ما المطلوب في لبنان؟

التصعيد في لبنان هو قرار سياسي، خارجي أكثر من كونه داخلياً، وكذلك قرار المواجهة في لبنان. والشواهد التاريخية في هذا الصدد متعددة.

0:00
  • ما المطلوب في لبنان؟ وما المطلوب من لبنان؟
    ما المطلوب في لبنان؟ وما المطلوب من لبنان؟

بعد انتخاب رئيس الجمهورية جوزيف عون بتاريخ الـ9 من كانون الثاني/يناير 2025، وتسمية رئيس الحكومة نواف سلام بتاريخ الـ13 من كانون الثاني/يناير 2025، تقف الدولة على عتبة مرحلة سياسية جديدة، بحيث يجد البلد نفسه، ومعه الشعب، عند مفترق طرقات، وبالتالي أمام خيارات ومسارات متعددة، في المرحلة السياسية العتيدة. لكن، تبقى الصعوبات والتعقيدات، وربما العقبات والعراقيل، لأسباب داخلية وخارجية، في مقابل هاتين الاندفاعة والانطلاقة الجديدتين. فما المطلوب في لبنان؟ وما المطلوب من لبنان؟

الاتجاه الأول نحو الاستقرار 

هو احتمال مرجَّح، أو أكثر ترجيحاً من الاحتمالات الأخرى للتصعيد والمواجهة. ثمة إرهاصات متعددة تفيد بأن القرار بشأن تخفيض التأزيم والتصعيد في البلد هو الذي يبدو مرجَّحاً، وغالباً في هاتين المرحلتين، السياسية والزمنية، وفي المرحلة العتيدة. وقد ينتقل البلد من بوابة الاستقرار وخفض التصعيد والتوتير ومنع المواجهة - أي مواجهة عسكرية أو أمنية أو حتى سياسية - إلى حالة أفضل من الانتعاش والازدهار.

لقد شهد لبنان كثيراً من الأحداث السياسية والأمنية والعسكرية، منذ سنة 2019، ابتداءً بالحصار السياسي وغير السياسي، مروراً بشغور سدة الرئاسة، وصولاً إلى ترهل مفهوم الدولة وتحلّل مؤسساتها، وليس انتهاءً بالحرب والعدوان سنة 2024.

وهي لم تكن البتة وليدة الصدفة، كما أن تزامنها أو تسلسلها، أو لنقل تعاقبها وتواليها، لم يكونا أمراً سفسطائيّاً ولا سورياليّاً، بل إنه مسار تراكمي، مخطَّط ومدبَّر بإحكام، لأسباب باتت معروفة ومعلومة.

الاتجاه الثاني نحو التصعيد والمواجهة 

هو احتمال مستبعَد، أو غير مرجَّح على الأقل، وفي الحد الأدنى، لكنه يبقى قائماً من الناحية النظرية، ووارداً من الناحيتين العملية والعملانية، في حال تعثر وتعذّر الاتجاه الأول، المشار إليه أعلاه مباشرة، نحو الاستقرار في الدرجة الأولى وفي المرحلة الأولى، ثم الانتعاش والازدهار، في الدرجة الثانية وفي المرحلة الثانية.

فالتصعيد في لبنان هو قرار سياسي، خارجي أكثر من كونه داخلياً، وكذلك قرار المواجهة في لبنان. والشواهد التاريخية في هذا الصدد متعددة.

بيد أن عدم التصعيد وعدم التفجير لا يعنيان بالتبعية ذهاب البلد إلى واحة الاستقرار والانتعاش والازدهار، حُكماً وحتماً. فما بين الاحتمالين ثمة منطقة رمادية، مفادها ومؤداها المراوغة، المماطلة، المراوحة، تضييع الوقت وتفويت الفرص.

ويبقى فتيل التفخيخ والتفجير في أيدي القوى المناوئة للبلد، في الخارج والداخل، والتي قد تعبث بأمنه لأسباب متعددة، تحيلنا على الحسابات والتقديرات ذات الصلة بالمشهد الإقليمي وموقع لبنان ودوره في النظام الإقليمي والترتيبات الإقليمية.

المسار الأول في البناء والحماية 

يرتبط المسار الأول بالاتجاه الأول بطبيعة الحال، أو لنقل إنه ينبثق منه. هو يُفترَض أن يبدأ بتثبيت وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل"، ثم يُستأنَف بإعمار الجنوب والضاحية الجنوبية وبعلبك من جراء العدوان، كما يُستكمَل بالبناء أو إعادة البناء للدولة ومؤسساتها وقطاعاتها ومرافقها، ولجيشها واقتصادها، وأن يُفضي هذا المسار في نهاية المطاف، بعد الإعمار كما البناء، إلى تأمين الحماية للدولة والبلد والمجتمع والشعب.

المسار الثاني في الفتنة والحرب والفوضى 

يرتبط المسار الثاني بالاتجاه الثاني، بطبيعة الحال، أو لنقل أيضاً إنه ينبثق منه بطريقة أو بأخرى. فخطاب الكراهية وثقافة العداء - ثقافة صناعة العداء - والإمعان والإفراط في التحامل على المقاومة، والبيئة الاجتماعية التي تحتضنها، كما المكون السياسي الذي تنتمي إليه، كل هذه التصرفات والممارسات والسلوكات، كافةً، من شأنها تقييد الاتجاه الأول نحو الاستقرار والانتعاش والازدهار، وبالتالي وبالتبعية تقويض المسار الأول ذي الصلة بالإعمار والبناء والحماية.

وقد تودي بأمن الدولة والبلد والمجتمع والشعب، وتؤدي إلى إثارة الفتنة، طائفياً ومذهبياً، واندلاع الحرب الأهلية وإشاعة الفوضى من بوابة العنف، في حال كان هناك قرار ما، خارجي أكثر من كونه داخلياً، يقضي باستئناف الحصار والحرب والعدوان والحملة ضد المقاومة.

إدارة العلاقة بين الدولة والمقاومة 

يفرض نفسه النقاش السياسي بين اللبنانيين، على المستوى الرسمي، على المستوى الإعلامي وعلى المستوى الشعبي، بشأن المقاومة وسلاحها. ويكثر الكلام بشأنهما، وهو مرشح بعدُ لأن يتزايد ويتصاعد أكثر، وإن كان السجال أو الجدال بين اللبنانيين أقرب إلى الجدل البيزنطي على الطريقة اللبنانية.

من هنا، تفرض نفسها قضية سلاح الحزب للمقاومة ضد "إسرائيل" في جدول أعمال الحكومة مع إعادة تكوين السلطة السياسية في لبنان، الأمر الذي يحيلنا على أهمية السياسة العامة للدولة والحكومة بخصوص استراتيجية الدفاع الوطني والأمن القومي. فالإدارة السياسية للعلاقة الديالكتيكية بين الدولة والمقاومة تكتسب وتكتسي أهمية خاصة ومضاعَفة في الفترة الانتقالية الموقتة، التجريبية والتأسيسية.

التغيير السياسي مسألة معقدة. هي صعبة، وليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة. كان يفترض أن يكون من الأسفل إلى الأعلى، ومن القاعدة إلى رأس الهرم، عن طريق الثورة الشعبية أو المؤسسات والانتخابات. هكذا التغيير طبيعي، صحيح وسليم. فجاء التغيير من الخارج إلى الداخل!

وهو ما يثير تساؤلات عن الخلفيات والنيّات. فما المطلوب في لبنان؟ وما المطلوب من لبنان؟ نعيد طرح السؤالين برسم الداخل والخارج، أي الفاعلين السياسيين في الساحة اللبنانية، والفاعلين الدوليين والإقليميين في الشؤون اللبنانية.