ارتدادات اغتيال سليماني والمهندس لم تنتهِ بعد

إنطلاقاً من التصريحات والمواقف التي أعقَبت عملية الاغتيال، باتَ مؤكَّداً أن ارتداداتها ستكون كبيرة، وقد حمل اليوم أول خيوط الإجابة عن حجم الرد، الذي يأخذ منحى استراتيجياً. 

  • ارتدادات اغتيال سليماني والمهندس لم تنتهِ بعد
    ارتدادات اغتيال سليماني والمهندس لم تنتهِ بعد

لم يكُن لأحد أن يتصوَّر أن يذهَب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته بجنونهما إلى كَسْر كل الخطوط الحمر. خاصّة وأن عملية - زلزال بحجم اغتيال قائد لواء القدس الفريق قاسِم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، لا يُمكن أن تمُر كجولاتٍ صغيرةٍ كتلكَ التي تحصَل بين الحروب. فمحور المقاومة الذي وجدَ نفسه تحتَ تأثير الحَدَث - المُنعطف، لن يقبلَ بأن يكون الثمن أقل من تغيير في قواعد الاشتباك وخطوط الردع في المنطقة.

خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيِّد حسن نصرلله الأخير، كانَ واضحاً في هذا الاتجاه. وقد شكّل كلامه في حفل تأبين الشهيدين، إطلاق إشارة الحرب ضد الوجود العسكري الأميركي في المنطقة «قواعد عسكرية وبوارج وضباطاً وجنوداً»، من ضمن ما أسماه "القصاص العادِل" رداً على عملية الاغتيال التي وضعت محور المقاومة ككل على "الفالق" إنطلاقاً من أهمية القائد سليماني من حيث الشخصية والدور والقُدرات، باعتراف كل وسائل الإعلام الغربية التي اعتبرت بأن "لا خَلَف يمتلِك قدرات سليماني".

لا شكّ  أنها ضربة في الصميم. لكنها في الوقت ذاتِه، محطة انتقالية نحو تطوّر نوعي يتّجه إليه محور المقاومة ويجري رَصْدَ تداعياته على كل دول المنطقة التي تقبع في «قلب» المواجهة الأميركية - الإيرانية.

وهذا ما لم يأخذه في الحسبان المُتهوّرون في إدارة ترامب ومن خلفهم "إسرائيل"، ظناً منهم أن هذه العملية ستكون مُقدِّمة لمُراكمة إنجازات لاحِقة، ضاربين عرض الحائط مصلحة بلادهم الأمنية (بسبب تواجد الجنود الأميركيين على أرض العراق، وقد تحوَّلوا اليوم إلى رهائن عند محور المقاومة)، أو المصلحة السياسية، كون الولايات المتحدة كانت حتى يوم أمس لاعباً أساسياً في العراق ولها اليد الطولى في عدد من الاتفاقيات تحديداً الأمنية، وتسعى إلى أن تكون كذلك في الشقّ الإقتصادي، وتحديداً  قطاعيّ النفط والغاز الطبيعي على أن تكون هذه الثروة تحت يد الشركات الأميركية وتحت مجهرها.
إنطلاقاً من التصريحات والمواقف التي أعقَبت عملية الاغتيال، باتَ مؤكَّداً أن ارتداداتها ستكون كبيرة، وقد حمل اليوم أول خيوط الإجابة عن حجم الرد، الذي يأخذ منحى استراتيجياً. 

لم يكُن سليماني مُجرَّد قائد عسكري أو أمني. كل مَن عَرِف الرجل عن كثب، أكّد أنه حلقة الوصل بين قوى المقاومة في المنطقة، والقلادة التي تجمع حركاتها تحت لواء واحد. وكل انتصار في كل زاوية في المنطقة يحمِل بصمة الرجل.
حجم الرد فرضه حجم الاغتيال. فأيّ انتقام لا يكون بمستوى الجريمة، يعني فتح الباب أمام الولايات المتحدة وأدواتها لاستباحة المنطقة أكثر فأكثر. لكن هل ما حصل من استهداف قواعد أميركية في العراق هو كل الرد؟

تجاوزت الولايات المتحدة الأميركية حدودها، صحيح. لكن الجمهورية الإسلامية، قادة وعسكريين، ليسوا مُتهوّرين، بل قادرين على حياكة انتقام أكثر إيلاماً من الحرب نفسها. وما أشدّ وطأة على الأميركيين من تجربة إعادة تجربة العراق وأفغانستان وفيتنام، والخروج من مناطق سعت واشنطن إلى السيطرة عليها، نظراً لما تتضمّنه من ثروات طبيعية.
تشخص الأنظار اليوم على مسارين:
الأول: «الضربة المؤلمة» والرمزية التي وجهتها إيران لأميركا.

والثاني، ردّة الفعل الأميركية على الرد الإيراني، وذلك بالتزامُن مع استنفارٍ عربي وغربي يعمل في اتجاه منع الإنفجار الكبير، لحماية مصالحهم في المنطقة العربية، التي تحوّلت إلى منصَّة لاستخراخ الغاز والنفط، موزّعة بين الشركات بالتراضي، ولا مصلحة لأحد في إعادة الزمن إلى الوراء.
لذا سارَع الجميع إلى التدخل بمَن فيهم الأوروبيون والروس والأتراك والصينيون. لهؤلاء موطىء قدم إقتصادية في المنطقة دفعوا ثمنها سنوات من حرب ما يُسمَّى "الربيع العربي"، وهم لن يقبلوا بأن يُطاح بها بمُقامرة أميركية- إسرائيلية. حتى أن الأميركيين والإسرائيليين أنفسهم لا يريدون الذهاب إلى الحرب. يعتبرون بأن قتل سليماني «انتصار» لهم، ولا يجِب أن يؤدّي ذلك إلى خسارتهم المنطقة، حيث أن همّهم الأول والأخير هو التنقيب عن النفط واستخراجه وتصديره، وأية طلقة مسدّس ستعزّز من مخاوف الشركات العالمية التي ستتراجع رغبتها في الاستثمار في هذه المنطقة.

المؤكَّد أن الرد كان مدروساً مُدَوْزناً، ولم يذهب بنا إلى الحرب، لكن الأكيد أنه سيذهب بترامب وإدارته إلى خارج مراكز القرار في الولايات المتحدة، وسيذهب بالوجود الأميركي في المنطقة أدراج الرياح.