مقاطعة البضائع الأميركية: حرب إقتصادية طويلة الأمد!

يتبين لنا أن مقاطعة البضائع الأميركية تحتاج إلى تغيير في أسلوب حياتنا المعهود. وليست المشكلة هنا في عدم وجود البديل بل في استعدادنا الثقافي كشعوب نحو خلقه.

  • مقاطعة البضائع الأميركية: حرب إقتصادية طويلة الأمد!
    المقاطعة ليست فعلاً لحظوياً أو ردة فعل قصيرة المدى بل هي مشروع تكاملي وحضاري بالدرجة الأولى.

في استعراض طويل لمسار الهيمنة الأميركية على بلادنا، فنّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أسباب المعركة القديمة -الجديدة بين عناصر محور المقاومة، من جهة والإدارة الأميركية وسياساتها في منطقتنا من جهة أخرى.
ووضع السيد نصر الله في خطاب سابق، هدفاً واضحاً يتمثل بإخراج القوات الأميركية من بلادنا، لكن دعوته المستجدة يوم الأحد الماضي، تمثلت بمقاطعة البضائع الأميركية، الأمر الذي يمثل شكلاً آخراً من أشكال المواجهة بين المعسكرين.

إن وحشية أميركا اليوم تتمثل بالحصارات الإقتصادية وحروب الوعي والإرادات. ولا يكفي هنا أن تحرر الأرض من الجنود الأميركيين ما دامت الجهات المحاربة لها يعاني بعضها من أمراض التبعية وعقدة النقص واللاإنتاجية. إذاً هذه الخطوة تأتي في سياق سياسي مبدئي رافض للوجود الأميركي بكل أشكاله. الحرب الإقتصادية اليوم لا حدود لها، إذ إن سلاح الحصار والتجويع  المسلط على محور المقاومة لا يمكن كسره إلا من خلال الوحدة الإقتصادية. لقد أثبتت سياسات قوى المحور نجاعتها في الكثير من القضايا السياسية والعسكرية، الأمر الذي يجب أن ينسحب على كافة الأطر الإقتصادية والإجتماعية  والفردية.

وقد أحدثت الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت مؤخراً في العراق ولبنان إمعاناً في ضرورة طرح المسألة المعيشية كأولوية ملحة لدى محور المقاومة، الذي يعد مسؤولاً والمعقودة عليه الآمال لخلق بديل عن عدوه الأميركي. هذه الحاجة تفرض على قيادات المحور طرح الأسئلة الكبرى حول طبيعة الصراع وحتمية الإستقلال الاقتصادي وساحات القتال الجديدة.

وفي خلفيات الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الأميركية، يتبين لنا أن مقاطعة البضائع الأميركية تحتاج إلى تغيير في أسلوب حياتنا المعهود. وليست المشكلة هنا في عدم وجود البديل بل في استعدادنا الثقافي كشعوب نحو خلقه. ثم إن المسألة ليست في إلحاق الضرر بالإقتصاد الأميركي، بقدر ما هي نهج يحررنا من التبعية الإقتصادية. عداك عن أن المقاطعة تعني تغييراً في نمط حياتنا "الأميركي" بتفاصيله اليومية. فالمعادلة اليوم هي: إستهلاك أقل، تحرر أكثر.

المقاطعة ليست فعلاً لحظوياً أو ردة فعل قصيرة المدى بل هي مشروع تكاملي وحضاري بالدرجة الأولى. أن تقاطع البضاعة الأميركية يعني أن تخلع نمط الحياة الغربي، والمطلوب هنا هو السير في نهج إعادة الإنتاج قدر المستطاع. وهناك أيضاً الكثير ممن عبر عن أن المنتجات الأميركية هي عبارة عن أفكار أو أشخاص أو جمعيات أو تيارات. وهذا الأمر صحيح، فالإستثمار الأميركي في بلادنا يعتمد على نخب معلبة ومبرمجة بأجندة أميركية لا تعترف إلا بلغة المال والقوة.

ثم إن الرسالة الأهم لم تكن موجهة للناس كون المقاطعة تحتاج لبرامج وطنية وحملات توعية، إنما كانت تستهدف أميركا بالقول: إن خيار المقاطعة والإنفتاح بين عناصر المحور قائمتان، وأن سياسات التجويع والإفقار لن تنال مرادها. لا مفر اليوم من رفد دولنا بالطاقات البشرية المنتجة وفتح الحدود أمامها كي نصل إلى المكان الذي يخولنا مقاطعة الولايات المتحدة بأقل الأكلاف والأضرار.

الفرصة اليوم سانحة لإطلاق معركة الوحدة الإقتصادية، فدماء أبناء أوطاننا التي عبرت الجغرافيا وكتبت التاريخ، والتي كان همها الأول التحرر والإستقلال، لن تكون إلا فاتحة للعبور نحو تلك الغايات. وأي تخلف أو تسويف سيعيد الحضور الأميركي إلينا من بوابة الفقر والعوز وسوف يذبح المنتصر بسيف الخبز.