يوم المرأة العالمي أم المعولم؟
يوم المرأة العالمي كما نعرفه ونريده هو يوم أم ترسم العالم بسمةً على شفاه أطفالها، وامرأة تشدّ يدها على يد رجل لبناء عائلة وصناعة مستقبل. هو يوم أم وزوجة وأخت وابنة شهيد سقط دفاعاً عن الحرية والإنسانية.
احتفل العالم بيوم المرأة للمرة الأولى في مدينة نيويورك في 28 شباط/فبراير 1909 بدعوة وتنظيم من الحزب الاشتراكي الأميركي، الذي طرح الفكرة في مؤتمر الأممية الثانية، لتبدأ منذ عام 1911 احتفالات يوم المرأة في العديد من مدن أوروبا، من دون وجود تاريخ محدد لهذا اليوم، مع غلبة الأسبوع الأخير من شباط/فبراير، والأسبوع الأول من آذار/مارس، لتكون فترة يقام فيها هذا الاحتفال.
استمرت هذه الحال حتى عام 1917، عندما كان الاحتفال بيوم المرأة الشرارة التي أطلقت موجة احتجاجات في روسيا أدت بعد أسبوع من انطلاقها إلى تنحي القيصر نيقولا الثاني وإعطاء المرأة حق التصويت. كان الاحتفال في 23 شباط/فبراير بحسب التقويم اليولياني، وهو يوافق يوم 8 آذار/مارس بحسب التقويم الغريغوري.
بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية، أعلن يوم 8 آذار/مارس يوماً عالمياً للمرأة، ويوماً وطنياً للمرأة السوفياتية. وكانت ألكسندرا كولنتاي أول امرأة في التاريخ تتسلم منصب وزير، وذلك في الحكومة التي ألّفها لينين.
بقي اليوم العالمي للمرأة يحمل طابعاً يسارياً، ولم تلتفت إليه الأمم المتحدة إلا عام 1977، عندما قررت جمعيتها العامة اعتماد يوم 8 آذار/مارس يوماً عالمياً للمرأة والسلام العالمي. رغم هذا التبني، استمرّ يوم المرأة العالمي بحمل مضامين نضالية وثورية. وغالباً ما كانت الملصقات التي تحتفي بالمناسبة تحمل صوراً لنساء يحملن المنجل أو الفأس أو البندقية.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية، طرأ تحول جذري على مفهوم اليوم العالمي للمرأة ومضمونه.
منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ظهرت في العالم طبقة جديدة. رجل بريطاني يحمل جواز سفر إماراتياً. يمتلك شركة في الباكستان، وأخرى في الهند. مكاتبه في لندن ونيويورك. يسكن في جزيرة في الكاريبي، ويمتلك منزلاً في الرباط، وآخر في باريس، ومنتجعاً في ماربيا، كلها موجودة ضمن مجمعات مغلقة. يلتقي أمثاله من الأثرياء. يعملون ويحتفلون ويتزوجون خلف الأبواب المغلقة.
هذه الطبقة الّتي تتجاوز حدود السيادة الوطنية للدول، وتعمل عبر الحدود من دون ضوابط، وتتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتفرض شروطها السياسية والاقتصادية، هي التمثيل الواقعي لمفهوم الرأسمالية المعولمة. لذلك، يسميها سلافوي جيجك "الطبقة المعولمة".
تعيش الطبقة المعولمة في معتزلاتها بسبب الخوف. ليس الخوف من الإرهاب أو الحروب، فهي التي تصنع كل ذلك، لكنه الخوف من الجماهير؛ سكان الكرة الأرضية الذين يشكلون المادة الأساسية للعمل والمصدر الرئيس لثروة هذه الطبقة.
لم يسبق لهم أن التقوا هؤلاء الذين يسيرون في الشارع كل يوم إلا عبر شاشات التلفزيون وفي أفلام هوليوود و"نتفليكس". ما يعرفونه عن تلك الجماهير يأتي من قاعدة المعلومات (Data Base) التي تنظمها مراكز الدراسات والمنظمات المنتشرة في أنحاء العالم تحت أسماء خيرية وإنسانية براقة.
على مدى قرن من الزمن، عملت هذه الطبقة على جمع كل المعارف البشرية العامة والخاصة، فهي تعرف كل شيء عنك، من هاتفك الخليوي إلى بطاقة اعتمادك إلى خط سير سيارتك. كل شيء تفعله يتحول إلى معطى رقمي يدخل خوارزمية محددة تفرض عليك الخيارات القادمة في حياتك.
ابحث عن عطلة في الإنترنت، وستجد أنَّ العروض المقدمة لك تتناسب مع ميزانيتك. وإذا كنت ترغب في الذهاب إلى مكان يتجاوز ميزانيتك، فستنهال عليك عروض المصارف والشركات لتقسيط رحلتك. بعد نقاش عائلي، ستختار "بكل حرية" وجهة عطلتك المقبلة.
لن تلاحظ أبداً أن خياراتك لا تضم طهران أو هافانا أو كاراكاس. الخوارزمية نفسها تطبق على المجتمعات. أنت تُمنح حرية الاختيار بين مجموعة من الخيارات التي يحددها النظام العالمي، وأي محاولة للتمرد يكون عقابها القوة والتدمير والاحتلال.
ما علاقة كل هذا باليوم العالمي للمرأة؟ ما عليك سوى مراجعة ما أصاب هذا اليوم منذ تفرد الرأسمالية بقيادة العالم. كانت الشعارات تجعل تحرير الأوطان طريقاً نحو تحرير المرأة. رويداً رويداً، انحسرت الشعارات الوطنية لمصلحة شعارات معولمة تدّعي أنها تمثل كل نساء الأرض، من قبيل: تمكين المرأة، مكافحة العنف ضد المرأة، المرأة والإيدز.
في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، يفتك الفقر بالنساء والرجال والأطفال. معظمهم لا يجد مياهاً صالحة للشرب، وتتجاوز نسب البطالة نصف القوى العاملة، وبالكاد تفي البنية التحتية بالحاجات الأساسية للمواطنين.
ما القضية التي تجمع بين امرأة تموت تحت قصف طائرات "أف 16" الأميركية في اليمن، وأخرى تقتلها المجاعة في الصومال، وأخرى لا تكاد تحصل على قوت يومها في البيرو، مع أميركية تشكو قضية البدانة نتيجة الوجبات السريعة، وبريطانية فقدت وظيفتها في مصنع طائرات حربية؟
عام 2000، حصلت شركة التسويق البريطانية "Aurora Venture" على عقد تسويق اليوم العالمي للمرأة. بحسب موقعها في شبكة الإنترنت، تقوم الشركة باختيار شعار اليوم العالمي للمرأة كل عام. وقد نظمت خلال عقدين 500 حفل يتعلق بالمرأة، وأطلقت 10 مجلات، وكانت صاحبة الريادة مع مجلة "التايمز" في إطلاق قائمة "أكثر 50 امرأة تأثيراً في العالم"، فكم فلاحة أو عاملة مصنع أو موظفة صغيرة ستجد طريقها إلى تلك الحفلات والقائمات؟
يوم المرأة كما نعرفه ونريده هو يوم أم ترسم العالم بسمة على شفاه أطفالها، وامرأة تشد يدها على يد رجل لبناء عائلة وصناعة مستقبل. هو يوم أم وزوجة وأخت وابنة شهيد سقط دفاعاً عن الحرية والإنسانية، وشهيدة امتشقت روحها سلاحاً وقدمتها على محراب وطنها. أما يومهم المعولم، فهو يناسب معتزلاتهم وسهراتهم المغلقة وأيديهم التي تقطر من دم رجال ونساء هذا العالم.