أحمد قايد صالح.. أصلح ورحل لتبقى الجزائر

بعد أن أجريت الانتخابات بشفافية ونزاهة عاليتين وأفرزت عبد المجيد تبون رئيساً للبلاد، وأخذت السلطة تنتقلُ من الجيش بكل مرونة وتعاون، تكشّفت الأكاذيب التي أُلصقت بصالح والجيش.

  • أحمد قايد صالح.. أصلح ورحل لتبقى الجزائر
    قدم صالح درساً في حب الوطن لا تفهمه الجنرالات أو بعض الذين يخضعون للخارج

تعيش الجزائر أياماً حزينة بعد أن غيب الموت رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، ذلك الرجل الفولاذي الذي تلقى سيلاً من الاتهامات من الخارج وواجه أشكالاً متعددة من المخططات التخريبية، واجهها بهدوء وحكمة للحفاظ على وحدة وتماسك البلاد، ونجح في ذلك.

بعد أن شهدت التظاهرات ذروتها، مطالبة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالتنحي، لعب الجيش الجزائري دوراً مهما في حفظ الأمن والحرص على سلامة المتظاهرين والأملاك العامة والخاصة، ولعب الراحلُ قايد صالح دوراً بارزاً حتى يبقى الجيش في منطقةٍ وسط، وعياً منه أن المؤسسة العسكرية إذا انحازت لغير الشعب فذلك سيأخذ البلاد نحو الهاوية، في وقت يتربص أعداء الجزائر بها ويخططون ويتآمرون ويموّلون جماعات في الداخل تعمل على بث الأكاذيب وتهدد السلم المجتمعي.

بعد أن استقال بوتفليقة والكادر المتقدم في إدارته، بقي الجيشُ بقيادةِ قايد صالح الحصن الأخير لتبقى الجزائر على قيد الحياة. ولأن ذلك لا يتماشى مع مخططات أعداء البلاد، عمد هؤلاء إلى استغلال جزء من الشارع ليصوب سلباً على الجيش وقيادته ويدعو إلى إنهاء الحكم العسكري. لكن قايد صالح رفض الخضوع لتلك الضغوط وظل يتمسك بالدعوة إلى انتخابات نزيهة تمثل تطلعات المجتمع في وقت كان يمكن لصالح الاستحواذ على البلاد فعلاً وأن يمسك بجميع مفاصل البلاد ويقمع من يعارضه، وتحمّل تظاهرات خرجت ضده ووجهت إليه الشتائم والاتهامات، لكنه اختار أن يكون جزائرياً صالحاً وتمسك بالخيار الديمقراطي.

وبعد أن أجريت الانتخابات بشفافية ونزاهة عاليتين وأفرزت عبد المجيد تبون رئيساً للبلاد، وأخذت السلطة تنتقلُ من الجيش بكل مرونة وتعاون، تكشفت الأكاذيب التي أُلصقت بصالح والجيش.

في تشييع صالح عندما خرجت الحشود إلى الشارع مودعة باكية على فراقه، هنا باتت الصورة أكثر وضوحاً، هي أن هذا الرجل كان بخلاف ما يتحدث عنه بعضُ العرب والغرب، إذ وعدَ ووفى، وسلّم الأمانة ورحل مطمئناً على بلاده.

صالح قدم درساً في حب الوطن لا يفقهه المرتزقة، ولا تفهمه الجنرالات أو بعض الذين يخضعون للخارج ويأتمرون بأمر بعض السفارات.

الجزائريون بدورهم قدّموا درسين في حب الوطن والوفاء لحامي بلدهم، الأول عندما آمنوا بالانتخابات ومارسوا هذا الحق واختاروا الوحدة على التفرقة. والثاني، عندما أوفوا لمن أوفى لهم لينعكس ذلك في المشهد المهيب يوم دفن صالح.

ليس سهلاً على الفرد أن يكون جزائرياً لأنه يجب عليه أن يحمل رسالة إنسانية كبيرة في دعم التحرر والمقاومة والتحرير، لأن فلسطين راسخة في عقيدة الجزائريين وحق العودة يؤمنون به كما آمنوا بحقهم في عودتهم إلى بلدهم ومدنهم وعادوا فعلاً بعد أن كسروا شوكة الاستعمار الفرنسي.

ولأن الجزائر تأريخ مشرف في المقاومة، ولأن أهل الجزائر يحبون ويؤمنون بالمقاومة في لبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية والعراقية، ويذللون الحواجز التي حاولت دول عربية وضعها على أساس طائفي ومناطقي خدمة للاحتلال الإسرائيلي حتى تفشل حركات المقاومة .. لهذه الأسباب تمثّل الجزائر صورة عربية مشرقة يُعوّل عليها كثيراً. 

ومع كل المحاولات التي تريد إنهاك البلاد وجرها إلى الفوضى واستنزاف جيشها الذي خاض معارك ضد الاحتلال الإسرائيلي دفاعاً عن الأرض العربية خلال حرب أكتوبر 1973، فإن الفشل سيكون مصير تلك المحاولات.