14 آذار لتطيير الانتخابات: إجراؤها كارثة وتأجيلها كارثة أكبر
3 أدوات يملكها فريق 14 آذار تساعد على الدفع باتجاه تأجيل الانتخابات، بعد تيقنه من استحالة الفوز بأكثرية نيابية مناوئة للحزب وحلفائه.
لم يعد أحد ممن يصفون أنفسهم بقوى التغيير يكذب على نفسه في احتمال الفوز في الانتخابات النيابية المقبلة. الاحتمال نفسه غير وارد بالنسبة إلى هؤلاء. في مقاله الأخير، يلتحق مدير موقع "أساس" (الخاص بوزير الداخلية السابق نهاد المشنوق) محمد بركات بركب الكتّاب في الصحافة الخليجية، بالإشارة إلى تأكيد الأرقام أنَّ "الانتخابات ستعيد لـ"المحور" شرعيته المحلية وتكرسه ممثلاً للشعب اللبناني، وتعطيه الجائزة الكبرى أمام المجتمعين العربي والدولي".
ويتابع بركات كاتباً: "خسائر جبران باسيل – إذا حصلت – ستقتصر على نائب أو اثنين، وهو أقرب إلى "الفوز المجلجل" بعد 3 أعوام من الحملات و"الهيلا هو"، وهذا هو الانتصار الأكبر الذي سيحقّقه حزب الله" (انتهى الاقتباس).
وبالتالي، إن تهيئة الرأي العام اللبناني بدأت على أكثر من مستوى: فوز أكثرية تناصب الحزب العداء هو أمر غير وارد، ومن غير الوارد أيضاً كسر التيار الوطني الحر أو حلفاء الحزب لدى الطائفتين السنية والدرزية، وهو ما يدفع كثيرين إلى الاعتقاد بأنَّ تأجيل الانتخابات هو الحلّ، وخصوصاً أنَّ في يد الفريق المتضرّر من إجراء الانتخابات 3 أدوات تساعد في الدفع بهذا الاتجاه:
1. الميثاقية، وذلك إذا ما حصل في الأيام المقبلة الأمر المستبعد المتمثل بتحول كبير في خطاب الرئيس سعد الحريري لجهة الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، مع استتباع ذلك بمجموعة مواقف مماثلة من دار الإفتاء ورؤساء الحكومات السابقين والنائب السابق وليد جنبلاط، على نحو يسمح بالتّشكيك في ميثاقية الاستحقاق في ظلِّ مقاطعة مكونين طائفيين أساسيين.
2. الفوضى المالية التي يتحكّم فيها الأميركيون، ممثلين بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصارف اللبنانية. وسواء توفرت ذريعة مقنعة لهؤلاء أو لم تتوفر، فإنهم قادرون على اختراع الأعذار لنشر الفوضى المالية مع كلِّ ما يستتبعها بسرعة من فوضى معيشية وأمنية، مع العلم أنّ من يدّعون – كذباً ونفاقاً – أن تحرّك القضاء باتجاه المصارف هدفه تطيير الانتخابات، عليهم بكل بساطة إقناع المصارف بفتح أبوابها لقطع الطريق على الفوضى المالية وتطيير الانتخابات و"إفحام" العونيين، لا العكس.
3. الفوضى الأمنية التي تتحكّم فيها الاستخبارات الأميركية والخليجية عبر الخلايا التكفيرية النائمة والقوات اللبنانية وبعض المجموعات التي تحاول توريط العشائر العربية بمشاكل لا علاقة للعشائر بها من قريب أو بعيد. وقد بدا واضحاً في أكثر من مناسبة أخيراً أنَّ الجهوزية والاستعداد موجودان هنا في انتظار اللحظة المناسبة.
وبالتالي، إنَّ نتيجة الانتخابات معروفة، ولدى المتضرر من إجرائها وسائله لتطييرها مع مواكبة إعلامية من ماكينة الأكاذيب التي ما زالت تعتقد أنَّ بوسعها إقناع اللبنانيين بأن الأبيض أسود، وتحميل حزب الله أو التيار الوطني الحر مسؤولية تأجيل الانتخابات.
ولكنَّ مشكلة ما كان يُعرف بقوى 14 آذار سابقاً تكمن في أنّ خسارتهم اليوم محدودة نسبياً. أما في حال تأجيل الانتخابات، فهم سيخسرون أكثر بكثير، لأن جميع التطورات والظروف تعمل ضدهم، إذ تشير التقارير الدبلوماسية إلى توسل قياديين في أحزاب القوات اللبنانية والاشتراكي والكتائب والمجتمع المدني سفارة عوكر لعدم السماح للبنان باستجرار الكهرباء من مصر قبل الانتخابات، وعدم إفساح المجال لأيِّ تعاون مع صندوق النقد أو البنك الدولي قبل الانتخابات، وعدم ترسيم الحدود أو عودة شركات النفط للعمل قبل الانتخابات، وعدم تسهيل عودة النازحين السوريين إلى بلدهم قبل الانتخابات، لاعتقادهم بأنَّ الانفراجات المالية أو المعيشية من شأنها أن تقضي على حظوظهم بالمنافسة بالكامل، إذ سيعجزون عن تحميل خصومهم – كذباً ونفاقاً – مسؤولية كل ما يحصل، ولن يعود بوسع سمير جعجع القول للناخبين إنَّه سيعيد سعر الصرف إلى سابق عهده قبل 17 تشرين، في حال انتخابهم القوات.
إجراء الانتخابات اليوم يعني إجراءها دولياً في ظل الحصار الكونيّ المطبق على إيران أو تزامناً مع رفعه أو قبل بدء تلمّس النتائج المباشرة وغير المباشرة لرفع الحصار. إجراؤها اليوم يعني إجراءها إقليمياً قبل نضوج المصالحات السورية – الخليجية بشكلها النهائي، ويعني إجراءها محلياً في ذروة الضغط المعيشي والمالي.
أما تأجيلها، فيعني تحديد موعد آخر بعد حلّ معضلة الترسيم وعودة الشركات للتنقيب عن الغاز، وبعد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بكل ما سيؤمنه ذلك من استثمارات إيرانية مباشرة ومعجلة ومكررة في القطاعات الحيوية في لبنان تحت سقف القانون، وبعد إنهاء مهزلة اللاجئين نتيجة عجز المنظمات الدولية عن الاستمرار بالتمويل بعد الضغط الأوكراني الهائل في كلّ أوروبا، وبعد الانطلاق في إعادة إعمار سوريا مع كل ما ستوفره عملية إعادة الإعمار من فرص عمل كبيرة وأساسية للشركات اللبنانية المحسوبة على حلفاء سوريا.
عملياً، كانت قوى 14 آذار تريد انتخابات مبكرة، لأنها استنزفت كل ما يمكن أن تقوله أو تفعله، بعد استخدامها لحم المواطنين الحي في معركتها ضد حزب الله والتيار الوطني الحر، سواء عبر القطاع المصرفيّ الذي تهيمن عليه، أو عبر الطلب من الخليج أن يغلق حدوده في وجه الصادرات اللبنانية بموازاة تهديده اللبنانيين بلقمة عيشهم، أو عبر التحريض السني الشيعي والدرزي الشيعي والمسيحي الشيعي، أو عبر منع بناء المعامل لإنتاج الكهرباء أو استجرارها من مصر أو تركيا، أو عبر افتعال حاكمية مصرف لبنان، لكنَّ هذا كلّه لم يؤدِّ إلى تغيير مزاج الرأي العام بما يكفي لهزيمة التيار والحزب، فكيف الحال في حال تعطيل مفاعيل هذا كله، وفي حال إجراء الانتخابات في ظروف محلية وإقليمية ودولية مختلفة بالكامل!
بالنسبة إلى قوى 14 آذار، هم مخيّرون بين إجراء الانتخابات في موعدها ليخسروا قليلاً أو تأجيلها ليخسروا كثيراً. لا خيار آخر. أما حزب الله والتيار الوطني الحر، فهم مخيرون عملياً بين إجراء الانتخابات في موعدها لتكريس مكتسباتهم بعد كلّ الحملات والتحريض، إذ يسجلون موقفاً سياسياً من دون القدرة على إحداث تغيير حقيقي، حيث ستبقى التوانات السياسية الحالية نفسها، وبين تأجيلها ليربحوا ربحاً عملياً أكبر بكثير.
في موقفهما الرسمي وغير الرسمي، فوق الطاولة وتحتها، يقول الحزب والتيار اليوم إنهما يتمسكان بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، احتراماً منهما للمواعيد الدبلوماسية، وليس للضغوط الدولية، وهو موقف مبدئي طبعاً، إلا أنه يتناقض مع مصلحتهما.
إنَّ مصلحتهما ومصلحة أنصارهما ومصلحة كل من يريد رؤية تغيير حقيقي تقتضي تأجيل الانتخابات، أقله 3 أشهر، ريثما تنضج جميع التحولات المحلية والإقليمية والدّولية التي تصبّ جميعهاً في مصلحتهما، فيتضاعف فوزهما، وتنسجم النتائج في صناديق الاقتراع مع النتائج في المنطقة.