إنَّنا في هذا العالم أسرى أفكارنا
ما مدى أهمية أفكارنا في تكوين الواقع من حولنا؟ لقد أثبت لنا علم الكمّ أنَّ الأشياء ليست على شاكلتها إلا إذا نظرنا إليها، أي أننا نعطيها شكلها ووجودها بمجرد النظر إليها.
لماذا نحن هنا؟ ما حقيقة هذا الوجود؟ وما مدى أهمية أفكارنا في تكوين الواقع من حولنا؟
نغوص في خبايا العقل ونشرّح الأفكار مثل طبيب يمارس المهنة منذ مدة قصيرة، إلا أنَّ خبرته لا تساعده على تخطّي بعض التعقيدات داخل جسم المريض، لكن لماذا الجسم مريض؟ لماذا نسمح لأنفسنا بأن نشرّح الأفكار ونحن لم نتعلَّم الطبّ أصلاً!
إنَّنا في هذا العالم أسرى أفكارنا، وانعكاس لأفكار الغير عنا. لقد عاملنا أنفسنا مثل الآلات (الروبوتات)، حتى غيّبنا العقل في منطق معظم الأمور، وجعلنا سكينتنا في الثبات الوهمي أو الغبن في ما نسميه الاستقرار؛ الاستقرار الذي يملي علينا روتين حياتنا الزائفة، إذ ننقلها إلى عقلنا كمؤشرات للراحة النفسية أو الرضا الّذي يحمل في خباياه غصة لا نجرؤ على إطلاقها لتعدّد الأسباب المحيطة بنا؛ اجتماعياً أو عقائدياً أو فكرياً.
لقد أثبت لنا علم الكمّ أنَّ الأشياء ليست على شاكلتها إلا إذا نظرنا إليها، أي أننا نعطيها شكلها ووجودها بمجرد النظر إليها، وهذا ما يشكّل التباين في آراء الناس تجاه الشيء نفسه، فكلٌّ منا يرى بعيونه الخاصَّة التي تشكّل بدورها الحقيقة الوجودية في العالم المادي، إذ إنَّ الكون كلّه عبارة عن ذرات (Atoms) تجتمع في ما بينها لتشكّل الحياة في مجمل تفاصيلها بفضل الوعي المطلق، كما نحن في أجسادنا ذرات لا متناهية تشكّل جسدنا وأسلوب حياتنا.
كلَّما تعمَّقنا في هذا العلم وأذعنّا لتفاصيله، وجدنا في النهاية شيفرة معلومات، وكلّ تجسيد في العالم المادي هو عبارة عن معلومات في الأصل لا أكثر (Information). تخيَّل معي أن الإنسان في أوَّل ظهور له كحيوان منوي متناهي الصّغر، هو نفسه الماثل أمامك الآن يلقي عليك فلسفته التي حملها معه مذ كان نطفة لا تُرى بالعين المجردة؛ هذه النطفة التي كانت تحمل كلّ المعلومات لتشكيل هذا الجسد بجميع وظائفه، وكذلك هي الطّبيعة، ونحن نعلم ذلك الآن من خلال التجارب والإمعان في النظر، لنشكّل واقعنا المادي الذي نعيش فيه. ومن هنا، تترتَّب علينا المسؤولية الكبرى، ذلك أنّنا نشكّل بأنفسنا عالمنا بحسب الطريقة التي نرى بها الأشياء.
"عبدي أطعني تكن مثلي"، "قل للشَّيء كن فيكون". هكذا أراد لنا خالق الكون أن نكون. وبحسب نظريَّة الخلق، إنَّ الله يخلق بالكلمة، والكلمة عبارة عن معلومة. وكذلك الأمر بحسب نظرية التطوّر، فإنّ كلّ شيء في هذا العالم المادي يتبع قانون صارماً في هذا المجال، وهو المعلومة وتكيّفها واختلاف تشكيلها بحسب الحاجة.
هذا ما يدلّنا بالتأكيد على قوة الكلمة ومدى تأثيرها في جميع أشكال الحياة في العالم الماديّ، فكلمة طيّبة تجعل حياة شخص ما جنّة فردوسية، وكلمةُ مَذمَّة تدفع الشخص نفسه إلى الانتحار بسبب حياته المزرية، وكلّ شيء حيّ في هذا العالم يتأثَّر بالكلمة، بغضِّ النظر عن جنسه أو لونه.
ولنزد الأمور إشراقاً؛ إنّ كلّ موجود في هذا العالم هو كائن حيّ، إذا ما عدنا إلى أصل كلّ شيء، ألا وهو الذرات، فإنّ الذرات نفسها التي تشكّل طاولة مكتب أستطيع الكتابة عليه، هي نفسها الذرات التي تشكّل أناملي التي تكتب، لكنَّ المعلومات تختلف فيها لا أكثر.
يجب علينا توحيد الكلمة! إنَّ القوّة الكامنة في هذا المجال لا حدود لها، وهي تتبع قانوناً ثابتاً في هذا العالم الماديّ، ونستطيع التحكّم بها وتروضيها بأنفسنا لكي تلائم وجودنا. علينا أن نعلم كيف نتّحد وننبذ جميع الأمور السّطحية التي تحدّ من تقدّمنا، ونركّز على النقاط المشتركة في ما بيننا، لكي نشكّل وعياً أسمى للحياة نصل به إلى الكمال الذي تحتمه علينا غاية الوجود.