للجزائريين طقوسهم في مواجهة كورونا

عندما يرخي الليل سدوله على المدينة، يبتدع سكان هذه المناطق طقوسهم الخاصة في محاربة أجواء فيروس كورونا المقلقة والكئيبة.

  • للجزائريين طقوسهم في مواجهة كورونا
    رجل يعقم المقاعد في الجزائر (صورة أرشيفية)

الساعة السابعة مساءً في حيّ باب الواد الشعبي في الجزائر العاصمة. الشوارع خالية تماماً إلا من دوريات رجال الشرطة التي تجوب المنطقة للوقوف على تطبيق الحجر الصحي الجزئي. بمكبّرات الصوت، ينادي عناصر الأمن على بعض الشباب، ويطالبونهم بالدخول إلى منازلهم. المشاكسات البسيطة التي تحدث مع قوات الأمن، والتي تتكرر في مثل هذا التوقيت، أصبحت تقليداً لبعض الفتية، لكسر روتين الهدوء الذي يلفّ المكان.

حي باب الواد، وعلى غرار أغلب الأحياء الشعبية في مدينة الجزائر العاصمة، لم تشهد منذ سنوات العشرية السوداء، مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، مثل هذه الأجواء الموحشة والرتيبة.

 وعندما يرخي الليل سدوله على المدينة، يبتدع سكان هذه المناطق طقوسهم الخاصة في محاربة أجواء فيروس كورونا المقلقة والكئيبة. أغانٍ وأهازيج، تصفيق وحوارات من الشرفات. كل شيء موجود في هذه الاحتفاليات الشعبية المسائية، من السياسة، إلى الرياضة وشيء من الطب، وصولاً إلى مخاطبة فيروس كورونا بشعارات النصر والأمل.

هكذا، ومع مساء كل يوم جديد وأرقام جديدة للإصابات، يجترح الجزائريون البسطاء، من وحي يومياتهم العادية الصعبة، طرقهم في مقارعة الخوف والقلق. 

ولعلهم، وهم يفعلون ذلك، يستعيرون بعضاً من مشاهد شوارع ميلانو أو لمبارديا.. هناك في الشمال الإيطالي الموبوء الذي يصارع يومياً من أجل أن تنتصر الحياة. تقول السرديات الثقافية الشعبية في الجزائر إنّ ثمة شبهاً ما في الطباع بين الجزائريين والإيطاليين، أقلها في طباعهم الحادة وتعلّقهم بالحياة.

حالة التعاطف حد التماهي مع أسلوب مقارعة الوباء بين الجزائر وإيطاليا، ليست حدثاً طارئاً. للقصة جذور صغيرة في الماضي القصير. يتذكّر الجزائريون جيداً وهم يشاركون إخوتهم في الإنسانية من الإيطاليين محنة وباء كورونا، أن الجزائر حين كانت تقاتل وحيدة، مطلع التسعينيات من القرن الماضي، فيروساً آخر أشد فتكاً وخطراً من كورونا، وهو فيروس الإرهاب الأعمى، وبعد أن خذلها الإخوان والأشقاء، وطعنها الأصدقاء وتنكَّروا لها، وجدت إيطاليا نصيراً وحليفاً.

 بالمال والسلاح، وقفت روما مع الجزائر وقتذاك في وجه قوى ظلامية مدعومة من الخارج، تماماً كما تكرر السيناريو الدامي لاحقاً في سوريا.

ومع تراكم منسوب الألم والحزن على إيطاليا، بفعل الأرقام المرعبة لأعداد الموتى والمصابين التي تفجعنا جميعاً كل مساء، تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر إلى ساحة دعم ودعاء لينتهي هذا الكابوس. 
أغانٍ تراثية إيطالية ومقاطع فيديو لفنانين ورياضيين إيطاليين.. كل شيء جميل في أوروبا تحوّل إلى إرث إيطالي. هكذا هم الجزائريون، متطرفون في حبهم كما في غضبهم. 

وحين تهدأ خواطرهم قليلاً، يتذكّرون أن القدس كما الجزائر، ودمشق وطهران كما بيروت وبغداد.. مر عليها غزاة كثر، وحرائق كثيرة، وأوبئة كثيرة، لكنِ انتصر الجمال والإنسان والحياة في النهاية، تماماً كما ستفعل روما، لأن "نيرون" اندثر مع حرائقه، وبقيت إيطاليا عنواناً للجمال والفن والإبداع.. وستعود لتحيا وتتعالى على آلامها، وقريباً جداً.. وما ذلك على ربّك بعزيز.

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.