لماذا قطعت هندوراس علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان واعترفت بالصين؟
إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وهندوراس يعود بالنفع على البلدين معاً، فهندوراس تسعى إلى تعزيز اقتصادها، وتايوان لم تعد تلبّي تطلّعات هندوراس وتقدّم لها المساعدات الكافية.
أعلنت رئيسة جمهورية هندوراس زيومارا كاسترو في 14 آذار/مارس الجاري عن نيّتها بدء العلاقات الدبلوماسية مع الصين. وتمهيداً للاعتراف بمبدأ الصين الواحدة، أجرى وزير خارجية هندوراس مؤخّراً زيارة إلى بكين نتجت عنها إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وأعلنت تيغوسيغالبا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايبيه التي لم يعد يعترف بها سوى 13 بلداً في العالم معظمها دول صغيرة في أميركا اللاتينية والمحيط الهادئ.
وفي تعليقها على قطع العلاقات الدبلوماسية مع تايبيه، قالت رئيسة تايوان تساي إنغ وين إنّ قرار هندوراس مؤسف للغاية، واعتبر وزير الخارجية التايواني أنّ رئيسة جمهورية الهندوراس زيومارا كاسترو تساورها أوهام بشأن وعود الصين لها بتقديم مساعدات اقتصادية.
ومن جهتها قالت سفارة الولايات المتحدة الأميركية لدى تايبيه إن أي قرار تتخذه هندوراس بشأن احتمال قطع العلاقات مع تايوان لصالح الصين هو قرار سيادي. ولكنها أضافت بأن الوعود التي تقدّمها الصين في مقابل الاعتراف الدبلوماسي بالصين الواحدة لا تفي بها في أغلب الأحيان.
إن سعي هندوراس لإقامة علاقات دبلوماسية مع الصين ليس بجديد، فقد أعلنت رئيسة هندوراس زيومارا كاسترو، في العام 2021 قبيل الانتخابات الرئاسية، عزمها على إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الصين في حال فازت بالانتخابات، ولكنها في كانون الثاني/يناير 2022 قالت إنها تأمل في الحفاظ على العلاقات مع تايوان.
تعتبر الصين تايوان جزءاً من أراضيها وتقيم علاقاتها الدبلوماسية مع دول العالم استناداً إلى مبدأ الصين الواحدة، أي أن هناك صيناً واحدة هي جمهورية الصين الشعبية وتايوان جزء من الأراضي الصينية.
بعد أن فقدت تايوان عضويتها في الأمم المتحدة لصالح الصين في العام 1971، كانت هناك 56 دولة تعترف بتايوان. وتضاءل هذا العدد إلى 22 دولة فقط عندما توّلت رئيسة تايوان الحالية منصبها في العام 2016، واستمرّ العدد في الانخفاض في السنوات اللاحقة ليبلغ عدد الدول المعترفة بتايوان الآن 13 دولة.
إنّ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وهندوراس يعود بالنفع على البلدين معاً، فهندوراس تسعى إلى تعزيز اقتصادها، وتايوان لم تعد تلبّي تطلّعات هندوراس وتقدّم لها المساعدات الكافية. ففي الـ15 من الشهر الحالي قال وزير خارجية هندوراس لوسائل إعلام محلية إن هندوراس حاولت إعادة التفاوض مع تايبيه على ديونها وطلبت مساعدة بقيمة 2.5 مليار دولار، ولكن على ما يبدو لم يتم الاتفاق بين الجانبين، فأعلنت رئيسة هندوراس عزمها على تحويل الاعتراف من تايوان إلى الصين.
تعتبر الصين حالياً ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لذلك من شأن إقامة هندوراس العلاقات الدبلوماسية معها مساعدة بكين تيغوسيغالبا اقتصادياً، إذ من المتوقّع أن تقوم الصين بزيادة التبادل التجاري مع هندوراس وزيادة استثماراتها فيها، ولا سيما في مجال الطاقة والبنى التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، وذلك في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية التي على الأغلب ستنضم إليها هندوراس لاحقاً.
وفي هذا السياق، تبحث هندوراس عن دعم سد آخر لتوليد الطاقة الكهرومائية باتوكا 2 بعد أن قام البنك الصناعي والتجاري الصيني بتمويل سد باتوكا 3 منذ عدة سنوات بقيمة 349 مليون دولار أميركي، وعلى ما يبدو فإن الصين ستقوم بتمويل مشروع السد الجديد.
تقدّم الصين المساعدات وتقوم بالاستثمار في الدول التي تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان وهو شرط أساسي تضعه الصين. وفيما يتعلّق بدول أميركا الوسطى فمنذ العام 2017 قامت 3 دول في أميركا الوسطى بتحويل الاعتراف الدبلوماسي من تايوان إلى الصين، وهي بنما والسلفادور ونيكاراغو، وكانت كوستاريكا قد اعترفت بالصين في العام 2007.
وبعد اعتراف السلفادور بالصين في العام 2018 قدّمت الصين مساعدات للسلفادور، فقامت مثلاً بتمويل إقامة المكتبة الوطنية في البلاد، وفي أثناء زيارة الرئيس السلفادوري نجيب بوكيلة إلى بكين في العام 2019 حصل على مساعدات واستثمارات كبيرة، من بينها مساعدة بقيمة 40 مليون دولار لبناء مركز ثقافي في العاصمة السلفادورية، وأيضاً 500 مليون دولار للقيام بمشاريع مختلفة، منها ملعب رياضي وتحسين مرافق معالجة المياه.
كما استثمرت بكين في بنما، منذ اعترافها بالصين عام 2017 وقطع العلاقات مع تايوان، في أكثر من 20 مشروعاً للبنية التحتية، بما في ذلك الجسور والسكك الحديدية ومحطات الطاقة. بشكل عام فإن إقامة هندوراس علاقاتها الدبلوماسية مع الصين ستؤدي إلى تطوير الاقتصاد الهندوراسي وتحقيق التنمية وتحسين مستوى معيشة السكان فيها.
ماذا ستجني الصين من علاقاتها مع هندوراس؟
هندوراس بلد غني بالموارد الطبيعية مثل الذهب والنحاس والزنك والفضة وغيرها من المعادن الطبيعية التي يمكن للصين الاستفادة منها. فمثلاً يوجد منجم El Mochito في غربيّ هندوراس والذي يعدّ من أكبر المناجم في أميركا الوسطى وهو منجم غني بالزنك والفضة ويمكن بالتالي للصين الاستفادة منه.
تسعى بكين إلى تقليص عدد الدول التي تعترف بتايوان والتي تعتبرها جزءاً من أراضيها وستعود يوماً ما إلى البر الصيني الرئيسي، وبالتالي فإن تقليص الدول التي تعترف بتايوان سيجعل الجزيرة معزولة ويكون خيار التوحيد مع الصين هو طوق النجاة لها.
يشكّل قطع هندوراس علاقاتها مع تايوان ضربة قوية لقوى "استقلال تايوان" وسيجعل تايبيه أكثر عزلة، كما أنه يشكّل حرجاً لرئيسة تايوان التي تعتزم زيارة أميركا الوسطى في الأيام المقبلة. فإنّ تحويل اعتراف دول العالم بالصين بدلاً من تايوان سيعزّز مكانة الصين عالمياً كقوى عظمى ويكون لها دور أكبر على المسرح العالمي.
إن تزايد انتشار الصين في منطقة أميركا الوسطى يشكّل صفعة قوية للولايات المتحدة الأميركية، التي كانت ولفترة طويلة من الزمن، تملك نفوذاً واسعاً في المنطقة. كما أن اعتراف المزيد من دول العالم بالصين وقطع العلاقات مع تايوان يشكّل ضربة لواشنطن التي تمدّ تايوان بالأسلحة وتبتزّ الصين من خلالها.
منذ إعلان رئيسة هندوراس نيّتها إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين، بذلت الولايات المتحدة الأميركية جهوداً لثني هندوراس عن متابعة التحوّل، وأرسلت المستشار الرئاسي الخاص بالأميركيتين كريستوفر دود إلى هندوراس للتشاور معها، ولكن باءت محاولات واشنطن بالفشل. وسبق للولايات المتحدة الأميركية أن تمكّنت في العام 2021 من إقناع هندوراس بعدم تحويل اعترافها الدبلوماسي إلى الصين.
إنّ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وهندوراس ستدفع العديد من الدول ومنها دول أميركا الوسطى، التي لها علاقات دبلوماسية مع تايوان، إلى إعادة النظر في علاقاتها مع تايبيه والالتزام بمبدأ الصين الواحدة. ففي باراغواي مثلاً التي تقيم علاقات مع تايوان أعلن مرشح المعارضة إفراين أليغري أنه في حال فاز بانتخابات الرئاسة المقرّر إجراؤها في 30نيسان/أبريل 2023 سيقطع العلاقات مع تايوان ويقيم علاقات مع الصين.
تعتبر الصين تايوان خطاً أحمر وترفض المساومة عليها، وبالتالي فإن أي دولة تريد التعاون مع الصين عليها الالتزام بمبدأ الصين الواحدة، والصين اليوم باتت رقماً صعباً في المعادلة الدولية وتؤدي دوراً كبيراً على المسرح العالمي، لذلك من المتوقّع أن نشهد مزيداً من الدول التي تقطع علاقاتها مع تايوان وتعترف بجمهورية الصين الشعبية.