هل يستطيع هرتسي هليفي تحديث استراتيجية جيش الاحتلال؟

هرتسي هليفي، في ظل حكومة نتنياهو المتطرفة، سيجد أن قدرة "جيشه" على خلق حالة ردع كبيرة في المنطقة أمر غير ممكن. وعلى عكس الاستراتيجية السابقة، سيجد أنه لن يستطيع تقليص التهديدات وتأجيل المواجهات.

  • هل يستطيع هرتسي هليفي تحديث استراتيجية جيش الاحتلال؟
    هل يستطيع هرتسي هليفي تحديث استراتيجية جيش الاحتلال؟

مع إقرار تسلّم هرتسي هليفي رئاسة هيئة الأركان في "جيش" الاحتلال، مطلع العام المقبل، 2023، خلفاً لأفيف كوخافي، الذي قاد "الجيش" 5 أعوام، لا تزال استراتيجية "الجيش" وتحديثاتها، كي تتواءم مع التحديات والمخاطر المتنامية والتي تواجه "دولة" الاحتلال، في رأس أولويات قائد "الجيش" الجديد، وسط معطيات داخلية، في ظل حكومة نتنياهو المتطرفة، تشير إلى أن "الجيش" سيكون في خضمّ عاصفة من الأحداث والمعارك.

وكان كوخافي شارك في تحديث استراتيجية "الجيش" بعد أن تسلّمها من سابقه، غادي آيزنكوت، والتي تضمّنت ما يوصف بـ"الأهداف القومية، ومبادئ نظرية الأمن، وتوصيف بيئة العمل الخاصة بالجيش، ونهجَيْ الرد الرئيسَيْن والخاصَّيْن به. كما تضمّنت طبيعة استخدام القوة، ومفهوم القيادة والسيطرة، وتنظيم "الجيش" الإسرائيلي للمعركة، من خلال تحديد مهمّات القيادة العامة ومهمّات القيادات الرئيسة، ومبادئ بناء القوة، بحسب مجالات بناء القوة، وتحديد القدرات المطلوبة".

الأمر ذاته مطلوب حالياً من هليفي، الذي لا يزال في حاجة إلى تطوير استراتيجية أمنية دفاعية جديدة لـ"الجيش"، في ظل تطورات وتحديات سياسية تدفع "الجيش" إلى أتون عدة معارك في الداخل والخارج، في ظل تعهدات من المستوى السياسي بشأن تطبيق سياسات جديدة، يعدّها أعداء "دولة" الاحتلال تجاوزاً للخطوط الحمر، وخصوصاً في القدس والضفة وإيران.

سيجد هليفي، في ظل الحكومة المتطرفة، أن قدرة "جيشه" على خلق حالة ردع كبيرة في المنطقة أمر غير ممكن. وعلى عكس الاستراتيجية السابقة لـ"الجيش"، سيجد أنه لن يستطيع تقليص التهديدات وتأجيل المواجهات، نظراً إلى أن الموقف السياسي للحكومة يدفع إلى حالة من الاشتباك في مختلف الجبهات.

وفي ظل التقديرات، التي تشير إلى أن الأمور ستكون ساخنة أمام "الجيش"، ستجد هيئة الأركان الجديدة أنها تُراكم الفشل في القدرات الهجومية، إذ إن "الجيش" لن يستطيع فرض نقل المعركة إلى مناطق الطرف الآخر، والتطورات الجديدة تشير إلى أن حدود فلسطين التاريخية ستكون عنواناً للمعارك البرية والجوية والبحرية والمعلوماتية.

من المتوقع أن يحاول هليفي الاستمرار في استراتيجية "الجيش"، التي تهدف إلى التأثير في موازين القوى في المنطقة، والعمل على تحقيق الواقع الأمني المطلوب، عبر تكتيكات المعركة بين الحروب، وخصوصاً في سوريا، إلّا أنه لن يستطيع تطبيقها في مناطق، مثل غزة ولبنان، إذ إن هاتين الجبهتين لا تقبلان الخطأ.

سيجد هليفي، في ظل التطورات الجديدة والمخاطر المُحْدِقة، نتيجة سياسات الحكومة المتطرفة، أنه، من أجل تحقيق "الحسم والردع"، يحتاج إلى تطوير استراتيجية "الجيش"، التي كانت تشمل حالات ثلاثاً، هي: الأحوال العادية، وحالة الطوارئ، وحالة الحرب. فالتطورات قد تفرض، خلال المستقبل القريب، تغيير نِسَب التعامل مع حالات عمل الجيش. فالحالة العادية، التي كانت تسود سابقاً، قد تكون الأقل استخداماً، وهذا يفرض على الجيش الاستعداد لحالتي الطوارئ والحرب.

وسيجد هليفي، خلال الفترة المقبلة أيضاً، أنه لا يستطيع تطبيق النهج الذي تضمّنته استراتيجية "الجيش" لعام 2015، والاستراتيجية المحدَّثة عام 2019، إذ سيصطدم بالعجز عن تطبيق "نهج الحسم"، الذي يدفع أعداء "دولة" الاحتلال إلى عدم الرغبة في خوض العمل ضد الكيان. فالفشل السابق، خلال الأعوام الماضية، كشف أن الجيش لم يستطع ضرب قدرة أعدائه في المنطقة على بناء قواتهم العسكرية، ولم يدفع قوى المقاومة إلى التراجع عن مخططاتها. أمّا فيما يتعلق بمستوى نهج الردع، فسيجد هليفي أن هناك تراجعاً كبيراً في قدرة جيشه على ردع أعدائه، وخصوصاً الفلسطينيين.

سيجد رئيس هيئة الأركان الجديد في "دولة" الاحتلال أن لديه عدداً من المهمّات المطلوب منه العمل على حلها، على الرغم من صعوبتها. وهي تتمثّل بالتالي:

مواجهة المقاومة في الضفة: هذه الجبهة قد تتفجر خلال الفترة المقبلة، في ظل تنامي المقاومة الفلسطينية هناك، وتجاوزها سياسة "الجيش" السابقة، والتي يُطلَق عليها "جزّ العشب"، مع التأهب لسيناريوهات موجات كبيرة من العمليات الفدائية.

التأهب الدائم: يتطلّب من هليفي أن يضع سياسات تعمل على أن يكون "الجيش" دائماً في حالة تأهب واستعداد، وأن يتم اتخاذ القرارات بسرعة من أجل الانتصار في معركة، أو في حرب محدودة قد تنشب فجأة. وهذا الأمر يتعلق بدرجة كبيرة بجبهة غزة، وبدرجة أقل بجبهة لبنان.

المعارك بين الحروب: سيجد هليفي أن عليه بذل جهود كبيرة بعد الفشل خلال الأعوام الماضية في منع تعاظم قوة حركة "حماس" و"حزب الله" اللبناني، ومنع امتلاكهما أسلحةً نوعية تقلّل تفوق "الجيش" الإسرائيلي، استراتيجياً وتكنولوجياً.

علاوة على ذلك، فإن هليفي، قبل تطبيق استراتيجية "الجيش" أو تحديثها، سيجد أنه أمام عدد من التحديات، أبرزها مشكلة تراجع الدافعية إلى القتال لدى "جيشه"، وعدم تحمل المجتمع الصهيوني للخسائر، وتراجع مكانة ذراع البر وخبرات جنوده، وهجرة الخبرات والكفاءات، ومشكلة الاحتياط والقدرة على العمل بصورة متكاملة بين أذرع الجيش. ومن ناحية أخرى، تنتظره تحديات تنامي المقاومة في مختلف الجبهات، وتراكُم خبراتها، وانكسار هيبة "جيش" الاحتلال وصورة جنوده لدى المقاومين. 

أمام هذه التحديات والإشكاليات، سيجد رئيس هيئة الأركان الجديد أنه مقيَّد بصورة كبيرة، ولن يجد الفرصة التي تمكّنه من تغيير الواقع وبناء استراتيجية مغايرة عن سابقَيه اللَّذين ظهر فشلهما عملياً. فهو لا يمتلك أداة سحرية تمكّنه من تغيير واقع "جيشه"، أو واقع المقاومة في المنطقة، ناهيك بأنه سيجد نفسه في حالة صراع مع المستوى السياسي، الذي يحمل أفكاراً ستدفع "الجيش" إلى حالة الطوارئ والحرب، على نحو متكرر، خلال الفترة المقبلة.