نتنياهو –بايدن من سيقضي على مستقبل الآخر؟

الإدارة الأميركية حالياً تزيد مؤشرات رغبتها على إطفاء نار الحرب في المنطقة وإبقائها محصورة في قطاع غزة فقط، وهذا سيجعل نتنياهو ومصيره ومستقبله السياسي خاضعاً للمساءلة.

  • يصف كثيرون نتنياهو بالمراوغ الكبير الذي لا يوفّر أيّ فرصة للنجاة بنفسه.
    يصف كثيرون نتنياهو بالمراوغ الكبير الذي لا يوفّر أيّ فرصة للنجاة بنفسه.

رغم الحديث عن إمكانية العودة إلى هدنة جديدة وإبرام صفقة تبادل للأسرى، تواصل "إسرائيل" حرباً وحشية في قطاع غزة، حرباً لم يحسم فيها "جيش" الاحتلال الإسرائيلي هدفاً رئيسياً واحداً من أهدافه المعلنة، وسط انقسامات إسرائيلية داخلية متزايدة وتباينات خارجية واضحة، أمام حال العجز في حسم المعركة لصالحه مقابل تمسّك حركة حماس بشروطها ورفضها تسليم الأسرى من دون دفع الثمن المطلوب، ما يؤشّر على أنّ المعركة أمام نتنياهو و"جيشه" ما زالت متعثّرة بعد أكثر من 116 يوماً.

إلى الآن، وفي قراءة المشهد، هذه الحرب من الواضح أنها ستكون حرباً ممتدة، أمام استسلام الإدارة الأميركية الحالية لرغبات نتنياهو وتياره اليميني المتشدّد وأطماعه في إطالة أمدها، إذ إن السقف الأميركي المطروح على الطاولة إلى الآن لا يزال يمنح مسار الهدن الممتدة، من دون أيّ حديث جدّي عن وقف كامل لإطلاق النار.

يصف كثيرون بنيامين نتنياهو بالثعلب الماكر والمراوغ الكبير الذي لا يوفّر أيّ فرصة للنجاة بنفسه، وهذا حقيقي وواقعي، في وقت بات يعمل لإطالة أمد الحرب ويدرك أن مستقبله السياسي أصبح في خبر كان بعد عملية طوفان الأقصى، وأن سعيه لإطالة أمد هذه الحرب يندرج ضمن محاولاته النجاة من المحاسبة السياسية والقضائية التي تنتظره ما بعد وقف إطلاق النار. 

إعلان الحرب على قطاع غزة وما رافقها من غطاء ودعم أميركي أكد منذ اللحظة الأولى أن مستقبل نتنياهو السياسي أصبح يرتبط بمستقبل بايدن السياسي، إذ إن توقّف الحرب من دون تحقيق الأهداف السياسية والعسكرية التي أعلنتها "إسرائيل" يعني القضاء على ما تبقّى من مستقبل نتنياهو في ظلّ تراجع شعبية حزب الليكود بشكل كبير، من جانب آخر فإنّ استمرار الحرب والرغبة الإسرائيلية الكبيرة في جرّ المنطقة إلى حرب إقليمية كبرى، وعدم التماشي مع  الحسابات والرؤى والتوجّهات الأميركية، يعني القضاء على ما تبقّى من فرص إعادة انتخاب الرئيس بايدن لولاية ثانية، ويبقى السؤال هنا، من سينجح في القضاء على مستقبل الثاني؟

صوّب بنيامين نتنياهو أهدافه من إعلان الحرب على قطاع غزة في القضاء على حركة حماس وعودة المختطفين أحياء، وجعل قطاع غزة لا يمثّل أي تهديد على "إسرائيل"، وإلى الآن لم يتحقّق أيّ منها بل تُفاجئ حماس "إسرائيل" كلّ يوم بمشهد يعكس قوتها واستمرارية قدرتها على المواصلة والتأثير في المشهد، سواء في إطار الحرب النفسية التي تشنها باحترافية، أو العسكرية في قدرتها على ضرب "تل أبيب" الكبرى بعد أكثر من 116 يوماً من الحرب الدائرة، وخوضها المواجهة البرية، وإيقاع الخسائر الفادحة في دبابات و"جيش" الاحتلال الإسرائيلي.

قطاع غزة ما بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر لن يكون كما قبله، قضية الأسرى بيد حركة حماس باتت ورقة قوية، عاجزة "إسرائيل" عن انتزاعها بالقوة العسكرية ولن تفلح في ذلك، وقد نجحت حماس في فترة سابقة من الحرب بعقد صفقات جزئية وفرض شروطها بالإفراج عن الأسيرات وإدخال المساعدات، وهذا ما يطرح سؤالاً مهماً، لماذا يتفاوض نتنياهو مع استمرار وتيرة الحرب؟

بما أنّ ورقة الأسرى تعدّ من الأوراق القوية بيد حركة حماس لغرض تبريد نار الحرب، وفرض الشروط، وقد خضعت "إسرائيل" في المرة الأولى بإبرام صفقة تبادل، لا مفرّ أمامها ستخضع تحت الضغط الداخلي والحراك الدولي الجاري مرة أخرى وهي مسألة وقت فقط. وهذا يعود لأسباب أهمها، أن قضية الأسرى المدنيين باتت قضية تؤرق نتنياهو، ومثّلت وما زالت تمثّل قوة ضغط كبيرة عليه، إلى جانب وجود رغبة أميركية بضرورة إنهاء قضية الأسرى لدى حركة حماس بالإفراج عنهم، وبالتالي هذه ورقة لم تفرّط بها حماس وتواصل استخدامها بحنكة واحترافية كبيرة بهدف تحقيق أهدافها كاملة، إذ تصرّ ورغم فاتورة الحرب العالية على أن تصمد في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، وهي تتمسّك بمطالبها بهدف تحقيق نصر سياسي يسجّل لها.

لتكتمل الصورة، ثمّة معطى آخر بالغ الأهمية في السياق ذاته، أمام تسارع وتيرة التصعيد ومنذ مشاركة حزب الله في تسديد ضرباته العسكرية في اليوم الثاني من عملية طوفان الأقصى على الجبهة الشمالية ضد "إسرائيل"، والتي بلغت ذروتها في الأيام القليلة الماضية، ومع تصاعد التهديدات الإسرائيلية على لسان وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، ما يشير إلى تزايد احتمالية تفجّر المواجهة بشكل أوسع كلّ لحظة، في ظلّ الإعلان الإسرائيلي الواضح عن نيّته توسيع الحرب إذا لم تتدخّل الجهات الدولية وتوقف ضربات حزب الله.

الأحداث مع لهجة التصريحات على الجبهة الشمالية تشير بشكل كبير إلى احتمالية توسّع دائرة الحرب، وهذا يعدّ قراراً ورغبة إسرائيلية وتوجّهاً حقيقياً بعد تأكّل الردع هناك بشكل كبير، وهذا ما يطرح تساؤلاً مهماً، هل الإدارة الأميركية توافق على القرار الإسرائيلي نحو توسيع الحرب في المنطقة؟ في وقت بدأ العد التنازلي للانتخابات الأميركية يقترب، وفي ظل سخونة جبهة اليمن في البحر الأحمر واستمرار استهداف السفن الإسرائيلية أو المتوجّهة إلى "إسرائيل".

"إسرائيل" وفق رؤيتها العسكرية بعد تأكّل قوة الردع وإصرار حزب الله على مساندة الشعب الفلسطيني والمشاركة في طوفان الأقصى، باتت معنية بتوسيع نطاق الحرب على الجبهة الشمالية بالوتيرة نفسها كما في قطاع غزة وتعتبرها فرصة لا تعوّض، إذ تحاول استعادة صورة الردع التي انهارت يوم السابع من أكتوبر على الجبهة الجنوبية. 

وفق الحسابات السياسية ورغم توفّر الغطاء والدعم الأميركي لكلّ ما جرى ويجري حالياً، فإن قرار توسيع دائرة المواجهة والصراع على الجبهة الشمالية تحديداً يبقى قراراً أميركياً بالدرجة الأولى، لن تقبل إدارة بايدن بجرّ المنطقة إلى حرب كبيرة، فهناك مؤشر كبير على عدم وجود رغبة أميركية بتوسيع دائرة الحرب، وتزايدت بعد مقتل الجنود الأميركيين الثلاثة، في ظل تكثيف الحراك السياسي الذي قام به آموس هوكستين في لبنان مؤخّراً لإطفاء نار المواجهة وضمان عدم انزلاق الأحداث أكثر، وخلال الفترة المقبلة ستزيد أميركا من حجم الجهود والحراك بما يضمن إطفاء نار حرب الشمال وكبح جماح حسابات نتنياهو وغالانت اللذين يدفعان المنطقة إلى حرب كبيرة غير محسوبة العواقب. 

فالإدارة الأميركية حالياً تزيد مؤشرات رغبتها على إطفاء نار الحرب في المنطقة وإبقائها محصورة في قطاع غزة فقط، وهذا سيجعل نتنياهو ومصيره ومستقبله السياسي خاضعاً للمساءلة في اللحظة التي تنطفئ فيها نار الحرب.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.