مشفى الشفاء... الهدف الوهميّ البديل لـ "جيش" الاحتلال
وصول "الجيش" الإسرائيلي إلى الشريط الغربي لمدينة غزة، وسيطرته على مشفى الشفاء، تعني بداية المعركة وليس نهايتها، فالميدان يشير إلى أن حالة الاستنزاف لـ "الجيش" الإسرائيلي تتصاعد.
تتواصل معركة طوفان الأقصى للأسبوع الخامس على التوالي، وسط توغّل إسرائيلي في الشريط الغربي لمدينة غزة وحصار للمستشفيات، ومحاولة إسرائيلية للحصول على صورة انتصار بالسيطرة على مستشفى الشفاء، وهي المنطقة التي يحاول "الجيش" الإسرائيلي تحقيق السيطرة فيها لإعلان انتصاره أمام المجتمع الإسرائيلي.
منذ بداية المعركة تركّز التحريض الإسرائيلي على مستشفى الشفاء عبر تصويره بأنه مركز القيادة للمقاومة في قطاع غزة، وقد تكرّر التحريض عليه في كل تصريح ومؤتمر صحافي لـ "الجيش" و"كابينت الحرب" بأنه في حال تمت السيطرة عليه فإن ذلك سيعني تحقيق حالة الانتصار.
الواضح في ظل عجز "الجيش" الإسرائيلي عن تحقيق أهدافه باستعادة الجنود أو القضاء على المقاومة، جعل هدف الوصول لمشفى الشفاء البديل الذي يمكن تسويقه للحصول على صورة النصر أمام المجتمع الإسرائيلي، وهي ورقة يريد أيضاً من خلالها تحسين موقفه التفاوضي لإنهاء ملف الجنود الأسرى ووقف إطلاق النار.
حتى الوقت الحالي وصل "الجيش" الإسرائيلي إلى مشارف مستشفى الشفاء وهو يحاصره من عدة مناطق، وبات المشفى خارجاً عن الخدمة بشكل كامل، وسط مجزرة بعد قطع الكهرباء والماء والأوكسجين والخدمات الطبية داخله عن المرضى، لكنه في جميع المناطق التي توغّل منها غرب مدينة غزة ما زال يتلقّى الضربات الموجعة من قبل المقاومة.
"جيش" الاحتلال توغّل في الشريط الغربي من مدينة غزة عبر الشوارع الرئيسية، ولم يدخل المناطق ذات الكثافة السكانية فيه، ضمن مناورته للوصول إلى المشفى، لكنه يواجه صعوبة ومقاومة متواصلة ليلاً ونهاراً ما يجعل من إمكانية نزول جنوده من الدبابات أمراً معقّداً، وعليه فإن الوصول لحالة الاستقرار أو التمركز العسكري ما زالت بعيدة المنال حالياً، ناهيك عن تصاعد عمليات المقاومة ضده على طول شريط التوغّل، إضافة إلى المناطق التي توغّل فيها منذ اليوم الأول للحرب.
تواصل العمليات في المناطق التي توغّل فيها "الجيش" الإسرائيلي منذ بداية الحرب البرية قبل أسبوعين، يؤكد أن لا سيطرة لـ "الجيش" الإسرائيلي على الأرض على الرغم من وجود قواته ودباباته في مناطق غزة، وهذا ما كشفته فيديوهات المقاومة لعملياتها ضد قوات الاحتلال في مناطق التوام وشرق الزيتون وبيت حانون.
الذي يختلف في معركة غزة هذه المرة أنها ليست كأي معركة خاضتها الجيوش في المنطقة، فمشفى الشفاء ليس كمطار بغداد، إذ إن لدى المقاومة والفلسطينيين في القطاع قناعة بعدم الاستسلام، أو رفع الراية البيضاء، فهم جهّزوا أنفسهم لحرب مدن وعصابات طويلة الأمد تستنزف "جيش" الاحتلال.
"الجيش" الإسرائيلي يتحدث عن رغبته المكوث لفترات طويلة في قطاع غزة، والسؤال الأهم هنا، هل بقدرته فرض السيطرة على المناطق التي وصل إليها، وهل لديه القدرة على تسيير جيباته فيها، وهل يستطيع جنوده النزول من الدبابات والمدرعات، وهل يتحمّل الكلفة العالية لهذا المكوث، وهل سيحتمل المجتمع الإسرائيلي البقاء لفترة أطول في ظل التعطّل الاقتصادي والمعيشي والسياحي الذي تسبّبه الحرب، كل هذه الأسئلة إجاباتها واضحة في الميدان، بأن "الجيش" يريد فقط التقاط صورة له في مشفى الشفاء، والمكوث بالقدر الذي تسمح به المفاوضات ومن ثم الانسحاب سريعاً.
وصول "الجيش" الإسرائيلي إلى الشريط الغربي لمدينة غزة، وسيطرته على مشفى الشفاء، تعني بداية المعركة وليس نهايتها، فالميدان يشير إلى أن حالة الاستنزاف لـ "الجيش" الإسرائيلي تتصاعد، و"الجيش" الإسرائيلي يستحيل عليه الاستمرار في هذه المعركة لفترة أطول، فالخسائر تتصاعد كلّ يوم على مستوى الآليات والجنود والضباط.
وعلى الرغم من الرقابة العسكرية المشدّدة على خسائر "الجيش" الإسرائيلي إلا أنّ تلميحات المحللين الإسرائيلي تشير إلى الموقف الصعب والمعقّد الذي وقع فيه "الجيش"، إذ اعترف المحلل "ناحوم برنياع" في مقال بالملحق الأسبوعي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، بوجود خسائر كبيرة في "الجيش" الإسرائيلي، موضحاً أنّه "من المهم أن نحافظ على توقّعات واقعية، فليس من المؤكد أن "الجيش" الإسرائيلي سوف يتمكّن من الوصول إلى قيادة المقاومة، وحتى لو تم القضاء عليهم فإنها لن تختفي؛ ومن المهم أن نتذكّر أننا لسنا وحدنا. ونحن في هذه الدراما نحتاج إلى الإدارة الأميركية ويجب أن نستمع إليها".
وعن العملية البرية بقطاع غزة والحديث عن الانتصار المرتقب قال بريناع "للأسف، لا يوجد مثل هذا الانتصار في الأفق"، معتبراً أن حديث نتنياهو عن حرب طويلة الأمد (..) هو بديل تسويقي لانتصار لا وجود له"، معتبراً أنه في ظل هذا الوضع فإنه من الصحيح أن ننظر إلى كلّ شخص يتم إطلاق سراحه حياً من هناك (غزة) على أنه انتصار، وكل يوم تتقدّم فيه القوات في الميدان من دون أن تتكبّد خسائر كثيرة هو انتصار".
الثابت حالياً أن المقاومة الفلسطينية تتمتّع بثبات في الميدان، وسيطرة وتحكّم عالٍ جداً، فهي جهّزت نفسها لهذه المعركة بشكل جيد، وهي لم تعطِ "الجيش" الإسرائيلي الفرصة لتحقيق أهداف الحرب، وقد يكون الاحتلال حقّق اختراقاً للمنطقة الغربية لمدينة غزة، لكنها يواجه بتصاعد في أعمال المقاومة وخسائر كبيرة وفادحة واستنزافاً كبيراً، وهو ما يشير إلى أن انكسار المقاومة بعيد المنال وغير قابل للتحقّق.