أين دور الصين في العدوان الإسرائيلي على لبنان؟

سعت الصين منذ البداية لتعميق علاقاتها الاقتصادية والتجارية بمختلف دول الشرق الأوسط من دون الانجرار إلى الصراعات والمنافسات الإقليمية، واعتمدت سياسة الحياد السياسي وعدم التدخل.

0:00
  •  أولوية الصين هي تطوير اقتصادها وإنجاح مبادرة الحزام والطريق.
    أولوية الصين هي تطوير اقتصادها وإنجاح مبادرة الحزام والطريق.

بعد يوم واحد من عملية طوفان الأقصى، أعلنت المقاومة اللبنانية فتح جبهة جنوبي لبنان وشمالي فلسطين المحتلة كجبهة إسناد لقطاع غزة والشعب الفلسطيني ومقاومته. وظلت الاشتباكات بين حزب الله و"إسرائيل" مرتبطة بقواعد الاشتباك مع خرق "إسرائيل" لهذه القواعد في بعض الأحيان، عبر استهداف العمق اللبناني.

 إلا أنه خلال الشهر الماضي، صعّدت "إسرائيل" عملياتها الأمنية والعسكرية سواء عبر تفجير أجهزة البيجر والأجهزة اللاسلكية، التي كانت لدى بعض أعضاء المقاومة اللبنانية، أو اغتيال عدد من قادة المقاومة العسكريين والأمنيين، وصولاً إلى اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله ورئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين، وقصف جنوبي لبنان وضاحية بيروت الجنوبية وبعلبك الهرمل وبعض القرى في البقاع، ومحاولة قوات جيش العدو الصهيوني التوغل براً عند الحدود اللبنانية مع شمالي فلسطين المحتلة، وما نتج من ذلك من استشهاد وإصابة الالاف من اللبنانيين ونزوح مليون و400 ألف مواطن عن مناطق القصف.

إزاء العدوان الإسرائيلي على لبنان وما خلفه من دمار وقتل وتهجير، دان مجموعة من دول العالم الانتهاكات الإسرائيلية وتوسع الحرب لتشمل لبنان، ودعت إلى حماية المدنيين ووقف القتال.

الصين، من جهتها، لم تخرج عن إطار سياستها المعهودة في الدعوة إلى التهدئة ومنع التصعيد، وهو النهج الذي اتبعته منذ اندلاع حرب غزة.

فبعد تفجير البيجر دان مندوب الصين لدى الأمم المتحدة، فو تسونغ، التفجيرات وطالب بفتح تحقيق دولي مستقل في الحادث. كما ندد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أمام نظيره اللبناني عبد الله بو حبيب، خلال الاجتماع الذي جمعهما على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك والذي عُقد الشهر الماضي، بالهجمات العشوائية التي استهدفت المدنيين اللبنانيين، ولاسيما بعد موجة تفجيرات أجهزة الاتصال التابعة لحزب الله. وأكد المسؤول الصيني دعم الصين لحماية أمن لبنان وسيادته. 

بعد اغتيال "إسرائيل" للسيد حسن نصر الله قالت الصين إنها تعارض الأعمال التي تنتهك سيادة لبنان وأمنه، وإنها تعارض أي أعمال تؤدي إلى التصعيد في المنطقة، وحضت أطراف النزاع، ولاسيما "إسرائيل"، على اتخاذ إجراءات ملموسة لمنع التصعيد وخروج الأوضاع عن نطاق السيطرة.

وفي إطار آخر، وبعد أن بدأ جيش الكيان عملياته البرية في جنوبي لبنان، عارضت الصين هذه العمليات التي رأت أنها لن تؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد على المستوى الاقليمي.

وفي كلمته أمام قمة بريكس في مدينة قازان الروسية طالب الرئيس الصيني شي جين بينغ بوقف إطلاق النار في غزة ومنع امتداد الحرب إلى لبنان وإنهاء معاناة المدنيين في غزة ولبنان.

منذ الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، طالبت الصين بعقد مؤتمر دولي للسلام خاص بالقضية الفلسطينية، وإيجاد حل لهذه القضية، ترى الصين أنه يقوم على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. كما أجرى مبعوثوها إلى المنطقة محادثات مع مختلف الأطراف المعنية، بما فيها إيران والولايات المتحدة الأميركية وقطر، واستضافت لقاءات للفصائل الفلسطينية.

وفيما يتعلق بلبنان، ترى بكين أن الاشتباكات بين حزب الله و"إسرائيل" ترتبط بحرب غزة، وبالتالي يجب إيقاف الحرب في غزة قبل كل شيء. وبعد العدوان الإسرائيلي على لبنان كان دور الصين محدوداً، بحيث اقتصر على إدانة الاعتداءات وضبط النفس وعدم التصعيد وعلى تقديم المساعدات الإنسانية إلى لبنان.

ترى بكين أن حظوظها في إيقاف الحرب في قطاع غزة ولبنان ضئيلة إن لم تكن منعدمة . فالصين، إن كانت قادرة على التواصل والتنسيق مع إيران وفلسطين وقطر ومصر والسعودية وغيرها من الأطراف المعنية، إلا أنها لا تستطيع الضغط على "إسرائيل" للدخول في المفاوضات ووقف الحرب، لأن الولايات المتحدة الأميركية هي القادرة على الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. 

وتدرك الصين أن الولايات المتحدة غير جادة في المحادثات والمفاوضات التي تجريها لوقف إطلاق النار والضغوطات التي تمارسها لتحسين الأوضاع الإنسانية في القطاع، لذلك دعا مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، فو تسونغ، واشنطن إلى اتخاذ إجراءات وخطوات صادقة ومسؤولة لوقف الحرب. ودعت بكين واشنطن مراراً إلى عدم تأجيج الصراع في الشرق الأوسط وصب الزيت على النار، ووصفت واشنطن بأنها أكبر مصدر للأسلحة إلى "إسرائيل، وحمّلتها مسؤولية الفشل في التوصل إلى وقف لاطلاق النار في غزة بسبب الفيتو الذي كانت تستخدمه ضد أي قرار يدعو لوقف إطلاق النار وبسبب دعمها اللامحدود لـ"تل أبيب". 

ساهم الدعم الأميركي لـ"إسرائيل" في مواصلة الأخيرة حربها على قطاع غزة ولبنان. فبحسب بحث أجراه معهد واتسون الأميركي، فإن الولايات المتحدة الأميركية موّلت نحو 70 % من المجهود الحربي للاحتلال منذ بداية طوفان الأقصى، بحيث أنفقت الولايات المتحدة الأميركية أكثر من 22 مليار دولار على المساعدات العسكرية للاحتلال من الأسلحة والمعدات إلى نشر حاملات الطائرات. 

وبحسب موقع كالكاليست العبري، فإن الحرب على غزة ما كانت لتسير على ما هي عليه اليوم لولا المساعدات العسكرية الأميركية. 

سعت الصين منذ البداية لتعميق علاقاتها الاقتصادية والتجارية بمختلف دول الشرق الأوسط من دون الانجرار إلى الصراعات والمنافسات الإقليمية، واعتمدت سياسة الحياد السياسي وعدم التدخل. ومن غير المرجح أن تغير سياستها هذه إلا إذا كانت الصراعات في المنطقة تهدد مصالحها.

وعلى الرغم من الأضرار التي لحقت بالصين من جراء الحرب على قطاع غزة وأزمة البحر الأحمر، فإن هذه الأضرار ليست بالقاسية التي قد تدفع بكين إلى التدخل لحماية مصالحها. فهي لغاية الآن ليست على استعداد لاستخدام نفوذها على الآخرين أو لتقديم ضمانات أمنية ما دامت قادرة على استيعاب الخسائر التي تلحق بها من جراء حرب غزة ولبنان.

من جهة أخرى، فإن أولوية الصين هي تطوير اقتصادها وإنجاح مبادرة الحزام والطريق وليس التدخل في السياسة الدولية والملفات المتوترة، إلا إذا رأت أن الأوضاع العامة تسمح لها بالتدخل من دون أن يسبب لها ذلك تعقيدات تلهيها وتبعدها عن تطوير اقتصادها وتنميته.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.