هل بدأ تصعيد الحرب التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة؟
لطالما اشتهرت شركة "مايكرون" في الصناعة بـ "وسائل المنافسة الشديدة"، وقد تمّ الكشف عن أنها أدّت دوراً خبيثاً قوياً في حملة الولايات المتحدة ضد التكنولوجيا الصينية.
في الآونة الأخيرة، أثار القرار الصيني الذي يفيد بأن منتجات شركة "مايكرون تكنولوجي" المباعة في الصين، والتي فشلت في اجتياز مراجعة الأمن السيبراني الصيني، أثار انتباه المجتمع الدولي.
القرار أصدره الموقع الرسمي لمكتب مراجعة الأمن السيبراني الصيني في 21 أيار/مايو الجاري، وحذر فيه مشغّلي البنية التحتية للمعلومات الحيوية من شراء منتجات "مايكرون". ويعتبر الكثيرون هذا الحادث من الإجراءات المضادة التي تتخذها الصين ضد الاستفزازات الأميركية طويلة المدى في مجال الرقائق الإلكترونية.
في الواقع، جاء هذه القرار بعد تحقيق استمرّ 7 أسابيع مع شركة "مايكرون" من قبل الإدارة العامة للجمارك الصينية ومكتب مراجعة الأمن السيبراني الصيني وفقاً للقانون.
في31 من شهر آذار/مارس من العام الجاري، أصدر مكتب مراجعة الأمن السيبراني التابع لإدارة الفضاء الإلكتروني الصينية قراراً ينص على أنه من أجل ضمان أمن سلسلة التوريد المرتبطة بالبنية التحتية للمعلومات الحيوية ومنع المخاطر الأمنية السيبرانية الناجمة عن مشاكل المنتجات والحفاظ على الأمن القومي، ستنفّذ مراجعة الأمن السيبراني لمنتجات شركة "مايكرون" المباعة في الصين.
جاء ذلك بناء على أن منتجات شركة "مايكرون" تسبّبت في مخاطر أمنية كبيرة لسلسلة التوريد المرتبطة بالبنية التحتية للمعلومات الحيوية في الصين وتؤثر على الأمن القومي للصين. وبناء عليه تم اتخاذ الإجراءات المذكورة أعلاه.
لطالما اشتهرت شركة "مايكرون" في الصناعة بـ "وسائل المنافسة الشديدة"، وقد تمّ الكشف عن أنها أدّت دوراً خبيثاً قوياً في حملة الولايات المتحدة ضد التكنولوجيا الصينية. منذ عام 2018، زادت شركة "مايكرون" من جهود الضغط عاماً بعد عام، حيث أنفقت 9.54 مليون دولار أميركي للضغط على المسؤولين الحكوميين خلال خمس سنوات، وكان أحد أهدافها الأساسية ضرب صناعة الرقائق وتخزين البيانات في الصين.
يعتبر البر الرئيسي للصين ثالث أكبر سوق لشركة "مايكرون". في عام 2022، وصلت مبيعات شركة "مايكرون" في الصين إلى 3.3 مليارات دولار أميركي، وهو ما يمثل نحو 11% من مبيعاتها العالمية. بعد أن حذرت بكين من شراء منتجاتها في الصين، شهدت أسهم "مايكرون تكنولوجي" انخفاضاً بنسبة 2.85% في سوق الأسهم الأميركية.
من أجل الحفاظ على مكانتها الرائدة في صناعة أشباه الموصلات ومنذ أن أعلنت آلية لتنفيذ "قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم" الأميركي لعام 2022، قامت الولايات المتحدة باستمرار بتصعيد حظر الرقائق على الصين، واستخدمت نقطة الاختناق للتكنولوجيا في صناعة أشباه الموصلات التي تحتكرها الشركات الأميركية لفرض قيود تكنولوجية على الشركات الصينية وزيادة الحصار المفروض على الصين من حيث التقنيات الرئيسية والكيانات المحددة والموظفين التقنيين.
وفي الوقت نفسه، تستمر في دفع حلفائها للانضمام إلى صفوف الحصار التكنولوجي ضد الصين، والاتحاد مع هولندا واليابان وكوريا الجنوبية لاحتواء التنمية لصناعة أشباه المواصلات في الصين، وتشديد شبكة تطويق التكنولوجيا ضدها، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة الصين في تطوير الرقائق وإنتاجها وتأخير تطوير صناعة أشباه الموصلات.
في شهر آذار/مارس من العام الماضي، أطلقت الولايات المتحدة تحالف "الرقائق الرباعي" لتنسيق سياسة سلسلة التوريد لأشباه الموصلات التي تهدف إلى إلحاق الضرر بالبر الرئيسي للصين من خلال حرمان البلاد من الوصول إلى التقنيات والمعدات المتقدمة.
باعتبارها حلقة وصل لا غنى عنها في سلسلة صناعة أشباه الموصلات العالمية، فقد أدّت الصين دوراً فريداً في الحفاظ على استقرار سلسلة الصناعة وأمنها.
إن الصين أكبر سوق لأشباه الموصلات في العالم، حيث تستوعب أكثر من 40% من إنتاج الرقائق في العالم. وهي أيضاً أكبر مستورد للرقائق في العالم، ووصلت وارداتها من الرقائق إلى 1.3 تريليون دولار أميركي في عام 2022. لذلك، بالنسبة لأي شركة لأشباه الموصلات في العالم، فإن التخلي عن السوق الصينية صعب التحمّل.
ومع ذلك، من أجل الحفاظ على هيمنتها ومصالحها الخاصة، أجبرت الولايات المتحدة حلفاءها على تعطيل سلاسل الصناعة والإمداد لاحتواء الصين، الأمر الذي انتهك بشكل خطير مبادئ اقتصاد السوق والقواعد الاقتصادية والتجارية الدولية وعطّل استقرار سلاسل الإنتاج والتوريد العالمية، وأضرّ بمصالح المؤسسات من جميع أنحاء العالم بما في ذلك المؤسسات الصينية.
من أجل التعامل مع الحصار الذي تقوده الولايات المتحدة، زادت الصين الاستثمار في تطوير التكنولوجيا العالية في السنوات الماضية، واعتمدت أكثر على الابتكار الذاتي وطوّرت سوقها الخاصة وبذلت قصارى جهدها لملء الحلقات المفقودة في المجال الصناعي.
أطلقت الصين خطة التطوير لصناعة أشباه الموصلات منذ عام 2014، وتسعى جاهدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه الصناعة بحلول عام 2030.
خلال هذه الفترة، تواصل حكومة الصين زيادة دعمها السياسي للصناعة، وتشمل سياسات الدعم الإعانات المالية والإعفاءات الضريبية ونقل التكنولوجيا وغيرها من السياسات، حيث تحقّق التنمية الاستراتيجية وطويلة الأجل لبناء سلسلة صناعية كاملة مكوّنة من الرقائق والمعدات والمواد والبرامج الأساسية لصناعة أشباه الموصلات في الصين.
حتى عام 2019، كان معدل الاكتفاء الذاتي للرقائق في الصين 30% فقط، وكشفت البيانات الصادرة عن مجلس الدولة الصيني أنه يجب الوصول إلى 70% بحلول عام 2025، وذلك لتسريع كسر احتكار التكنولوجيا الأجنبية.
في الوقت نفسه، بدأت الصين في تقوية بنائها في مجالات رئيسية، وصرّح مجلس الدولة رسمياً أنه سيعيد تنظيم وزارة العلوم والتكنولوجيا وسيقودها مباشرة لتحسين النظام وإدارة السلسلة بأكملها للابتكار التكنولوجي وما إلى ذلك، كي تتعامل مع الحصار الشامل من قبل الولايات المتحدة. كما قال بيل غايتس إن نهج الولايات المتحدة سيجبر الصين على إنفاق الوقت والمال لتصنيع رقائقها الخاصة ولن يتمكّن من منع الصين من امتلاك رقائقها القوية.
أدرجت العديد من وسائل الإعلام حادث "مايكرون" في فئة الحرب التكنولوجية الصينية الأميركية، قائلة إنها قد تؤدي إلى تصعيد لحرب التكنولوجيا. على السطح، يبدو أن هذا هو الحال، ففي الماضي غالباً ما كانت تفرض الولايات المتحدة عقوبات على الشركات الصينية في مجال أشباه الموصلات، وكان على الصين أن تتحمّل عقوباتها بسبب اعتمادها التكنولوجي على الولايات المتحدة؛ والآن أطلقت الصين "النار" على شركة "مايكرون"، مبيّنة "قدرتها على الرد".
لكن تجدر الإشارة إلى أن ما يسمى بـ "الأمن القومي" للولايات المتحدة هو قمع أحادي الجانب للتكنولوجيا الصينية، فقد أدرَجت أكثر من 1200 شركة صينية وأفراداً صينيين في قوائم مختلفة وفرضت عقوبات مختلفة من دون أي أساس واقعي. على العكس، فإن المراجعة الأمنية من قبل الصين لشركة "مايكرون" تهدف إلى حماية مصالحها الأمنية الخاصة. والاثنان مختلفان تماماً في طبيعتهما.
لا تستهدف مراجعة الأمن السيبراني في الصين دولاً أو مناطق معينة، ولا تستبعد الصين التقنيات والمنتجات من أي دولة. وأشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ إلى أن الصين تكون ملتزمة دائماً بتعزيز الانفتاح رفيع المستوى على العالم وترحّب بالمنتجات والخدمات التي تقدّمها المؤسسات من جميع البلدان طالما أنها تلتزم بالقوانين واللوائح الصينية. إن الصين مستعدة لتقاسم أرباح سوقها الضخمة مع الشركات من مختلف البلدان.