الأونروا بعد 70 عاماً على تأسيسها: الواقِع والتّحدّيات
الخطر الأكبر الذي اعترض الوكالة تبلور مع التحالف الأميركي الإسرائيلي الذي ظهر بوضوحٍ بدءاً من عام 2018، بهدف إنهاء خدماتها تمهيداً لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.
قبل 70 عاماً، في 8 كانون الأول/ديسمبر 1949، صدر عن الجمعية العامّة للأمم المتحدة القرار 302 الذي ينصّ على إنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثةِ وتشغيلِ اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، وجاء قرار إنشاء الأونروا في العام اللاحِق لإعلان قيام "دولة إسرائيل" لرعاية شؤون الفلسطينيين الذين طردتهم "إسرائيل" من بيوتهم وشرَّدتهم من أرضهم لتجعل فلسطين أرضاً بلا شعب، وتُحلّ محلّهم مستوطنين استجلبتهم من شتَّى أصقاع العالم.
تُقدِّم الأونروا خدماتها للاجئين داخل فلسطين المُحتلّة وفي بلدانٍ مجاورة، وتشمل مناطق عملها مُخيَّمات اللاجئين في غزَّة والضفة الغربية بما فيها شرق القدس، ولبنان، وسوريا، والأردن. وتتوزَّع خدماتها على مجالات التعليم، والصحة، والإغاثة والخدمات الاجتماعيّة، والبنية التّحتية وتطوير المُخيَّمات، وبرامج الطوارئ؛ ويبلغ عدد اللاجئين المُسجَّلين لدى الوكالة 5.5 ملايين.
واجهت الأونروا على مدى سبعين عاماً من عملها عدداً من الصعوبات والتّحدّيات، وكانت عُرضةً للتجاذُبات السياسية على الرغم من الطابع الإنساني لعملها. لكنّ الخطر الأكبر الذي اعترضها تبلور مع التحالف الأميركي الإسرائيلي الذي ظهر بوضوحٍ بدءاً من عام 2018، بهدف إنهاء خدمات الوكالة تمهيداً لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، والتخفيف من "العبء" الذي يترتَّب عليها.
عانت الأونروا مطلع عام 2018 عجزاً في الموازنة لم يلبث أن تفاقم مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحرب على الوكالة، عبر خفض التمويل عام 2018، والإعلان عن وقفه كلّياً في عام 2019. وترافق موضوع التمويل مع اقتراحاتٍ أميركيةٍ لإعادة تعريف اللاجئين الفلسطينيين وخفض عددهم إلى حوالى 40 ألف لاجئ. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إنّ ترامب طرح عدم التجديد للأونروا وحاول أن يحشد في هذا الاتجاه، لكن جلسة التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 جرت بغير ما تشتهي أهواء ترامب، إذ قرَّرت تجديد التفويض للأونروا حتى 2023/6/30، في حين صوَّتت الولايات المتحدة و"إسرائيل" ضدّ القرار.
وكان الطرح الأميركي حول اللاجئين لاحِقاً على إعلان ترامب اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال في كانون الأول/ديسمبر 2017، وكل من الطرحين كان بهدف التمهيد للخطّة الأميركية للسلام، أو ما اصطُلِح على تسميته بصفقة القرن التي لم تجد أرضيّة مناسبة لطرحها إلى اليوم.
التصعيد الأميركي ضدّ الأونروا استفادت منه "تل أبيب" لتسعير هجمتها على الوكالة، فقد رفع المسؤولون الإسرائيليون شعاراً مفاده أنّ "الأونروا باتت المشكلة وليست الحل"! وفي مؤتمرٍ خاصٍ عُقِدَ في كانون الأول/ديسمبر 2018 في مقرّ وزارة الخارجية الإسرائيلية للسفراء الإسرائيليين في منطقتيّ أوروبا وأميركا، وجَّهت نائب وزير الخارجية، تسيبي حوطوفيلي، خطاباً إلى السفراء قالت فيه إنّ "دبلوماسية إسرائيل لسنة 2018 هي العمل على أنّ عهد الأونروا انتهى إلى الأبد".
وبعد فشل إنهاء التفويض للأونروا، طرح نير بركات، عضو "الكنيست" عن حزب "الليكود"، مشروع قانون لإنهاء عمل الوكالة في الأراضي الفلسطينية، وقد حظيَ المشروع بدعمٍ من مختلف الأحزاب السياسية في "الكنيست". وتنصّ مسودَّة القانون على حَظْرِ نشاط الأونروا في "إسرائيل" بدءاً من عام 2020، وتدعو إلى إنهاء دورها في المؤسّسات التعليمية في شرق القدس، بهدف فرض السيادة الإسرائيلية على كلّ القدس انطلاقاً من "قانون أساس: القدس عاصمة إسرائيل" الصادِر عام 1980.
ويتناغم هذا الطرح مع تصريحاتٍ سابقةٍ لبركات عام 2018 عندما كان رئيساً لبلدية الاحتلال في القدس توعَّد فيها بطرد الأونروا من المدينة، واتّهمها بالتحريض على الإرهاب، قائلاً إنّ "إزالة الأونروا ستقلِّص التحريض والإرهاب، وستُحسِّن الخدمات للسكان، وتزيد من أَسْرَلة شرقي المدينة، وتساهم في السيادة ووحدة القدس".
أُنشِئت الأونروا إذاً لتقدِّم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين من دون أن توكَل إليها مهمّة إيجاد حلٍّ سياسي، لكن لعلَّه لم يكن في بال مؤسّسيها أنّ حل القضية الفلسطينية سيتأخّر عقوداً، وأنّ اللاجئين سيمكثون أجيالاً خارج وطنهم، مفاتيح بيوتهم التي هُجِّروا منها مُعلَّقة في صدورهم، وعليها تعلّق أنظارهم، وآمالهم.
إنّ بقاء الأونروا يعني أنّ القضية الفلسطينية، ومن ضمنها ملف اللاجئين، بقيت من دون حلّ؛ ولذلك فإنّ بقاءها ليس هدفاً بذاته، لأنّ الأصل أنّها هيئة مؤقّتة معنية بتوفير الخدمات الإنسانية للاجئين.
أمّا محاولات تصفية الأونروا التي تقودها الإدارة الأميركية الحالية ودولة الاحتلال فلا تقدِّم حلاً للاجئين بل تصبّ في سياق إغلاق ملفهم من دون أن تعطي لهم حقوقهم، ولعلّ هذا هو التحدّي الأكبر الذي تواجهه الأونروا في ظلّ غياب الإرادة السياسية لحلّ القضية الفلسطينية.