هل اقترب التوافُق الغربي على نهاية المرحلة الإردوغانية؟

في ظلّ الواقع الجديد لا يحتاج إردوغان إلى سُلَّم واحد لكي يستطيع النزول عن الشجرة، بل يحتاج إلى الكثير من السلالِم التي أصبحت مفقودة على ما يبدو.

  • هل اقترب التوافُق الغربي على نهاية المرحلة الإردوغانية؟
    الدور الحقيقي للرئيس التركي بدأ بالتكشّف منذ انطلاقة الربيع العربي المزعوم

عندما كانت تونس المحطّة الأولى لانطلاق قطار ما سُمِّي بالربيع العربي، لم تكن يد الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان بعيدة عن مِقوَد هذا القطار، فهي مرئية بالبصيرة حتى لو غابت عن البصر كونها يد "خليفة المسلمين" حسب قناعته وقناعة التيّار الإخواني.

والحال التونسية تنسحب على كل الحالات التي سار بها ذلك القطار من دعمٍ واضحٍ وعَلني من قِبَل الرئيس التركي لوصول محمَّد مرسي إلى الرئاسة المصرية، إلى احتضان خالد مشعل الزعيم السابق لحركة حماس، وهذا ينسحب أيضاً على مُعظم الساحات المُتأثِّرة بالفكر الإخواني.

كل هذا أصبح معروفاً للقاصي والداني ولكن السؤالين الجوهريين اللذين سنحاول الإجابة عليهما هما:

·  أين "إسرائيل" من كل ما جرى ويجري في المنطقة؟

·  كيف يبدو الواقع التركي الآن وخاصة بعد التدخّل التركي المباشَر في الحرب على سوريا؟

لم يستطع إردوغان إقناع الغالبيّة الساحِقة من شعوب المنطقة بأنه نصيرٌ لفلسطين وعدوٌ لـ"إسرائيل" رغم محاولته اقتناص ما تيسَّر من مواقف لإثبات ذلك، كانسحابه من اللقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شيمون بيريز المُنعَقِد على هامش مُنتدى داڤوس عام 2009، إلى حادثة سفينة مرمرة عام 2010، إلى ما هنالك من مواقف وتصريحات إعلامية معروفة. ولكن دوره الحقيقي بدأ بالتكشّف منذ انطلاقة الربيع العربي المزعوم، وبدا أن إزاحة الأنظمة المُعادية لـ"إسرائيل" هي أول الأولويّات الأميركية على أن يكون ذلك بأيادٍ إخوانية، وبطبيعة الحال فإن نظام الحُكم في سوريا هو أول الأنظمة المطلوب إزاحتها.

أما بالنسبة إلى السؤال الثاني: فيستطيع أيّ مُراقِب أن يرى الإخفاقات التركية على مستوى المنطقة والعالم، فالعلاقة التركية مع الولايات المتحدة الأميركية تبدو في أسوأ مراحلها وخاصة بعد الفشل التركي في تنفيذ المُخطَّط الأميركي الذي تحدَّثنا عنه سابقاً. 

هذا الفشل الذي جعل الولايات المتحدة تبحث عن بديلٍ مقبولٍ عن إردوغان وعلى ما يبدو أنه حتى الداعية الإسلامي فتح الله غولن أصبح شخصية لا تلقى القبول سواء على مستوى المنطقة أو في الداخل التركي، ولذلك تلجأ حالياً إلى الدّفع ببعض الشخصيات التي قد تلقى بعض القبول مثل الرئيس السابق عبدالله غول أو رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو أو وزير الاقتصاد السابق علي باباجان.

كما أن العلاقة التركية مع الدول الأوروبية تسوء بشكلٍ مُتسارِع، ما انعكس على علاقة أنقرة بحلف الناتو وتخلّي هذا الحلف عن دعم المُغامرات التركية. كذلك بدأت علاقة إردوغان مع روسيا بالتدهور منذ فشله في إقناعها بالتخلّي عن دعمها القوي لمواقف الدولة السورية، واقتناعه بأن روسيا لن تسمح له بالتمدّد العسكري بل أنها تسعى إلى إخراجه وأدواته من كامل الجغرافيا السورية، ما دفع إردوغان إلى القيام بحركاتٍ انتقاميةٍ كزيارته لأوكرانيا وتصريحاته المُستفزّة هناك، وتزويد الفصائل المُسلَّحة التابعة له في سوريا بأسلحةٍ تعتبرها موسكو خطاً أحمر، وصولاً إلى الاعتداء الأخير على قاعدة حميميم الذي قضى فيه عددٌ من الجنود الروس.

بهذه التصرّفات ينتقم إردوغان من روسيا بعد فشله في وَقْفِ زحف الجيش السوري المُتقدِّم باتجاه مدينة إدلب وعجزه عن مواجهته، في ظلّ حَظْرٍ جوي تفرضه روسيا على الطيران التركي. 

ولكن من المُستغرَب أن يبقي إردوغان أكثر من تسع نقاط مراقبة تحت حصار الجيش السوري مع إدراكه أن جنود هذه النقاط هم مشاريع أسرى في حال تطوَّرت الأمور، وللعِلم فإن هذه النقاط هي قواعد عسكرية مُصغَّرة وليست مُجرَّد نقاط مُراقبة لما تحتويه من تسليحٍ ومن تعدادٍ بشري. 

في ظلّ هذا الواقع لا يحتاج إردوغان إلى سُلَّم واحد لكي يستطيع النزول، بل يحتاج إلى الكثير من السلالِم التي أصبحت مفقودة على ما يبدو.