكرامة المتأصّلة في الإنسان، وبطريقةٍ تراعي احتياجات الأشخاص الذين بلغوا سنّه وأن يكون له الحق في البقاء على اتصال مع أسرته عن طريق المراسلات والزيارات.
إلا أنّ ما تفعله دولة الاحتلال هو نقيض ما تقدّم، وقد زخرت السنوات القليلة الماضية، لا سيّما بعد اندلاع انتفاضة القدس في عام 2015، بجنون الإعدامات الميدانية التي نفّذتها قوات الاحتلال ضد أطفال فلسطينيين، وبعض هذه الحالات وثقتها عدسات الكاميرات، لكن من دون أن يحاكم المرتكبون.
ومن تلك الإعدامات جريمة قتل دانيا إرشيد في عام 2015، وخالد بحر أحمد بحر وعبدالفتاح الشريف في الخليل عام 2016، ونسيم أبو رومي في القدس المحتلة عام 2019. وتضاف إلى ذلك الإعدامات التي طالت أطفالاً على حدود غزّة في مسيرات العودة التي انطلقت في آذار/مارس 2018، ومنهم الطفلان ياسر أبو النجا، وعثمان حلس.
ووفق الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فرع فلسطين، فقد قتل الاحتلال 2115 طفلاً فلسطينيًا منذ عام 2000 حتى آذار/مارس 2020، من بينهم 37 طفلاً من القدس المحتلّة، و1224 طفلاً قتلهم في الحروب التي شنّها على قطاع غزّة المُحاصَر ما بين عامي 2006 و2014.
وإذا كان "العيار الذي لا يقتل يدوش" فهو في فلسطين يقتلع عيون الأطفال أو يؤدّي بهم إلى الشلل أو بَتْر الأطراف. ففي العيسوية شرق القدس المحتلة أصاب جنود الاحتلال الطفل المقدسي مالك عيسى، إبن السنوات السبع، بالرصاص المطّاطي في إحدى عينيه، وذلك في أثناء عودته من المدرسة إلى منزله في شباط/فبراير الماضي. وليس مالك إلا حالة واحدة من بين عشرات الإصابات التي فَقَدَ أطفال فلسطينيون فيها النظر في إحدى أعينهم التي استهدفها رصاص الاحتلال.
أمّا في غزَّة فلا يمكن تعداد الحالات التي فَقَدَ فيها الأطفال أطرافهم أو أصيبوا بالشلل نتيجة رصاص الاحتلال وتعمّد إصابتهم بما يضمن التسبّب لهم بعاهةٍ دائمة. فالطفل محمّد أبو معوض أصيب بشللٍ في أطرافه السفلية جرّاء إصابته بعيارٍ ناري حيّ في ظهره، في أثناء مشاركته في مسيرات العودة في أيار/مايو 2019، فيما بُتِرَت ساق الطفل عبد الرحمن نوفل بعدما أصابها جنود الاحتلال بطلقٍ ناري مُتفجّر في نيسان/أبريل 2018.
وثَّق مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم) الاعتقال الوحشي الذي نفّذه جنود الاحتلال، في بيت أمر في 30/1/2020، بحقّ الطفلين عبدالله صبارنة وحمزة وهادين. وهذه الحال هي حلقة في مسلسل العنف اليومي الذي يمارسه الاحتلال ضدّ الأطفال الفلسطينيين.
ولا تتردّد قوات الاحتلال في اعتقال الأطفال من أسرّتهم في منتصف الليل، واقتيادهم إلى مراكز التحقيق، مع ما يرافق ظروف الاعتقال من ترهيبٍ ومَنْع الأهل من مرافقة أبنائهم، وتقييد الأطفال، وتعصيب أعينهم، والتحقيق معهم ليلاً في بعض الحالات، وذلك لإجبارهم على الاعتراف بأفعالٍ لم يرتكبوها، وهذه الاعترافات تكون أملاً في وضع حدّ لما يواجهونه في التحقيق. واللافت أنّ كل الإجراءات غير القانونية التي تتّخذها قوات الاحتلال لا تلبث محاكم الاحتلال أن تُصادِق عليها بمفعولٍ رَجعي.
وبعد مُعاناة الاعتقال والتحقيق، تأتي مُعاناة الأطفال في سجون الاحتلال في ظروفٍ لا تُراعي المعايير الدولية، من انعدام النظافة ورداءة الطعام، والإهمال الطبي، والانقطاع عن العالم الخارجي، والحرمان من زيارة الأهل، والحرمان من الحق في التعليم، وغيرها الكثير من الاعتداءات التي من أهدافها كَسْر نفسيّة الطفل وزَرْع الخوف في نفسه ليكون مُهادناً للاحتلال عند خروجه من الأسْر، يتجنّب ما قد يُعيده إلى هذا الجحيم مرة أخرى.
وتعتقل سلطات الاحتلال سنوياً حوالى 700 طفل من مختلف المناطق الفلسطينية، ويبلغ عدد الأطفال الأسرى في سجون الاحتلال اليوم 180 أسيراً.
تنصّ المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل على أنّ الدول تعترف بحق الطفل في التعليم على أساس تكافؤ الفرص، فيما تنصّ المادة 29 على أن يكون تعليم الطفل موجّهاً نحو جملة من الأمور من بينها تنمية احترام الهوية الثقافية للطفل ولغته وقِيَمه الخاصة.
إلا أنّ سلطات الاحتلال تعمل على أَسْرَلة التعليم، خصوصاً في الشطر الشرقي من القدس المحتلّة، وتحاول أن تفرض المناهج الإسرائيلية بما فيها من تشويهٍ للهوية الوطنية والثقافية الفلسطينية، فيكبر الطفل الفلسطيني وقد تشرَّب أفكار الاحتلال والرواية الصهيونية. فعلى سبيل المثال، يُسمّي المنهاج الإسرائيلي النكبة بـ "استقلال إسرائيل"، ويُسمّي الفلسطينيين بـ "العرب في أرض إسرائيل"، ويشير إلى القرى والبلدات الفلسطينية بأسماءٍ عبرية، ويحذف النصوص التي تتضمّن مواضيع المقاومة وحب الوطن، وحق العودة.
وفيما تدعم سلطات الاحتلال المدارس التي تعتمد المنهاج الإسرائيلي بما فيه من تشويه، فهي تحرص على أن تكون المدارس المُتمسّكة بالمنهاج الفلسطيني مُتأخّرة ومن دون دعم. ونتيجة لهذه السياسة، تعاني مدارس شرق القدس نقصاً في الغُرَف الصفّية يقارب 2000 غرفة، علاوة على النقص في الكادر التعليمي.
وقد فاقمت دولة الاحتلال من التحديات التي يواجهها الطلاب المقدسيون عبر بناء الجدار العازِل الذي فرض على المعلمين والطلاب سلوك طرقات أطول والمرور عبر الحواجز والبوابات التي استحدثها الاحتلال على طول الجدار، للوصول من أماكن سكنهم خارج الجدار إلى مدارسهم داخله؛ الأمر الذي ينعكس على العملية التعليمية برمّتها، ويؤدّي إلى التسرّب المدرسي.