"صفقة القرن".. فرص وسط العاصفة
على الرغم من مخاطر الصفقة الأميركية الإسرائيلية على الوضع الفلسطيني اليوم، فإنَّ الخطر الذي تمثّله على "إسرائيل" ودول التطبيع العربي، لا يقلّ تهديداً.
"ماذا تعني هذه العبارات في عيون الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو أمام الفلسطينيين الإسرائيليين: يتعاون رئيس أميركي يواجه المساءلة مع رئيس وزراء إسرائيلي يواجه المحاكمة والسجن لإنشاء "خطّة سلام" تلغي أو تنفي أيّ موقف فلسطيني أساسي: حدود العام 1967، عاصمة في القدس، حقّ اللاجئين في العودة، وسيادة كاملة وإقليمية؟ الخطّة غير مقبولة للفلسطينيين، والسؤال الوحيد هو مقدار العنف الذي سيولّده هذا الرفض الآن!". يوسي ألفير (Yossi Alpher)
لا يبدو أنَّ الكثير من "عرب التطبيع" قد وُفِّقوا كثيراً في التوصّل إلى هذه النتيجة البسيطة الَّتي يعلنها بوضوح مسؤول الموساد السابق، الذي لا يرى في هذه الصّفقة الفاشلة إلا تكراراً جديداً لمشاريع رفضها الفلسطينيون، كاقتراح كامب ديفيد في العام 2000، أو المشاريع التي عرضها أولمرت على عباس في العام 2008، أو تلك التي قدَّمها كيري في العام 2014.
وعلى الرغم من فشل الصّفقة، فإنّ أسلوب عرضها وتحولات الموقف الأميركيّ تجاه الحلّ وطبيعة المسار الَّذي تتّخذه، تعني أنّ القضيّة الفلسطينيّة تقف اليوم أمام نقطة انعطاف كبيرة. وعلى الرغم من ذلك، يربط الكثير من الدول العربية أمنه القومي، وبسذاجة منقطعة النظير، بمصير هذه الصفقة ونتائجها.
صفقة "الخبز مقابل السّلام"
في الوقت الذي تستنزف الميزانيةَ السعودية هزائمُ المملكة المرّة أمام اليمنيين البسطاء، تجتهد البروباغندا الصهيونية وتوابعها العربية في الترويج بلغة الحوافز الاقتصادية لـ"صفقة القرن" تحت شعار "خطة الازدهار الأميركي" المموّلة من هذه الدول، وتراهن دول التطبيع، بل تقامر، في الحقيقة، بمصير عروشها واستقرارها، وهي تدعم بأموالها مخطّط "السلام" الاقتصادي الجديد الذي تروّج له أميركا.
إطلالةٌ بسيطة على ورقة الصفقة المعلنة، والتي كُتبت بلغة التسويق التجاري، تترجم الكثير مما يعتمل في صدور كاتبيها، فقد تكرّر جذر كلمة "فلسطين" فيها 836 مرة، وتكرَّرت كلمة "اقتصاد" 177 مرة، و"ازدهار" 45 مرة، و"تمويل" 136 مرة، و"أمن" 167 مرة، فيما تكرَّرت "جيروزاليم" 70 مرة.
الورقة مشروع إشهاريّ للدّول المانحة، وأغلبها عربية، وللفلسطينيين، من أجل بناء رؤية جديدة عنوانها "الازدهار مقابل السلام".
"الصفقة العقارية" التي يروّج لها كوشنير وترامب لا تتوجَّه إلى الفلسطينيين وحدهم، بل تريد أن تقنع الخليجيين بأن يشتروا بأموالهم القدس من الفلسطينيين لحساب "إسرائيل"، وتريد أن تقنع الفلسطينيين بالصّفقة من خلال حصار حماس في غزة، وتهديد عباس بإسقاطه من عرش السلطة، والوعود الاقتصادية الإشهارية التي تحفل بها أوراق التقرير.
ينتظر مخطّطو الصفقة تحقيق أهداف قريبة وأخرى بعيدة المدى من خلال إعلانها في هذا التوقيت.
الأهداف القريبة للصّفقة:
1- دعم ترامب "المهزوز" ونتنياهو المتَّهم في انتخاباتهما وقضاياهما الداخليّة.
2- الضغط على دول الخليج من أجل اختبار إمكانية الاعتراف الصريح بالكيان والتطبيع المباشر معه.
3- تعميق مناخ عدم الاستقرار في دول الطوق التي تشهد حراكاً جديداً (الأردن والعراق ولبنان)، بغية إضعاف عمق المقاومة ومحورها.
4- التأثير في الواقع الداخلي الفلسطيني، من خلال اختبار مدى صلابة الصفّ وقدرته على الصمود، في حال تم تجاوزه وإقرار الصفقة بأيادٍ عربية إسرائيلية.
5- توظيف رؤوس الأموال العربية في مشاريع "العقارات" الأميركية الإسرائيلية الجديدة في فلسطين المحتلة.
الأهداف البعيدة:
1- إيجاد واقع جديد في المنطقة عنوانه الصّراع بين المحاور الثلاثة ("إسرائيل" ودول التطبيع، تركيا ومعسكر الإخوان، إيران ومحور المقاومة).
2- خروج أميركا من دور الوساطة نحو الاصطفاف المباشر مع الكيان الصهيوني.
3- التأسيس لنمط جديد من الصراع العربي - الفلسطيني (بين الأردن ومصر وفلسطين وحتى سوريا)، بدلاً من مشروع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الذي تمت المراهنة عليه سابقاً كبديل للصراع الإسلامي العربي - الإسرائيلي.
4- "الخبز مقابل السلام" بدلاً من "الأرض مقابل السلام"، من خلال سياسات الحصار المالي والاقتصادي الممارسة على الفلسطينيين ودول الطوق.
5- الصراع الاقتصادي كبديل من الصراع العسكري الذي أثبتت فيه "إسرائيل" فشلها الذريع.
الفرص والبدائل:
لا يمكن للحملة الدعائية المصاحبة لهذه الخطَّة أن تصنع نجاحها، إلا أنَّها في الحقيقة تقدّم فرصاً جديدة للفلسطينيين والعرب والمقاومة، على الرغم من صعوبة الوضع الناتج منها:
1- فشل اتفاقية أوسلو والتنصّل منها اليوم قد يخدم الفلسطينيين بإمكانية العودة عن الشروط المذلّة لأوسلو ونتائجها الأمنية والقانونية على وضع فلسطين التاريخية.
2- توحيد الجبهة الداخلية وتجديد مشروع مقاومة استراتيجيّ يتأسَّس على مقاومةٍ يدعمها مشروع سياسي وقانوني أكثر انسجاماً وصلابةً.
3- الوضع الأميركي الجديد إزاء القضية الفلسطينية يفتح الباب أمام قوى عظمى دولية أخرى للتدخّل بشكل أكثر توازناً لأداء دور الوسيط (روسيا والصين والاتحاد الأوروبي).
4- تعزيز الاعتراف بالدولة الفلسطينية كخيار جديد من أجل البحث عن بدائل ماليّة واقتصاديّة، من خلال استغلال الثروات البحرية والبرية في وضع دوليّ قانونيّ بديل.
5- الضّغط على الدّول العربيّة والإسلاميّة من أجل التأسيس للوضع القانوني الجديد الَّذي لا بدَّ للفلسطينيين من شقّه دونما دعم أميركي.
وعلى الرغم من مخاطر الصفقة الأميركية الإسرائيلية على الوضع الفلسطيني اليوم، فإنَّ الخطر الذي تمثّله على "إسرائيل" ودول التطبيع العربي، لا يقلّ تهديداً، وخصوصاً إذا التحم الشعب الفلسطيني خلف قيادة موحّدة، وتحركت خلفه الشعوب والنخب العربية موحّدةً في زمن الانقسامات العربية.