"الحجير": وادي دَحْر الأعادي
في وادٍ ضاربٍ في التاريخ والحدود، رفضوا الحدود والوعد المكذوب المشؤوم. رفضوا الذلة والعار من المستعمر وصنيعة الاستعمار. هنا هبّت عاملة، بشيبها وشبابها وأعيانها، قالت كلمتها: "إما عزّة لا تفصم، وإما ذلّة لا ترحم.
منذ مئة عام وعام، في مثل هذه الأيام، يوم السبت، في الرابع والعشرين من نيسان/أبريل، كان الموقف والتأسيس، ولو دفعوا ما دفعوا من الأثمان.
في وادٍ ضاربٍ في التاريخ والحدود، رفضوا الحدود والوعد المكذوب المشؤوم. رفضوا الذلة والعار من المستعمر وصنيعة الاستعمار. هنا هبّت عاملة، بشيبها وشبابها وأعيانها، قالت كلمتها: "إما عزّة لا تفصم، وإما ذلّة لا ترحم. إما حياة حرة، وإما هوان تهدر في حمأته إنسانية الإنسان. إما استقلال من دون وصاية، وإما استعباد نكون معه كالأيتام على مأدبة اللئام".
هذا الموقف الاستشرافي والموقف التأسيسي، كما يعبر الشيخ حسن البغدادي، كان شرارة مقاومتنا، وإن كانت ظروف تلك الأيام مريرة، لكنها فعلت فعلتها، وأتت أكلها، واليوم البصر حديد، فهذه المقاومة لا حدود لها. حبر "سايكس بيكو" إلى اندثار، ووعد "بلفور" بات ينهار.
شدوا الرحال في مسيرة كانت وقتها عسيرة. واليوم، بتنا في آخر مراحلها، وباتت تصير يسيرة. دفعوا غالي الأثمان، فهذه دار السيد عبد الحسين شرف الدين ومكتبته النفيسة احترقت، ولم يتأثر، وكان مستعداً منبرياً للموقف الشجاع، مضى إلى آخر رمق، ولم يأبه بحكم نفي أو إعدام.
كانت فلسطين، وما زالت، قبلة: "لقد حمّ الأجل، وموعدنا فلسطين. على أرضها نحيا وفيها نموت".
لم يبدل ولن يبدل أحرار هذه الأرض الطاهرة التي شهدت كل عدوان، وقاومت الطاغوت، وأحرقت عرباتهم في الوادي ذاته.
ها هو التاريخ يطل علينا اليوم، إما يرشدنا وإما يلقي علينا اللوم: "إذا نبذتم الأهواء الشخصية، وآثرتم شرف القضية، فلنكوننّ في حرز لا يفصم، وتكون بلادكم في حمى لا يقحم. أما إذا غلبكم الهوى، فلتكوننّ مذقة الشارب، ونهزة الطامعة، وقبسة العجلان، أمام قوة العدو وشدة الفتن وتظاهر الزمان. ألا أدلّكم على أمر إن فعلتموه انتصرتم؟ فوّتوا على الدخيل الغاصب برباطة الجأش فرصته، وأخمدوا بالصبر الجميل فتنته، فإنه والله ما استعدى فريقاً على فريق إلا ليثير الفتنة الطائفية، ويشعل الحرب الأهلية، حتى إذا صدق زعمه، وتحقق حلمه، استقرّ في البلاد تعلّة حماية الأقليات".
إن نصيحة السيد هذه ضربت في التاريخ والزمان، فهذه مقاومتنا اليوم، برباطة الجأش، تفوت على الدخيل الغاصب فرصه، وتخمد الفتن، وتسعى في سعيها إلى الوطن، إلى الحقيقة، إلى وطن يبدأ من رشقات الحجارة والصليات، إلى آخر مكان يصل له أذان القدس عند الصلاة.
أزهو بانتمائي لعاملة
لا فقط بنسب بل بقلب وروح أسارى
هي المقدامة شموخًا كجبل عالية
تطل من أرضها على كل البرايا
في الوادي على الأعادي بشعلة
تشذي الضوء على كل القضايا
بخيلها وفرسانها تدوس كل معاهدة
تنهض مقاومة ولو قامت عليها المطايا
شرف الدين فيها ومنها معه راجلة
يحذو حذو الحسين رافعاً للحق راية