رحل الرجل القوي.. أيّ بحرين بعد خليفة بن سلمان؟
البارز أنها المرة الأولى التي يتم فيها الجمع بين منصبي ولاية العهد ورئاسة الوزراء في البحرين، ما يطرح التساؤل عن شكل السلطة بعد خليفة بن سلمان.
مؤسس البحرين ما بعد الاستقلال ورئيس وزرائها إلى آخر أيامه قبل الرحيل. الحاضر والشاهد على كل التحولات التي شهدتها البلاد منذ العام 1970. مهندس مؤسسات الدولة بشكلها الحالي والممسك بمفاصلها إلى وقت ليس ببعيد... رحل.
رحل خليفة بن سلمان، رجل الدولة القوي وأحد صقورها، الرجل الذي عرف بالصلابة وعدم الليونة، حتى سمي برجل المواقف الصلبة.
خاصم جميع المعارضات على امتداد تاريخها الحديث ما بعد الاستقلال، وفي الوقت نفسه استطاع مد شبكة من العلاقات مع أبرز العوائل البحرينية الكبيرة والمؤثرة، وشكّل حاضنته الشعبية خارج البيئة المعارضة. عرف العوائل البحرينية، وحمل ذاكرة حديدية جعلته لا ينسى من يقابله، ولو لمرة واحدة.
خصم اليسار والإسلاميين. واجه احتجاجات العام 2011 التي استهدفته بالدرجة الأولى، إثر مطالبة المعارضة بالإصلاحات والتأسيس لحكومة منتخبة، حتى إن الأوساط المقربة من القصور تقول إنه من استقدم قوات درع الجزيرة لإنهاء الاحتجاجات، ما يعني أنه كان ما يزال حتى ذلك الحين رقماً صعباً في المعادلة الداخلية.
بشكل عام، وعلى مدى سنوات، قسمت موازين القوى في بيت الحكم إلى 3 أضلاع أو أجنحة، الديوان الملكي بقيادة وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة، وولي العهد المعروف بالجناح الإصلاحي والمعتدل، ورئيس الوزراء الرجل التقليدي والقوي والمتشدد، ولكن على مدى السنوات الأخيرة، جرى إضعافه حتى أصبح أقرب إلى كونه خارج السلطة.
يقال إنه كان ضد التطبيع مع "إسرائيل"، وكان رافضاً للقطيعة مع قطر، إلا أنه لم يكن حاضراً أو مؤثراً في المشهد. عموماً، لم يزر الرجل أيضاً الولايات المتحدة الأميركية خلال ذروة حضوره، ولم يكن يحب الأميركيين، كما أنه كان ضد الغزو الأميركي للعراق. لذا، يصفه المقربون منه بأنه أقرب إلى أن يكون عروبياً.
محلياً برز موقفه ضد التجنيس، كما أنه في السنوات القليلة الماضية عبّر عن انفتاح أكبر على الشيعة وسعى إلى مد جسر علاقة مع أحد أبرز علمائهم العلامة عبدالله الغريفي، ما انعكس بشكل لافت من خلال عبارات التعازي والتعاطف المعلن من قبل شرائح اجتماعية شيعية أبان رحيله.
ورغم سحب صلاحياته وإضعافه، فإن الصورة الداخلية والخارجية بقيت مستمرة؛ صورة الرجل القوي الذي يحول دون حل الأزمة السياسية في البلاد. وبطبيعة الحال، رحيله اليوم لن يكون عابراً، سواء على صعيد المشهد السياسي العام أو على صعيد توازنات القوى في داخل بيت الحكم نفسه.
وفي المشهد، وبعد ساعات قليلة من إعلان وفاته، أصدر الديوان الملكي أمراً بتعيين ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة رئيساً لمجلس الوزراء، وهو ما كان متوقعاً، على اعتبار أن ولي العهد هو نائب رئيس مجلس الوزراء والقائم بمهامه في الآونة الأخيرة، بحكم ابتعاد الراحل عن المشهد السياسي منذ فترة بسبب أوضاعه الصحية.
دستورياً، يعين الملك رئيس الوزراء. والبارز هنا أنها المرة الأولى التي يتم فيها الجمع بين منصبي ولاية العهد ورئاسة الوزراء في البحرين، ما يطرح التساؤل عن شكل السلطة بعد خليفة بن سلمان. هل يؤسس الملك لعرف دستوري بأن يكون ولي العهد رئيساً للوزراء؟ أو ربما تحصر رئاسة الوزراء في العائلة الحاكمة، بغرض الحفاظ على التوازنات داخلها؟ أو تذهب التعيينات إلى خارج العائلة الحاكمة؟ وهو ما يبدو احتمالاً مستبعداً جداً.
عموماً، أصبح ولي العهد الآن رئيساً للوزراء، وهو رجل يبدو مقبولاً شعبياً في بيئة المعارضة وخارجها، ومعروفاً داخلياً بقيادة التيار المعتدل والإصلاحي في بيت الحكم، فهل تقبل به المعارضة رئيساً للوزراء أو تتمسك بمطلب الحكومة المنتخبة؟ هل تتعامل مع واقع أنَّ البحرين، بحكم حجمها الجغرافي ومحيطها الإقليمي، لا تستطيع أن تقفز مباشرة إلى تحقيق الحكومة المنتخبة، وتقبل بشخصية مقبولة ومعتدلة في هذا المنصب، وتذهب إلى المطالبة ببرلمان كامل الصلاحيات مثلاً، كنوع من التوازن بين ما قد تحصل عليه وما هو غير متاح حالياً؟ هذا السيناريو وارد من ضمن سيناريوهات المرحلة المقبلة التي ينتظر الخليج انعكاساتها عليه في عهد الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.
هذه المرحلة لن تخلو من ضغوط أميركية على المنامة بطبيعة الحال، من أجل تحقيق الإصلاح، وفتح أبواب الحوار مع المعارضة، وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، إذ يأتي رحيل الرجل القوي متزامناً مع وصول رئيس ديموقراطي غير معجب بانتهاكات حقوق الإنسان، مع انغلاق الآفاق السياسية في الخليج، وهو ما من شأنه أن يكون عاملاً أساسياً في تشكيل المشهد القادم في البحرين، كما إنه تزامن فريد قد يعطي السلطة فرصة للمناورة في ملف الأزمة السياسية، وقد نشهد فيه تحميل الرجل الراحل كل تركة العام 2011، والبدء بمفاوضات ربما تسفر عن انفتاح سياسي على غرار 2002، وهو ما لا تشير إليه المعطيات الحالية، أو قد نشهد استئنافاً للحوار مع المعارضة، ولكن بغرض تمرير الوقت والمراوحة، كما حصل في طاولات الحوار السابقة التي لم تأتِ بنتيجة.
وربما تكتفي السلطة بإصلاحات على الصعيد الحقوقي، والإفراج عن المزيد من المعتقلين، وإعادة الجنسيات إلى من أسقطت جنسياتهم، أو السماح بعودة من هم في الخارج من دون التعرض لهم، وهو الملف الذي يبدو الأسهل عملياً.
وبين جميع هذه السيناريوهات والإمكانيات، أسوأها وأفضلها، يمكن القول إن المرحلة المقبلة ستحتم على السلطة إخراج ملف الأزمة النائم في الأدراج منذ 4 سنوات، أي منذ وصول ترامب.
والحقيقة أن الآمال والأنظار في الداخل تتجه نحو إحداث ثغرة لمغادرة حالة المراوحة إلى مرحلة أكثر ديناميكية وأقرب إلى الانفراج، فكيف ستستثمر السلطة معطيات المرحلة؟ وكيف ستتعامل معها المعارضة؟ إنه السؤال العريض الذي ستتضح الإجابة عليه أكثر مع بدايات السنة القادمة.