تعهّدات ترامب.. هل تُبدِّد هواجِس نتنياهو؟

يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يُفلِح في تبديد هواجِس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نظراً لانقلاب موازين القوى في المنطقة، وقُدرة محور المقاومة مع الحليف الروسي على هَنْدَسة خرائط لا تتوافق وجُلّ التوجّهات الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، وذلك نتيجة التطوّرات الحاصِلة والمُنجَزة التي حقَّقها محور المقاومة ككل، سواء في الداخل الفلسطيني وما يتبع ذلك من فشل القبّة الحديدية في التصدّي لصواريخ المقاومة في غزَّة، إضافة إلى حصيلة التطورات في الشأن السوري، عطفاً على الأحداث في الجنوب اللبناني، والتي أسقطت ورقة التوت الأخيرة للكيان الصهيوني، لجهة قُدرته على فرض واقع يُناسب تطلّعاته وخططه.

لم يُفلِح ترامب في تبديد هواجِس نتنياهو

في ما خصّ سوريا وما يُحقّقه محور المقاومة والجيش العربي السوري من انتصاراتٍ ساحقة، هذا الأمر شكَّل مُنعطفاً خطيراً في توجّهات السياسة الإسرائيلية نحو المنطقة العربية ككل، وسوريا تحديداً، خاصة تلك الجزئية المُتعلّقة بالمساعدة والمساهمة الإيرانية المؤثّرة في سوريا، إضافة إلى تواجد الحليف الروسي الذي تعتبره إسرائيل حلقة وصل لإيصال الرسائل إلى سوريا وإيران على حدٍ سواء، بالتزامُن مع تأكيد موسكو على التزامها بدورها في مُكافحة الإرهاب في سوريا.

كلها مُعطيات ترجمها صانِع القرار السياسي والعسكري في إسرائيل، بطريقةٍ دراماتيكيةٍ توحي بأن إسرائيل يُمكنها فرض الوقائع بما يناسب توجّهاتها الاستراتيجية في المنطقة.

فقد عُقِدَت منذ أشهر قمّة أمنية ثلاثية روسية – أميركية - إسرائيلية، وتحديداً يومي 24 و25 من شهر حزيران/ يونيو الفائت، وقد رحَّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعقد الاجتماع الثلاثي واصفاً إياه بـ "اللقاء التاريخي غير المسبوق"، و"بأنه قمّة مهمّة جداً من شأنها ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط في فترة هائِجة وحسّاسة". وأشار نتنياهو إلى أن اللقاء الثلاثي "يجمع بين الدولتين العُظميين في دولة إسرائيل وهذا يمثل ألف دليل على مكانة إسرائيل الحالية على الساحة الدولية".

لكن ما أكَّده نائب سكرتير مجلس الأمن الروسي، ألكسندر فينيديكتوف، هو ضرورة أن تُراعي الخطوات المشتركة بين الدول الثلاث "مصالح جميع الجهات الفاعِلة، بما فيها إيران"، وأضاف: "كل محاولات اللجوء إلى تكتيك الإنذارات محكوم عليها بالفشل سابقاً، وإذا أراد أحد ما دقّ إسفين بيننا وبين شركائنا في المنطقة بواسطة هذه الأساليب، فإن حسابه خاطئ".

كما أكَّد سكرتير مجلس الأمن الروسي نيقولاي باتروشيف "دعم روسيا لوحدة أراضي سوريا وتأكيدها بألا حل عسكرياً للنزاع هناك"، ما يؤكّد أن بنيامين نتنياهو أدرك موقف روسيا الثابت تجاه تحقيق السيادة السورية على كامل أراضيها، كما أدرك أن ترامب لم يُفلِح بتبديد هواجِس إسرائيل على الرغم من الثقل الأميركي السياسي والعسكري في المنطقة، ويضاف إليه الفشل الأميركي في استمالة روسيا أو الضغط عليها لتُغيّر من توجّهاتها في سوريا، وتعامُلاتها مع إيران، إلا أن الحقائق التي فرضها محور المقاومة تبقى ناظِمة لأيّ تطوّرٍ سياسي أو عسكري، وعليها يُبنى الواقع، وتطال تداعياته السياسات الإسرائيلية داخلياً وخارجياً.

خسارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كثيرٍ من الملفات والتحديات شكَّل عقبات كبيرة له قد تؤدّي إلى خسارته في الانتخابات المُقرَّرة في 17 من الشهر الجاري.

وفي هذا الإطار أكَّدت صحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية إن ثمة احتمالاً قوياً بأن تعود نتيجة الانتخابات الإسرائيلية إلى نفس الطريق المسدود، وهو عدم وجود مُنتصِر واضح قادِر على تشكيل ائتلاف حاكِم. وخلُصت الصحيفة إلى نتيجةٍ مفادها أن هناك العديد من المُتغيّرات التي يمكن أن تؤثّر على النتيجة النهائية، مثل: التوتّرات على الحدود الشمالية مع حزب الله اللبناني، والتهديدات الأمنية المستمرة في الضفة الغربية وقطاع غزَّة، وعدم المُبالاة السائِدة بين الإسرائيليين، الذين يشعرون بالإحباط بسبب إعادة الانتخابات.

التطوّرات الحاصِلة على الساحة الدولية والاقليمية وخاصة السورية، وانقلاب الموازين رأساً على عقب، حتَّم الإسراع بتنفيذ اتفاقية "حلف الدفاع" بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وأحد المعاني الأساسية للحلف هو أن الدولتين تتعهّدان بمساعدة بعضهما إذا تعرّضت إحداهما لمواجهةٍ عسكريةٍ. وكان قد طُرِح بيان الحلف للمرة الأولى في تسعينات القرن الماضي لكنه لم يُنفَّذ.

بعض الأوساط الإسرائيلية عارضت هذا الحلف على خلفيّة الخوف من أن يشكِّل نوعاً من الضغط  على قرارات الجيش الإسرائيلي. هذا ما أكَّدته صحيفة هآرتس العبرية بالقول إن "بلورة حلف دفاع قبل الانتخابات الإسرائيلية في 17 من الشهر الجاري ضئيلة جداً، إضافة إلى ذلك إن جهات كبيرة في جهاز الأمن الإسرائيلي تُعارض الحلف الدفاعي مع واشنطن بسبب الخوف من أن يُقيّد الاتفاق الجيش خلال الأزمات الأمنية".

في المُحصّلة العلاقة الأميركية الإسرائيلية هي علاقة متينة، لكن المُتغيّرات الحاصِلة والتي قد تؤثّر على إنجاز الوعود الأميركية، لجهة تحقيق الأمن القومي الإسرائيلي، يبدو أنها ستتأثّر نتيجة ما فرضه محور المقاومة من وقائع عسكرية وسياسية على الأرض، كما أن انتصار جبهة المقاومة في الميادين السورية واللبنانية والعراقية، سيطال بتداعياته أُسُس العلاقة بين واشنطن وتل أبيب. هذا الأمر استدعى قرع جرس الإنذار لتنفيذ ما وضِعَ في الأرشيف من أوراقٍ سياسيةٍ استخباراتية سرّية، خاصة تلك الملفات التي من شأنها أن تُعيد خلط أوراق المنطقة من جديد، والعمل على بلورة تحالفات إسرائيلية عربية واضحة المعالم، فالوقت إذن لتحريك هذه الملفات، بعد تعاظُم قوى المقاومة وانقلاب الموازين وترنّح الأحادية القطبية على مستوى العالم.