30 حزيران/يونيو.. سقوط أوباما والإخوان في الشوارع المصرية
جاءت ثورة 30 حزيران/يونيو، والتي ضمت ما يقرب من 30 مليون مصري رفضاً لحكم الإسلام السياسي، المتمثل بجماعة الإخوان، وهي إحدى أدوات المشروع الأميركي في المنطقة، لترتبك حسابات الولايات المتحدة.
كانت لحظة مباغتة، تُحسب بالساعات، 30 ساعة تقريباً في اليوم الـ 30 من شهر حزيران/يونيو 2013، مع 30 مليون مصري اندلقوا في الشوارع والميادين. كان إعصاراً نادراً من البشر، يكنس أمامه 30 عاماً من تخطيط محكم وضع لبناته مفكر القرن الأميركي زبيغنيو بريجينسكي في كتابه العمدة "بين جيلين" أو "بين عصرين"، بحسب الترجمة.
في كانون الثاني/يناير 2011 كان مر ثلاثة عقود من العمل الدؤوب على تفتيت الشعوب العربية، وتحويلها إلى مجموعة سكان في أرض غير مترابطة جغرافياً.
عادةً، الغرب لا يتراجع عن الأهداف، ولا يغير الأدوات في كل حرب، بل يعمل على تطويرها ضمن خطين متوازيين، وبينهما تسير القافلة. فالادعاءات واحدة، حتى في الحرب الروسية الأوكرانية الحالية، والحرب الأهلية السودانية، فكلتاهما ضمن الربيع الدموي المستمر نفسه.
وغالباً، للغرب جماعات لا وطنية، سواء دينية متمثلة بجماعات الإسلام السياسي، أو الجماعات النخبوية الممولة، وهذه الجماعات جاهزة للاندفاع حين تبدو الأوامر الغربية ظاهرة في الأفق. وظهرت قبل عقد من كانون الثاني/ يناير 2011، حين اندفعت الآلة الأميركية الغربية إلى غزو أفغانستان على إثر أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، وما تلاها من غزو العراق في عام 2003.
ضمن هذا السياق، كان التخطيط مستمراً، ووصل إلى ذروته في كانون الأول/ديسمبر 2010 في تونس، وبقية القصة معروفة، لتأتي ردة الفعل وفق الأسلوب نفسه في 30 حزيران/يونيو، ليفاجَأ الغرب بأن يشرب من الكأس نفسها، ولننظر إلى ما يحدث في فرنسا الآن.
فعلى إثر ما سُمّي "الربيع العربي" هذا، وصلت جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من تنظيمات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في مصر، وسيطرت على مقاليد الحكم في تونس، وهيمنت على المشهدين السياسي والعسكري في ليبيا، وشكلت الحكومة في المغرب!
كان ذلك بتأييد ومباركة من الولايات المتحدة الأميركية، تتويجاً لصياغة أفكار مراكز الدراسات الاستراتيجية، ودوائر التخطيط السياسي والاستراتيجي، ودوائر الاستخبارات الأميركية.
وكانت الدوائر هي همزة الوصل بين أميركا وحلفائها القدامى الجدد من الإسلاميين، استناداً إلى خبرتها السابقة في التعامل مع الإسلام السياسي في سبيل تحقيق الأهداف الأميركية في أفغانستان عبر ضرب الاتحاد السوفياتي آنذاك.
وهذا ما أكده موقع "ويكيليكس" من خلال تسريبه وثائق في أثناء الاحتجاجات و"الثورات" بشأن الفساد في تونس، في عهد الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، كما ظهرت وثائق أخرى تتحدث عن أن الإدارة الأميركية قامت بإعداد شبان لأداء دور قيادي في الثورة ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك في مصر.
لقد مثّل ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد، محور السياسة الأميركية والغربية تجاه المنطقة، ويرتكز على أن الشرق الأوسط، في حدوده القائمة، انتهت صلاحيته، وأن تقسيم سايكس بيكو عام 1916 لم يعد يستجيب لحاجات المنطقة، والاستراتيجية الأميركية، الأمر الذي يتطلب ضرورة تفكيك الدول القائمة إلى دويلات تقوم على أسس طائفية وعرقية ومذهبية، على أن يتعمد بالدم والعنف من خلال انفجار في المنطقة، طائفياً ودينياً، يُفضي إلى ما يسمى "الفوضى الخلاقة"، وهذه تؤدي بدورها إلى تفتيت الكيانات القائمة، وتشكيل الإثنيات العرقية والطائفية بدلاً من الدول، تمهيداً لإعادة رسم الشرق الأوسط الجديد.
ومشروع الشرق الأوسط الجديد أعلنته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس عام 2006 بالفعل، وكشفت عنه دراسة نشرها العقيد الأميركي رالف بيترز، بعنوان "حدود الدم"، في مجلة القوات المسلحة الأميركية.
في عام 2009 وصل باراك أوباما، ومعه فريق من المؤمنين بمشروع الشرق الأوسط الجديد، إلى البيت الأبيض، وبدأ العمل حثيثاً على نشر الفوضى الخلاقة في منطقتنا، عبر تسعير المذهبية والطائفية والعرقية، الأمر الذي أدى إلى إشعال حالة الاحتراب في المنطقة على أسس مناطقية وعرقية وطائفية، ووظف الاحتقان الشعبي القائم ضد بعض الأنظمة، عبر دعم بعض الجماعات والكيانات المناهضة للسلطات في بعض الدول العربية، إلى أن انطلقت الشرارة في تونس، وانتقلت إلى مصر ومنها إلى ليبيا، واليمن ، فسوريا، وهكذا، ودفع جماعات الإسلام السياسي إلى صدارة المشهد، وصعدت إلى سدة الحكم في مصر وتونس وليبيا والمغرب.
وجاءت ثورة 30 حزيران/يونيو، والتي ضمت ما يقرب من 30 مليون مصري رفضاً لحكم الإسلام السياسي، المتمثل بجماعة الإخوان، وهي إحدى أدوات المشروع الأميركي في المنطقة، لترتبك حسابات الولايات المتحدة، وخصوصاً بعد أن أعلنت القوات المسلحة المصرية دعمها الكامل لحركة الجماهير، وأقصت مرسي عن موقع الرئاسة، وكان ذلك بمثابة ضربة البداية لتبديد المشروع، الأمر الذي جعل ثورة 30 حزيران/يونيو بمثابة طوق نجاة أنقذ مصر والمنطقة العربية من براثن المشروع الأميركي، من خلال إسقاط إحدى أهم أدواته، المتمثلة بجماعة الإخوان، التي كانت سياساتها تؤدي إلى وضع بذور الشقاق والتناحر بين مكونات مجتمعاتنا وضرب الهوية الوطنية.
إن مصر، بعد أن تخلّصت من حكم الإخوان، سعت بقوة للانطلاق نحو التنمية المستدامة، من خلال إنجاز عدد من المشاريع العملاقة على المستوى الاستراتيجي. وكذلك، عملت على استعادة مكانتها في المنطقة العربية، والقيام بدور فعال في المحافظة على الأمن القومي العربي.
لكن ثورة 30 حزيران/يونيو، كفكرة مصرية عميقة، تحتاج إلى قراءة أشد عمقاً، فبعض أعدائها التفّ على جوهرها، في محاولة لشيطنتها، أو الاستفادة منها كغنيمة، والشاهد أنها فكرة يفهمها الغرب وحده، ولا يصدّق أنها جرت من دون إسالة نقطة دم واحدة.