رسائل المقاومة: النار بالنار
انتخاب السنوار جاء بمنزلة زلزال سياسي في وجه قادة الكيان الإسرائيلي، ولاسيما رئيس حكومته بنيامين نتنياهو، وهو زلزال يُدخل الكيان الإسرائيلي وداعميه في تعقيدات لا يمكن تجاوزها في المدى المنظور.
بعد أقل من شهر من الآن، ستحلّ الذكرى الأولى لعملية طوفان الأقصى البطولية، ولا يزال أكثر من مئة أسير إسرائيلي موجودين داخل قطاع غزة في قبضة المقاومة، الأمر الذي يعني أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيعود مضطراً إلى طاولة المفاوضات مع حماس، عاجلاً أو آجلاً، وسوف يواجه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار وجهاً لوجه. وعليه، ستصبح كرة حركة حماس في ملعب الإدارة الأميركية التي كانت تتوسط في المفاوضات بين حماس و"إسرائيل" إلى جانب مصر وقطر.
اختيار يحيى السنوار لقي صدىً إيجابياً داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فلقد تلقت حركة المقاومة الإسلامية حماس التهاني من الفصائل الفلسطينية الأخرى، بما فيها حركة فتح، بمناسبة اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي، بينما جاء رد الفعل الإسرائيلي سريعاً، على لسان وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الذي دعا إلى تصفية يحيى السنوار واغتياله. فـ"إسرائيل" تلقت خبر انتخاب السنوار بتشاؤم حيال صفقة المفاوضات حول الأسرى، التي كان من المفترض أن تتم لولا اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران، واختيار يحيى السنوار يعني أن محور المقاومة ماضٍ في نهج التحرير ضد "إسرائيل".
كما أن اختيار قيادي عسكري ميداني معروف، في المستويين السياسي والعسكري، يعني أن محور المقاومة مصرّ على النضال العسكري، ولن يتراجع تحت وطأة الضغوط. لقد أثبتت حركة حماس أنها لا تزال قادرة على اتخاذ القرارين السياسي والعسكري في ظل مختلف الظروف. وكونها نجحت في اختيار الشخص الملائم بالإجماع، فهذا يعني أن الحركة موحدة الصفوف، وهي ستمضي قدماً إلى الأمام.
وهناك قيادات قادرة على أن تكمل مسيرة المقاومة، على رغم اغتيال "إسرائيل" قيادات في الصف الأول لحماس. ولا يمكن فصل مسار الحرب على قطاع غزة وصمود المقاومة، واختيار حماس للسنوار في هذه المرحلة السياسة والحيوية، سواء في تاريخ الحركة أو تاريخ القضية الفلسطينية، فاختيار السنوار هو رسالة إلى "إسرائيل"، مفادها أنه موجود داخل قطاع غزة، وأن قيادة حماس في غزة قوية وقائمة وستبقى، وأن السنوار يعرف "إسرائيل" جيداً، وهو يحمل رمزية كبيرة حتى في الوعي الإسرائيلي، نظراً إلى دوره في النضال ضد "إسرائيل". لقد جاء قرار حماس اختيار السنوار ليدل على أن التسلسل القيادي والقدرة التنظيمية لدى حماس لا يتأثران بأي ظروف طارئة.
في جانب آخر، إن انتخاب السنوار جاء بمنزلة زلزال سياسي في وجه قادة الكيان الإسرائيلي، ولاسيما رئيس حكومته بنيامين نتنياهو، وهو زلزال يُدخل الكيان الإسرائيلي وداعميه في تعقيدات لا يمكن تجاوزها في المدى المنظور.
وعلى صعيد الداخل الفلسطيني، فإن اختيار السنوار هو قرار يكتسب أهمية ونوعية كبيرة، داخل فلسطين، وكذلك داخل حركة المقاومة حماس، بصورة خاصة، وسائر فصائل المقاومة ومحور المقاومة ككل. وتبقى الرسائل الأبرز في اختيار حماس لقائد طوفان الأقصى رئيساً للحركة من داخل غزة ومن قلب المعركة، من أجل وضع تعقيدات كبيرة أمام قادة الاحتلال الإسرائيلي، وهي رسائل تتعلق بقوة التماسك ضمن صفوف حماس في الداخل والخارج، ورسائل خاصة بموضوع التفاوض بشأن صفقة الأسرى ودور الوسطاء، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية في الدرجة الأولى، ومصر وقطر في الدرجة الثانية. ورسائل أخرى كثيرة منها ما هو موجه إلى الدول العربية المطبعة مع "إسرائيل"، بشأن كيفية تعاطيها مع حدث كهذا، وكذلك العلاقة مع حركة "حماس".
واليوم، يبدو سعي نتنياهو لتحييد حركة حماس مطلباً عبثياً وغير واقعي، فحماس واقع متجذر بعد أكثر من عشرة أشهر من حرب عبثية على قطاع غزة، وبات الحديث عن الخطوة التالية لما بعد حماس لا معنى له، بعد كل هذه الحرب، وبعد أن عادت القيادة المركزية لحماس إلى غزة مجدداً.
في المحصّلة، اختيار قائد حماس في غزة قائداً عاماً للحركة يعقّد مسار الأمور، سياسياً وعسكرياً، على قادة الكيان الإسرائيلي وداعميه، فاغتيال الشهيد إسماعيل هنية وضع الكيان أمام خيارات أصعب وأكثر تعقيداً من ذي قبل. لقد سعت "إسرائيل"، من خلال الحرب على غزة، لفرض نوع من الفراغ القيادي داخل حماس، على رغم أن الحركة لديها ما يكفي من الكوادر والقيادات لملء هذا الفراغ. واختيار السنوار لقيادة حماس يعني أن اغتيال هنية ليس له ذلك القدر الكبير من التأثير، الذي تروّجه "إسرائيل".
فـ"إسرائيل" تزعم أنها تمكنت من القضاء على نصف قيادة الجناح العسكري لحماس، بمن في ذلك ستة من كبار قادة الألوية، وأكثر من 20 قائد كتيبة، واغتالت أو جرحت 14 ألف مقاوم. إلا أن قدرات حماس الصاروخية لا تزال فعالة جداً، وهيكل القيادة والسيطرة ما زال قادراً على الانتقال بالحركة إلى أساليب متعددة من آليات القتال والمقاومة، والحركة لا تزال قادرة على تجنيد من يرغب في القتال في صفوفها.
وتمكنت الوحدات المنظمة تنظيماً جيداً من استخدام شبكة الأنفاق الواسعة لإجبار قوات الاحتلال الإسرائيلي على إعادة الاشتباك في المناطق التي افترض جيش الاحتلال أنها خالية من المقاومين، وإعادة تشكيل الذخائر غير المنفجرة، وتحويلها إلى قنابل وأسلحة. وعلى رغم أن "إسرائيل" تدّعي أنها قطعت طريق الإمداد الرئيس لحماس عبر منطقة رفح في شهر أيار/مايو الماضي، فإن حركة المقاومة الإسلامية في الوقت الحالي بعيدة كل البعد عن الهزيمة، بُعد "إسرائيل" عن الانتصار.