الخلاف البحريني القطري في الوقت بدل الضائع
أحداث متصاعدة قد تفرض نفسها على مباحثات القمة الخليجية بعد أيام والتي من المتوقع أن يعلن خلالها التوقيع على اتفاق المصالحة، فما الذي يقلق المنامة؟
منذ أن بدأ الحديث عن تقدّم في ملف المصالحة الخليجية، لم توفّر البحرين فرصة في التعبير عن عدم ارتياحها إلى المضي قدماً في هذا المجال، وهو قلق عبّرت عنه عناوين الصحف والمقالات، محذرةً من مصالحة لا تضع في الحسبان مصالح المنامة.
يتصاعد التوتر بين البلدين، ويمثل سمة من سمات العلاقة التاريخية بينهما. وبينما تبلغ قطر مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة عما أسمته "خروقات جوية من قبل 4 طائرات مقاتلة بحرينية اخترقت الأجواء القطرية"، تنفي وزارة الخارجية البحرينية هذه الاتهامات، وتؤكد أنه "ادعاء غير مسؤول، وعارٍ من الصحة، ولا يمت إلى الحقيقة بصلة".
في هذه الأثناء، ترفع الدوحة من حدّة هذا التوتر بإيقاف طراد بحريني في منطقة فشت الديبل داخل حدود المياه القطرية، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الصيادين، ما أثار ردود فعل رسمية بحرينية مستنكرة، على اعتبار أن قيام الصيادين بالصيد في هذه المنطقة أمر متعارف على مرّ الأجيال.
بالتوازي، تشنّ وسائل الإعلام القطرية ومنصاتها الصحافية هجوماً شرساً على المنامة، متهمةً إياها بمحاولة عرقلة المصالحة الخليجية، بافتعال الأزمات ومحاولة فتح ملف الخلافات المائية من جديد.
أحداث متصاعدة قد تفرض نفسها على مباحثات القمة الخليجية التي من المتوقع أن يعلن خلالها التوقيع على اتفاق المصالحة، فما الذي يقلق المنامة؟ ولمَ ترفع الصوت عالياً على أعتاب القمة؟ هل هو تبادل للأدوار تقوم به البحرين نيابة عن البلدان الثلاثة للضغط على الدوحة، أو أن البحرين متضررة فعلاً من سياسة الأخيرة، وحان الوقت لوضع مصالحها بعين الاعتبار؟
في الحقيقة، ما يجري هو سياسة عضّ الأصابع قبل القمّة المرتقبة بعد أيام، ولذلك أبعاده التاريخيّة وسياقات موضوعيّة لأحداث وقعت خلال السنوت الماضية، ولا يمكن فهم ما يجري الآن من دون الرجوع إلى تلك الأبعاد التاريخية التي تعود إلى العام 1937، عندما قامت قوات قطرية بمهاجمة منطقة الزبارة التي كانت تابعة للبحرين، وهي منطقة واقعة في شمال غرب قطر، إضافةً إلى محاولة السيطرة على فشت الديبل وجزر حوار التي كانت تشكل ثلث مساحة البحرين آنذاك، ما دفع بريطانيا إلى التدخّل لحلّ النزاع وترسيم الحدود بين البلدين.
قفز الخلاف إلى الواجهة مجدداً في العام 1986، عندما قامت قطر بعملية إنزال على جزيرة فشت الديبل، محتجزةً عمال المنطقة وموظفيها، وكاد الأمر يتحوَّل إلى مواجهة عسكرية، ما دفع السعودية إلى التدخل سريعاً لاحتواء الخلاف بين البلدين، إلا أنه ظل قائماً حتى العام 1990. وخلال انعقاد القمة الخليجية في الدوحة إبان غزو العراق للكويت، ضغطت الدوحة على المجلس الذي ضغط بدوره على المنامة للموافقة على رفع النزاع على الجزر إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي في هولندا.
وفي ظلّ اشتداد الخلاف، كانت البحرين تمر بأزمة سياسية مع المعارضة المطالبة بالديموقراطية. حينها، فتحت الدوحة قنواتها الإعلامية لها للتعبير عن مطالبها، ما اعتبرته المنامة طعنة أخرى في الظهر.
في العام 2000، حُلّ الخلاف، وفصلت المحكمة بين الطرفين، ومنحت البحرين السيادة على جزر حوار وجزيرة قطعة جرادة، بينما حصلت قطر على السيادة على جزر جنان وحداد جنان والزبارة وفشت الديبل. ورغم قبول الطرفين بالحكم طوال السنوات الماضية، فإنَّ وزير الخارجية البحريني السابق خالد بن أحمد آل خليفة قال في إحدى مقابلاته العام الماضي إن "البحرين لم تتنازل عن حقّها في شبه جزيرة قطر"، فهل هي ورقة تلوح بها المنامة لإثارة النزاع المائي من جديد؟
تقول المنامة إن الدوحة تقدّم دعماً إعلامياً للمعارضة في البحرين، وتفتح لها قنواتها الإعلامية، وتعمل على تشويه سمعتها عبر هذه الوسائل، وتقول أيضاً إنها تقوم "بتجنيس أفراد بعض العوائل البحرينية، من خلال إغرائهم بالحصول على بعض المزايا، وإنها تستهدف عوائل محددة وفئة معينة دون الفئات الأخرى، من دون مراعاة القوانين المنظمة لذلك في البحرين".
وبين ما هو تاريخي وما هو معاصر، يبدو أن قطر كانت، وما زالت، أكثر قدرة على إيذاء المنامة، لما تمتلكه من إمبراطورية إعلامية مؤثرة من جهة، ومن قدرة على استغلال الأوضاع السياسية الداخلية المتوترة في البحرين من جهة ثانية، لاستخدامها في معركتها ضدها.
وفي هذا السياق، يقول مصدر دبلوماسي بحريني: "لا تتوقَّف قطر عن تشويه الحقائق والإضرار بمصالح البحرين التي لن تتنازل عن حقّها بضمانات تضمن التزام قطر بأمنها، عبر رفع يدها عن دعم الجماعات المتطرفة"، وذلك يعني بطبيعة الحال المعارضة.
ويضيف: "البحرين قدَّمت تنازلات من أراضيها في أوقات حسّاسة من أجل وحدة دول مجلس التعاون، ولكن حان الوقت أيضاً لأن يضع المجلس في الاعتبار أمن البحرين ومصالحها".
وفي ظل تصاعد هذا الخلاف، يبدو أن المنامة تحظى بدعم كامل من أبو ظبي. وفي المعلومات أن التنسيق بين الطرفين في المسألة قائم. أما السعودية، فهي تغضّ الطرف عن المنامة التي تحاول انتزاع ضمانات تكبح جماح السياسة القطرية، بوقف الغطاء الإعلامي للمعارضة البحرينية، وإيقاف تجنيس العوائل البحرينية السنية وتحريضهم على انتقاد الأوضاع الداخلية في البلاد، وذلك بحسب ما يجري تسريبه في أروقة صناعة القرار في البحرين.
على الموجة نفسها، تستفيد كل من الرياض وأبو ظبي من هذا التصعيد، في إطار ضغوطهما على الدوحة قبل القمة، من أجل فرض اتفاق يتنزع من الأخيرة أكبر قدر ممكن من التنازلات، فهل تتم المصالحة؟ أيام قليلة وتتَّضح الصورة.