هل يغرق بايدن في حرب غزة؟

بدأت إدارة بايدن بعد شهر من السماح لـ"إسرائيل" بالتنفيس عن حقدها بالبحث عن حلول وأهداف سياسية للعملية الإسرائيلية يمكن تطبيقها على أرض الواقع.

  • جو بايدن.
    جو بايدن.

لم تحدد إدارة بايدن أي خطوط حمر، وسمحت لـ"إسرائيل" بتجاوز كثير من الخطوط الحمر المتعلقة بالقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وقوانين الحرب، وفرضت الحسابات السياسية الخاصة ببايدن والكونغرس والمنظمات التي تتعامل مع إدارة بايدن ضغوطاً لدعم "إسرائيل" وإعفائها من أي مسؤولية عن قتلها المدنيين وقصفهم بشكل وحشي وإلقاء المسؤولية كلها على حماس. هي المرة الأولى التي يمكن فيها لجيش القيام بما يريد من دون رادع أو حدود تمنعه من التصرف بوحشية تامة من أجل الانتقام.

قدمت إدارة بايدن الدعم السياسي والعسكري الكامل لـ"إسرائيل" فوراً، وسلَّمت السلاح، ونشرت قواتها في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتبادلت المعلومات الاستخباراتية والتحليلات العسكرية. عملت الولايات المتحدة على تثبيت التزامها عملياً بالوقوف إلى جانب "إسرائيل"، حتى إن بايدن شكك في التقارير الرسمية لوزارة الصحة في غزة، وتبنى علناً أفعال "إسرائيل"، ما خلق شرخاً بينه وبين بعض الدول العربية، وخلافاً بينه وبين جزء كبير من الناخبين الديمقراطيين.

لا شكّ في إخلاص بايدن وإدارته لـ"إسرائيل"، رغم الادعاءات الإعلامية بوجود انقسام في هذه الإدارة حول مصالح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط، والتي يمكن أن تتضرر. الدعم مبدأ لطالما تغنَّت به الإدارات الأميركية المتعاقبة في حال تعرض أمن "إسرائيل" للخطر.

أعلن الإسرائيليون هدفهم، وهو تدمير حركة حماس، وأكدوا أن الحرب طويلة، لكنه سقف عالٍ، وهم يعلمون من خلال تجاربهم أن من الصعب عليهم دفع الأثمان، لكون هذا الهدف يتطلب تفاهم الجبهة الداخلية سياسياً واجتماعياً وتوحيد القرار وتماسكه في ظل اقتصاد لا يمكنه استيعاب الحرب وتكاليفها، وخصوصاً في ظل التصريحات حول المعارك الطويلة. تقديرات الحرب على غزة ستكلف 51 مليار دولار. وإذا طال أمدها، يمكن أن يصاب الاقتصاد الإسرائيلي بالشلل.

بدأت إدارة بايدن بعد شهر من السماح لـ"إسرائيل" بالتنفيس عن حقدها بالبحث عن حلول وأهداف سياسية للعملية الإسرائيلية يمكن تطبيقها على أرض الواقع، فعمدت إلى عقد اجتماعات ومشاركات سياسية ونقاشات حول أسباب عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على إنجاز انتصار ينهي الحرب واستثماره في السياسة بعد فترة الحرب الطويلة التي أدت إلى استشهاد أكثر من 10 آلاف مدني فلسطيني، جلهم من الأطفال. 

 بدأ الدعم الكامل لها يتآكل تدريجياً بعدما وصلت الضغوط الشعبية إلى درجة يمكنها تهديد شعبية بايدن الانتخابية بين الشباب والملونين الذين دانوا الولايات المتحدة والدول الغربية التي عاقبت سكان غزة من خلال دعم خطة القصف الإسرائيلية.

يطالب أهالي الأسرى بصفقة وهم يعلمون أن تحريرهم عسكرياً غير وارد وغير مضمون النتائج بعدما قتل نحو 60 منهم في الغارات الإسرائيلية. كذلك الأمر بالنسبة إلى الدول التي لها رعايا بين الأسرى، فيما يرى نتنياهو أن صفقة تبادل الأسرى تعتبر إقراراً نهائياً بالهزيمة وانتصاراً لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية، وأنه سيدفع وحده ثمن عدم تمكّن الجيش من تفكيك قدرات المقاومة الفلسطينية، إضافةً إلى خسارة عدد كبير من الجنود.

أما خطة حماس والفصائل، فهي تتمثل بوقف الحرب والقيام بعملية تبادل شاملة للأسرى ورفع الحصار، لكنها في الوقت نفسه مستعدة لحرب طويلة، وتراهن على الوقت في تآكل عناصر قوة الجيش الإسرائيلي. وهكذا، تصبح نهاية نتنياهو وحكومته حتمية. 

أميركا تبحث عما بعد حرب غزة 

 كل النقاشات التي يخوضها المسؤولون الأميركيون مع الإسرائيليين وما خاضوه مع الأردن ومصر، تركز على استراتيجية الخروج الإسرائيلي من غزة. الرئيس الأميركي، ومنذ توليه الرئاسة، كان يُكرّر أنه لا يزال يفضّل حل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لكنه كان دعماً كلامياً وغير عملي.

اللافت كان إعلان إسماعيل هنية الذي طرح تصوراً لحل النزاع وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. هذا يعني أن على بايدن انتزاع تنازلات من نتنياهو الذي يحتاج إليه للخروج من الخسائر السياسية والعسكرية والاقتصادية للحرب. هل يُمكن للأميركي أن يلبي رغبة عربية لإعادة البحث في حل الدولتين أو أنه يرى أن الموضوع تراجع بالنسبة إلى الإسرائيليين والفلسطينيين أيضاً؟

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال شهادة أمام الكونغرس قد طالب بأن تحل السلطة الفلسطينية مكان "حماس" في غزة بعد الحرب، وكأنها قد هزمت. بدا الحل غريباً، فالسلطة في رام الله المهمشة من واشنطن و"إسرائيل"، والمتدنية الشعبية الفلسطينية بسبب الفساد الإداري، لا يمكنها على الإطلاق إدارة غزة بعد الحرب.

وكان وزير الخارجية الأردني قد صرح للتو أن حركة حماس فكرة لا تنتهي، وهي مقاومة الشعب الفلسطيني، وأن من يريد وضعاً مغايراً عليه تلبية حقوق الشعب الفلسطيني، مشدداً على أن الأردن يرفض أي حديث عن إدارة غزة ما بعد الحرب عبر قوات عربية أو غير عربية.

وركّز على وجوب أن يذهب المجتمع الدولي بهذا الاتجاه وبخطة تحقق السلام والدولة الفلسطينية وحقوق شعبها من دون العودة كل فترة إلى الحرب.

لا تريد كل من القاهرة وعمان القيام بأي دور في هذا الشأن، لأنه سيؤدي لا محالة إلى قطع الطريق أمام حل الدولتين. كل هذه السيناريوهات التي يقترحها الأميركي تفترض هزيمة "حماس" في الحرب، بحيث لا يكون للحركة أي دور سياسي أو عسكري في المستقبل، فالحرب ما زالت في أوجها، ولن تسمح إيران وحلفاؤها بهزيمة "حماس" وتكرار "سيناريو بيروت" عام 1982.

تضغط الولايات المتحدة على "إسرائيل" لوقف إطلاق النار، فيما تصر الأخيرة على وقف متقطع لإطلاق النار بانتظار القمة العربية الإسلامية التي ستعقد في السعودية يومي 10 و11 تشرين الثاني/نوفمبر لمناقشة القضية الفلسطينية ومآلاتها.

لا شكّ في أن هناك انقساماً عربياً حول وضع حماس بعد تبادل الأسرى. منهم من يرفض وجودها ويريد طي صفحة الحرب، ولكن هل الأمر ممكن؟ لا شكّ في أن هناك مصالح مشتركة تربط العرب بالأميركيين، وحرب غزّة ومصيرها من أهم هذه المصالح؛ فالإسرائيليون لن يديروا غزة إذا نجحوا في الحرب البرّية، والعرب يرفضون تحمل المسؤولية.

ولا شكّ في أن الحرب عقَّدت أمور الأميركيين والإسرائيليين وبعض العرب والأوروبيين الذين هرولوا إلى "إسرائيل" متسلحين برغبة المشاركة في الدفاع عن أمن الكيان، وكانوا قد حاولوا قمع شعوبهم ومنعها من التظاهر، لكن أمام هول الحرب وخسائرها الإنسانية صمتوا وخفَّت حماستهم وتراجعوا. أما بايدن فقد بدأ يخشى على حملته الانتخابية في حال استمرار الحرب وآلة القتل. وفي المقابل، يخشى تأثير الفشل في حال تم وقف الحرب من دون أي نتيجة سياسية.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.