مسيَّرات حزب الله تؤرّق "إسرائيل" وتهدّد مستقبلها
حالة القلق التي تعتري القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية، والناجمة عن تزايد استخدام حزب الله للطائرات المسيّرة، أصبحت في تزايد مضطرد، وخصوصاً أنَّ الحزب يعمل على زيادة أسطوله من الطائرات المسيّرة.
تصاعدت حالة القلق الإسرائيلية مؤخّراً من تنامي قدرات حزب الله اللبناني في مجال سلاح الطائرات المسيَّرة، واستخدامها في إطار تعزيز بنك الأهداف والمعلومات الاستخباراتية عن "إسرائيل" لأغراض عملياتية محددة.
وقالت مصادر أمنية إسرائيلية مؤخراً إنَّ طائرات حزب الله المسيّرة التي تم إسقاطها خلال العام الماضي في تزايد ملحوظ، كان آخرها قبل أيام، ما يكشف بشكل واضح تنامي إمكانيات سلاح الطائرات المسيرة الموجود بحوزته، وهو ما كشفت عنه صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في تعبيرٍ عن حالة القلق التي تعتري القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية، والناجمة عن تزايد استخدام حزب الله للطائرات المسيّرة.
وتعتبر "إسرائيل" أنَّ المشهد مع حزب الله اللبناني أصبح مثيراً للقلق، في ظلِّ ارتفاع عدد الطائرات المسيرة التي أصبحت تلاحقها على مدار الساعة، بعد التقارير التي كُشف عنها مؤخراً في دراسة خاصة صادرة عن مركز أبحاث "ألما" الإسرائيلي في كانون الأول/ديسمبر 2021، جاء فيها أنَّ الحزب يعمل على زيادة أسطوله من الطائرات المسيّرة، والتي وصل عددها حالياً إلى 2000 طائرة، بعضها تم تطويره في إيران، والآخر صنّعه بقدراته الذاتية في لبنان، بعد أن كان يملك 200 طائرة فقط في العام 2013، ما استدعى قيام "إسرائيل" بتخصيص فرق خاصة للتصدي للطائرات المسيّرة التي يطلقها الحزب عبر الحدود، واعتبار ذلك تحدياً أمنياً يُضاف إلى التحديات الأمنية القائمة على الحدود الشمالية، والتي تشكّل خطراً يهدّد مستقبلها.
ويلفت التقرير إلى أنَّ حزب الله اللبناني نجح بتطوير نماذج مختلفة من الطائرات المسيّرة، مثل "شاهد" و"صامد" و"مهاجر" (KAS-04)، فضلاً عن امتلاكه عشرات الطائرات المسيرة المدنية التي يمكن استخدامها في التصوير وحمل القنابل المتفجّرة وإلقائها.
تنظر "إسرائيل" بخطورة بالغة إلى تهديد حزب الله، سواء بامتلاكه مثل هذا النوع من سلاح الطائرات المسيرة أو امتلاكه منظومة صواريخ دقيقة تحدَّث عنها مراراً وتكراراً، انطلاقاً من أنَّ إيران التي تعدّ الداعم الرئيس له أصبحت تشهد تفوقاً تكنولوجياً وعسكرياً في مجال الطائرات المسيرة، سواء الاستطلاعية منها أو العسكرية الهجومية، ناهيك بالمنظومة الصاروخية المتطورة التي تمتلكها، بعدما كانت مثل هذه المسيَّرات حكراً على أميركا و"إسرائيل"، اللتين قامتا باستخدامها لتنفيذ الاغتيالات ورصد المعلومات الاستخباراتية.
ما زالت "إسرائيل" تعيش هاجس حزب الله منذ هزيمتها في حرب تموز 2006 ونجاحه في تثبيت قواعد اشتباك وردع على الجبهة الشماليّة. ويعدّ خوفها نابعاً من تنامي قدرته السريعة على امتلاك مثل هذه الطائرات المسيّرة، ونجاحه في فرض معادلات جديدة تضاف إلى المعادلات القائمة حالياً، ما يفقدها خاصية أن تكون متفوقة أمنياً أو عسكرياً في هذا المجال.
كلّ هذه الهواجس لم تغب، وما زالت حاضرة في عقول قادة الاحتلال وأذهانهم. وما يعزّزها هو تقرير "فينوغراد" الذي قدَّم اعترافاً رسمياً بهزيمة "إسرائيل" في حرب تموز 2006، وأقرّ بقوّة حزب الله أمنياً وعسكرياً فيها، وقال إنّ "إسرائيل" هُزمت وستُهزم في أيِّ مواجهات عسكرية قادمة، لأنها وجدت تصميماً كبيراً منه على المقاومة والدفاع عن أرض لبنان.
حالة القلق القائمة نابعة من نجاح حزب الله بتغيير موازين القوة وتنفيذ هجمات تستهدف مواقع إسرائيلية استراتيجية خلال أي مواجهة محتملة معه. هذا هو أكثر ما يؤرق "إسرائيل" الآن، حين تُواجَه بالوسائل التكنولوجية والعسكرية نفسها التي تستخدمها، وهو ما يهيئ لواقع أمني وعسكري عنوانه أن التفوق التكنولوجي لم يعد إسرائيلياً أميركياً خالصاً، بل إنَّ حزب الله، كمقاومة إسلامية لبنانية، استطاع أن يضاهي هذا التفوق الإسرائيلي بالسلاح والتقنيات العسكرية والحربية نفسها.
تقوم استراتيجية حزب الله منذ تأسيسه في العام 1984 على تحرير لبنان وحماية حدوده. وقد نجح في تحقيق انتصارات عسكرية على "إسرائيل"، تمثّلت بدحرها من الجنوب اللبناني في العام 2000م.
ويقوم عمله المقاوم منذ حرب تموز 2006 على الحدود، على أساس منع التغوّل الإسرائيلي مجدداً على لبنان والحفاظ على أمنه وأراضيه، وهو حقّ طبيعيّ له، فـ"إسرائيل" لا يؤتمن جانبها، وأطماعها تزداد، وعبثها لم يتوقَّف لحظة واحدة في المنطقة، كما أن سعيه لامتلاك أنواع متطوّرة من سلاح الطائرات المسيّرة وغيرها من الأسلحة والصّواريخ هو حقّ طبيعيّ له أمام استمرارها بتطوير سلاحها وترسانتها تكنولوجياً وعسكرياً.
لا شكَّ في أنَّ سلاح الطائرات المسيّرة أصبح عنصراً فاعلاً في هذه المرحلة، وسيصبح أكثر فاعلية في أيِّ مواجهة عسكرية قادمة، وسيكون من أهم الأسلحة في الحرب القادمة التي قد تندلِع بين حزب الله و"إسرائيل".
وبامتلاك الحزب مثل هذه الأنواع من الطائرات، فإنه يكون قادراً على فرض قوة الردع والحسم الميداني الذي يريده، بحسب الظروف والتطورات الأمنية والميدانية في الجبهة الشمالية، وهو ما قد يزيد مؤشر التحدي الأمني والعسكري القائم، ويجعل "إسرائيل" لا تدّخر جهداً في محاولة تعطيل تطور برنامج الطائرات المسيرة لديه، سواء عبر استمرار إسقاطها من الأجزاء أو عبر سيناريو الإقدام على تنفيذ اغتيالات بحق قيادات عسكرية أو علماء أصحاب عقول وذوي خبرة وكفاءة وباع في مجال تطوير هذا السلاح، عبر أيدي "الموساد" الخفية للحد من تأثيره، كما حدث مع العالم التونسي محمد الزواري، الذي عمل على تطوير سلاح الطائرات المسيرة لدى حركة "حماس"، والذي اغتيل على أيدي "الموساد" الإسرائيلي في تونس.
ربما يتعزّز هذا السيناريو أكثر بعد فشل "إسرائيل" الأول في ممارسة الضغط الدولي على إيران عبر أميركا وحلفائها، لوقف نقل الخبرات العسكريّة في مجال الطائرات المسيّرة وغيرها من الأسلحة الاستراتيجيّة إلى حزب الله، وفشلها الثاني في محاولة التحريض على الرّبط بين الملفات وإدراج برنامج الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية والدقيقة ضمن أي مفاوضات، كثمن للاتفاق النووي الإيراني مع أميركا والغرب.
سلاح الطائرات المسيّرة بأنواعه يعدّ الآن قوّة فتاكة لا يُستهان بها في يد حزب الله، و"إسرائيل" التي عملت على امتلاك مثل هذا النوع من السلاح، وتفاخرت به يوماً ما، وعملت على تطويره، أصبحت الآن تخشاه، وهذا بحد ذاته إقرار منها بالفشل والهزيمة قبل وقوعها.