بين العميدين.. الخوري والمعلم
من مجلس الأمن في أربعينيات القرن الماضي إلى "جنيف 2 " عام 2014 قصةٌ وطنيةٌ خطّها "مسيحيٌّ ومسلمٌ".. معذرة. ما بينهما وبعدهما الكثير مما يعرّي كذبة الطائفية حيث سورية وطنٌ للجميع حرٌّ ومستقلّ.
في بلادي أي سورية (ونحن فيها نكتب سورية بالتاء المربوطة) لم نكن نعلم ديانة صديقٍ أو زميلٍ إلا في حالتين الزواج أو الوفاة.. لم نكن أساساً نُعير بالاً لذلك... حتى وإن جاء أحدٌ على ذكر الأمرِ وهي كانت من النوادر، كان يخفض صوته همساً و كأنه يقرّ بأنه يرتكب خطيئة..
محرك الوطنية.. فارس بيك الخوري
لا تتّسع بضع الكلمات التي أهمُّ بكتابتها لإنصاف أحد قامات بلادي الوطنية، الثائر ضد الاحتلالين العثماني والفرنسي، الأديب والمفّكر والسياسي الأصيل.. مناصبُ عديدةٌ تدرّج فيها رئيس الوزراء فارس بيك الخوري ومنها وزارة الأوقاف، وهذه الأخيرة لم تكن الوحيدة التي شغلها، لكن أهمية ذكرها تكمن في كون الخوري مسيحياً. معذرة ... مسيحيٌ حارب محاولات فرنسا تبرير إبقاء استعمارها لسورية... بادعائها أن المسحيين يطلبون حمايتها، فذهب إلى المسجد الأموي واعتلى المنبر قائلاً: إن الفرنسيين يقولون إن المسيحيين يطلبون الحماية منها، أنا من هنا أعلنها، أنا أطلب الحماية من شعبي.
من قصص استقلال سوريا
عام 1946 في جلسة مجلس الأمن، جلس فارس بيك الخوري في المقعد الخاص بالمندوب الفرنسي. وعندما جاء المندوب الفرنسي ليجلس على مقعده، فوجئ بالخوري... طلب منه الفرنسي الانتقال إلى المقعد الخاص بسورية لكن الخوري تجاهله وأخرج ساعته من جييب سترته وراح يتأمل فيها بينما المندوب الفرنسي استشاط غضباً وراح يشرح له... هذا مقعد فرنسا، أنظر هذا العلم الفرنسي أمامه وهناك مقعد سورية حيث علمها أمامه.. لكن الخوري لم يتحرك واستمر بالنظر إلى ساعته. كاد مندوب فرنسا أن يفقد عقله، وعند الدقيقة الـ 25 قال فارس بيك بلغة فرنسية واضحة: سعادة السفير جلست في مقعدك 25 دقيقة، فكدت تقتلني غضباً وحنقاً.. سورية تحمّلت سفالة جنودكم 25 سنة وآن الآوان لها أن تستقلّ.
وكان الاستقلال إلى جانب بطولات أبناء الوطن على اختلاف تلاوينهم. وفي بلدي كما المنطقة لوحة فسيفسائية من الأديان والمذاهب والقوميات هي مصدر قوة بلا شك، وستبقى كذلك.
في قصص سيادة سورية
بعد ثلاث سنوات من الحرب في سورية وعليها، وهي الأقسى بالمناسبة تحدثت فيها الكرة الأرضية جمعاء باسم الشعب السوري وحكومته وجيشه ورئيسه.. ما عداهم.
وكانت كلمة سورية
في مؤتمر "جنيف 2" حيث اجتمع العالم لمناقاشة "قضية سورية"، كانت كلمةٌ للوفد السوري برئاسة الراحل شيخ الدبلوماسية ابن دمشق الأصيل وزير الخارجية وليد المعلم.
خطأٌ أعتقدُ أن واشنطن تندم عليه إلى اليوم، مع عواصمَ للأسف عربية وأيضا غربية. فهي لم تعتقد أن هناك من يضرب أو يشكك بروايتها التي أفردت لها امبراطوريات الإعلام والسياسة بين الغربية منها والعربية وبمال هذه الأخيرة عن "الرئيس القاتل وجيشه السفاح للثورة".
عشر دقائق مُنحت للمعلم ليقول كلمته.. لكنها كلمة سورية، قال المعلم بكل هدوء، وأضاف مخاطباً بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة سابقاً عندما حاول مقاطعته لتخطيه الوقت المحدد: "لقد تكلمتَ أنتَ 25 دقيقةً، أنا أعيش في سورية وأنت تعيش في نيويورك.. لدي الحق لإيصال الصورة الحقيقية في سورية".
تحدث المعلم 34 دقيقة بالتمام، لم تفلح لا مقاطعات بان كي مون ولا أصوات الجرس في ثنيه عن إكمال كلمته حتى النهاية.. مع رسائل واضحة ومباشرة، مخاطباً وزير الخارجية السابق جون كيري: "لا أحد في العالم سيد كيري، لا أحد في العالم يستطيع إضفاء الشرعية أو عزلها أو منحها لرئيسٍ أو حكومةٍ أو دستورٍ أو قانونٍ أو أي شيءٍ في سورية إلا السوريين أنفسهم".
و كانت كلمة سورية.. أجبر العالم على سماعها كاملة.
رئيس أركان الجيش الدبلوماسي
لم يكن المعلم رئيس وفد سورية إلى مؤتمر "جنيف2" فحسب.. كان يمثل تاريخاً من الوطنية والانتماء والمهنية والخبرة والثبات والعفة، فالملايين من الدولارات دُفعت له حتى ينشقَّ عن وطنيته في سنيّ الحرب في سورية وعليها، فأبى كما الجسم الدبلوماسي السوري، ليكون رئيس أركان جيش دبلوماسيٍّ بطلاً وشريكاً بالانتصار.
سورية وطن للجميع
بين العميدين الخوري والمعلم من مجلس الأمن في أربعينيات القرن الماضي إلى "جنيف 2 " عام 2014 قصةٌ وطنيةٌ خطّها "مسيحيٌّ و مسلمٌ".. معذرة، وما بينهما وبعدهما الكثير.. تعرّي كذبة الطائفية والصدام الديني حيث سورية وطنٌ للجميع حرٌّ مستقلّ...