ما بعد انتصار روسيا!
ذا كان زيلينسكي مسكوناً بالتصريحات الإعلامية المتكررة والمتراكمة، لناحية استمرار الحرب ودعم الغرب، وإيهام العالم بأن ثمة تقدماً للأوكرانيين، فإن روسيا على النقيض تماماً.
تتضارب الأخبار الآتية من جبهة كورسك الروسية بين تلك التي تؤكد خسائر القوات الأوكرانية وأخرى تتحدث عن تقدم الأخيرة على هذه الجبهة. ولكنّ بعض التصريحات ربما تعطي الانطباع الأسلم عما يدور في الميدان.
يصر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على صمود الجنود الأوكرانيين على جبهة كورسك، بداعي أهمية الحفاظ على منطقةٍ عازلةٍ داخل أراضي "المعتدي" بحسب قوله، "إذ إن الحرب لا بد أن تعود إلى المنطقة التي بدأت منها"، تأتي هذه التصريحات في الوقت الذي يتحدث فيه الروس عن خسائر بالمئات في صفوف الجنود الأوكرانيين، إضافة إلى حالات فرار من أرض المعركة.
ولأن الرئيس زيلينسكي يبحث دائماً عمّا هو جديد؛ علّ حلفاءه ينخرطون أكثر فأكثر في الميدان، فقد أكد خلال الأيام الماضية أن بلاده لديها معلومات عن إرسال كوريا الشمالية 12 ألف جندي للمشاركة في الحرب إلى جانب القوات الروسية، داعياً حلفاءه "إلى عدم الاختباء" ( المفارقة أن كوريا الجنوبية تتحدث عن 1500 جندي فقط لا غير).
وفي حين أكدت بيونغ يانغ أن ما يُروّج له ليس إلا إشاعات، لا أكثر، فإنه ليس سراً أن كوريا الشمالية كانت قد نقلت أسلحة إلى موسكو في عام 2022، ومنها صواريخ باليستية، لكنها لم تقم باستخدامها إلا هذا العام، وقد تحتاج مساعدة من بيونغ يانغ لتشغيل أنظمتها المعقدة، علماً بأن تلك الأسلحة ليست بالعدد الذي ذكره الرئيس الأوكراني. نظرياً، ليس مستغرباً، أن يحدث نوع من التعاون بين كوريا الشمالية وروسيا، فكل من البلدين بنى برنامجه العسكري استناداً إلى متطلباته الدفاعية، ففي الوقت الذي كانت كوريا الشمالية تحتاج كمّاً كبيراً من الصواريخ قصيرة المدى، ركّزت روسيا على تلك البعيدة المدى منعاً لتوسع "الناتو"، واليوم وفي إطار الحرب التي تخوضها روسيا، والتي يتركز شق كبير منها في حيّز جغرافي ضيق، فهي تحتاج إنتاجاً أوسع من الصواريخ قصيرة المدى، وكوريا الشمالية حليف وثيق في هذا الاتجاه.
وبالعودة إلى المزاعم الأوكرانية حول إرسال بيونغ يانغ جنوداً إلى روسيا–إذ إن أحداً لم يؤكدها بعد – من المهم الإشارة إلى أنها ترافقت مع مطالب زيلينسكي القديمة الجديدة، وهذه المرة تحت عنوان "خطة النصر"، ومنها الطلب مجدداً انضمام بلاده إلى حلف "الناتو"، وإلغاء القيود على استخدام كييف للأسلحة الغربية لضرب العمق الروسي، وأخرى تتعلق بمساعدات مالية واقتصادية ولوجستية.
الخطة وزّعت على الدول الحليفة لأوكرانيا، وصداها تردد على أوراق الصحف لا على ألسنة المسؤولين المعنيين، صحيفة "واشنطن بوست" على سبيل المثال أبرزت قلق المسؤولين الأميركيين من افتقاد الخطة لرؤية واستراتيجية واضحة للانتصار على روسيا.
وبعد أيام فقط من الكشف عنها وتوزيعها على المعنيين، التقى زيلينسكي وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، فكانت النتيجة حزمة جديدة من المساعدات العسكرية الإضافية قدرت بـ400 مليون دولار، من دون ذكر بنود الخطة، وإذا ما تمت مناقشتها أم لا.
بعض المواقف الأوروبية ذهب أبعد من ذلك، فكان لافتاً على سبيل المثال ما توقعه رئيس الأركان البولندي السابق راجموند أندريجاك بضرورة "إقامة سياسة ردع مستقبلية ضد روسيا بعد سيطرة الأخيرة على أوكرانيا".
أندريجاك قال ما لا يجرؤ المسؤولون الأوروبيون الحاليون على قوله "بعد انتصار روسيا في أوكرانيا، سيكون لدينا فرقة روسية في لفيف، وواحدة في بريست وواحدة في غرودنو". ويبلغ تخوف أندريجاك حد تهديد روسيا بأنها إذا هاجمت شبراً واحداً من الأراضي اللتوانية، فإن الرد سيكون على الفور ليس في اليوم الأول وإنما في الدقيقة الأولى، على أن يطال الرد سانت بطرسبرغ مباشرة. (ميليتاري واتش ماغازين 13-10-2024)
لا يخفى على أحد أن جزءاً من مصير الحرب الأطلسية- الروسية رهن هوية الرئيس الأميركي المنتخب، فإن وصل المرشح الرئاسي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ستأخذ هذه الحرب –على الأغلب- منحى تخفيض التصعيد، فطالما أعرب عن رفضه لهذه الحرب ومسوغاتها، وطالما أعرب عن إعجابه بشخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبضرورة التفاوض للوصول إلى "صفقة عادلة وسريعة للغاية"(المناظرة الرئاسية في العاشر من شهر أيلول/سبتمبر الفائت). أما إذا وصلت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، فلا تغيير في الإدارة الغربية للحرب وسيكون الكلام الفصل للميدان وحده، مع ترجيح أن المساعدات التي تُقدم إلى كييف لن تبقى إلى الأبد، فمن شأن الحروب المشتعلة من أوروبا إلى الشرق الأوسط، وتحديداً في فلسطين ولبنان أن ترتد على مفتعليها أكانوا مباشرين أو من وراء الستار.
في الختام، إذا كان زيلينسكي مسكوناً بالتصريحات الإعلامية المتكررة والمتراكمة، لناحية استمرار الحرب ودعم الغرب، وإيهام العالم بأن ثمة تقدماً للأوكرانيين، فإن روسيا على النقيض تماماً، صمتت كثيراً منذ انطلاق "طوفان الأقصى"، فسيطرت على مساحات واسعة. فموسكو مسكونة بالميدان أكثر من الإعلام!