لقاء الرئيسين الصيني والأميركي.. خطوة لصياغة إستراتيجية "الخطوط الحمر" بين البلدين

ما يميز القمة التي ستجمع الرئيسين الصيني والأميركي على هامش قمة العشرين في إندونيسيا، أنها الأكثر حظاً في تحقيق بعض النجاحات، فما الأسباب التي قد تدفع إلى إنجاحها؟

  • لقاء الرئيسين الصيني والأميركي.. خطوة لصياغة إستراتيجية
    لقاء الرئيسين الصيني والأميركي هو أهم وأخطر لقاء نتيجة الخلافات الكبيرة بين البلدين

من المقرّر عقد قمة بين الرئيسين الصيني شي جين بينغ والأميركي جو بايدن على هامش قمة العشرين في إندونيسيا، وهي أهم وأخطر لقاء، والأكثر حظاً في تحقيق بعض النجاحات، والأكثر نصيباً بتوقع فشلها، نتيجة حجم الخلافات الكبيرة بين البلدين، وهي أيضاً اللقاء الأول الذي سيجمع الرئيسين حضورياً، إذ كانا قد تواصلا 5 مرات هاتفياً أو عبر تقنية الفيديو. كما أنَّ هذا اللقاء قد يكون اللقاء الأخير خلال ولاية بايدن الأولى.

وما يميّز هذه القمة أنَّ الرئيسين مدفوعان بدعم داخلي كبير، فالرئيس شي كان قد حصل على ولاية تاريخية ثالثة أقرها المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني الذي عُقد في بكين قبل نحو شهر، وهو ما يجعله يعمل على تتويجها بفعل استثنائي يخلده كزعيم تاريخي في الذاكرة الشعبية الصينية. 

أما الرئيس بايدن، فقد حصل حزبه على أكثرية، ولو بسيطة، في مجلس الشيوخ الأميركي، رغم كلّ التوقّعات التي كانت ترجح هزيمة الديمقراطيين، ما جعله يبدو أكثر حزماً وقدماً وطمعاً في الترشح لولاية رئاسية ثانية سيبدأ بالتحضير لها منذ اليوم الذي يلي إعلان النتائج النهائية للانتخابات النصفية.

وكانت العلاقات بين البلدين شهدت توتراً هو الأسوأ، عندما قامت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بزيارة تايوان في شهر آب/أغسطس الماضي، وتبعتها زيارة عدد من أعضاء الكونغرس للجزيرة، وكذلك الإعلان عن تزويد تايوان بالسلاح، ما يشكل استفزازاً وتحدياً كبيراً لبكين التي ردَّت بمناورات واسعة حول الجزيرة، وأوقفت كل قنوات التواصل مع الولايات المتحدة حينها.

وفي 10 أيلول/سبتمبر الماضي، وقع الرئيس بايدن اتفاقية الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ، والتي ضمت 13 دولة واستبعدت الصين، وفرض عقوبات على صادرات أشباه الموصلات إلى الصين، ما تسبب بتوتر كبير في العلاقة بين البلدين.

لكنَّ القمة التي جمعت وزيري خارجية البلدين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، أسَّست، كما يبدو، لبداية جديدة في العلاقات قد تتوّج بوضع الخطوط العريضة لها خلال القمة التي تجمع الرئيسين في بالي. 

وكانت بكين، وبعد الاجتماعات السابقة التي جمعت الرئيسين، أعلنت تفاؤلها بنتائج تلك الاجتماعات، لكنها كانت تعود لتعلن أنّ الإدارة الأميركية لم تلتزم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهو ما يعني التشكيك في مصداقية الرئيس بايدن نفسه أو عدم الانسجام بينه وبين باقي فريقه الَّذين كانوا يعرقلون تنفيذ تلك الاتفاقيات، إلى درجة أنه بدأ الحديث، وبشكل جدي، عن وجود لوبي يسمى "لوبي تايوان" داخل الإدارة الأميركية يضغط على الرئيس والكونغرس لإصدار قرارات متشددة تجاه بكين.

وما يدعم هذا الرأي هو تصريح الرئيس بايدن قبل يومين، الذي قال فيه إنه "سيكون صادقاً هذه المرة" لمعرفة الخطوط الحمر لكلا البلدين، وما إذا كان من الممكن عدم الاقتراب منها من قبل الدولة الأخرى. 

من جهتها، بكين مستمرة في توجهاتها السياسية الداعمة لأيّ حوار يمكن أن يؤدي إلى إيجاد حل للمشاكل العالقة بين البلدين، مع التأكيد أنها لا تسعى لتغيير النظام الدولي القائم، وهو النظام الدولي الذي سمح لها بأن تصبح قوة اقتصادية كبيرة، لكنها في الوقت نفسه تسعى وتعمل للوصول إلى نظام دولي أكثر عدلاً، وهي فكرة قد تبدو جميلة من الناحية النظرية، لكنها قد تكون مستحيلة التطبيق على أرض الواقع في عالم تحكمه القوة. القوة فقط، ولا شيء سواها. 

النقطة الجوهرية التي تسعى بكين للبناء عليها لإنجاح القمة بين الرئيسين قائمة على فكرة أنَّ "ما هو جيد بالنسبة إلى بكين، ليس بالضرورة أن يكون سيئاً بالنسبة إلى واشنطن"، والعكس صحيح. لذا، من الممكن البحث عن نقاط يمكن البناء عليها لتجاوز الخلافات ونزع التوترات، فالخطوط الحمر لكلا البلدين ليست متداخلة. 

كما أنَّ العالم لم يعد يحتمل أي مواجهة عسكرية، وخصوصاً بين الصين والولايات المتحدة، فهذه المواجهة فيما لو حدثت، ستكون نتائجها كارثية على العالم كله الذي بات يئنّ من تبعات الحرب الأوكرانية التي لا تقارن بكل تأكيد بأي مواجهة محتملة بين الصين والولايات المتحدة. 

وهنا، يمكن أن نشير إلى الأسباب التي قد تدفع إلى إنجاح القمة بين الرئيسين:

- الأوضاع الاقتصادية الصعبة لكلا البلدين: الاقتصاد الأميركي يعاني تضخماً كبيراً هو الأسوأ ربما منذ عقود، ما جعل المواطن الأميركي يتملل ويتذمر، وخصوصاً مع ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية... أما الاقتصاد الصيني، فلا يزال يعيش تبعات كوفيد 19 وسياسة "صفر كوفيد" المطبقة بصرامة وقوة داخل البلاد، والتي كان لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد الذي أصبح يعاني تراجعاً في النمو، وازدياداً في البطالة، وضعفاً في التصدير... مع الإشارة إلى أن الاقتصاد الصيني، ورغم كل شيء، هو الأفضل عالمياً والأقل تأثراً بتبعات كوفيد 19.

- سعي واشنطن لإيقاف السعي الأوروبي نحو الصين، وخصوصاً بعد زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس بكين قبل أيام، والزيارة المتوقعة للرئيس الفرنسي ماكرون إلى العاصمة الصينية بكين، فالأوروبيون بدأوا يشعرون بأن الولايات المتحدة لم تتمكن من مساعدتهم في الحفاظ على أمنهم القومي، ولا حتى الاقتصادي، فباتوا مهددين في لقمة عيشهم، وهو ما ينذر باضطرايات داخلية وإسقاط للحكومات، كما حدث في بريطانيا، وهو ما لا تريده باقي الدول الأوروبية بكل تأكيد.

- رغبة واشنطن في إبعاد بكين عن موسكو قدر الإمكان. ولعل تصريحات الرئيس شي في قمة سمرقند والحديث عن عدم التأييد المطلق للتوجهات الروسية تعطي بصيص أمل بإمكانية تحقيق تلك الرغبة الأميركية. 

- حاجة واشنطن إلى بكين لإيجاد حل للتوترات مع كوريا الشمالية، فبيونغ يانغ مستمرة في تجاربها النووية، ولا يوجد قنوات للتواصل بينها وبين الولايات المتحدة، ويمكن أن تؤدي بكين هذا الدور لتلافي زيادة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة بذريعة مواجهة التحديات الكورية الشمالية.

- رغبة الرئيس بايدن في تحقيق نجاحات سياسية تشكّل داعماً لحزبه وناخبيه للتصويت له لولاية رئاسية ثانية، وهو ما لا تمانعه بكين، وخصوصاً إذا كان المنافس هو ترامب الذي تسبب بتوتر العلاقات بين البلدين عبر الحروب التجارية التي أعلنها على بكين، والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم. 

إضافةً إلى هذه الأسباب، هناك خطوط حمر يشكل الاقتراب من أي منها نهاية الحوار بين البلدين وضياع أي فرصة للتعاون والتقارب. ومن هذه الأسباب: 

- التدخل في القضايا التي تعتبرها بكين شأناً داخلياً لا يمكن لأحد أن يتدخل به (قضية تايوان، ومبدأ "صين واحدة"، وموضوع الإيغور، وقضية هونغ كونغ، وقضايا الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، وسوى ذلك من الذرائع التي تتبعها الإدارة الأميركية للتدخل في شؤون العالم).

- الأحادية القطبية وشكل النظام الدولي القائم الذي يكرس الولايات المتحدة دولة مهيمنة على السياسة الدولية، وهو ما تسعى واشنطن لاستمراره ومنع أيّ محاولة تستهدف تغيير ذلك.

- تقديم أي مساعدات عسكرية لموسكو التي تحارب الغرب عموماً، والولايات المتحدة على وجه التحديد. 

- استمرار الولايات المتحدة في نسج التحالفات في البيئة الإقليمية للصين (كواد وأوكوس...)، والتي تستهدف الأمن القومي لبكين.

مما تقدّم، ورغم حجم الخلافات وتشعباتها، نرى أنّ هناك العديد من القضايا التي من المحتمل أن يتمّ الاتفاق حولها لتكون النواة للاتفاق على شكل العلاقات المستقبلية بين البلدين. ومن أهم هذه القضايا:

- تجديد الالتزام الأميركي بسياسة "صين واحدة" في مقابل تطمينات صينية بعدم ضمّ جزيرة تايوان بالقوة في حال تعهَّدت حكومة تايبيه عدم المطالبة بالانفصال حالياً (الاستمرار على ما كان عليه الوضع قبل زيارة نانسي بيلوسي إلى الجزيرة). 

- من الممكن إعادة النظر في التعريفات الجمركية بين البلدين، بما يسمح بتدفق البضائع الصينية إلى الولايات المتحدة، وهو ما سيخفف الأعباء الاقتصادية على المواطن الأميركي، وخصوصاً أن الحكومة الصينية اتخذت منذ أيام قراراً بتخفيف الإجراءات المتعلقة بمكافحة الوباء، وخصوصاً الالتزام بانتظام الرحلات الجوية إلى الصين وتسهيل إجراءات التصدير. 

- قضايا الملكية الفكرية والمناخ، وخصوصاً أن مقاربة هذين الموضوعين تختلف بين الدولتين؛ فبالنسبة إلى الملكية الفكرية، إنَّ بكين ملتزمة من الناحية القانونية بتطبيق معايير الملكية الفكرية، إذ إنها تقوم بإدخال تعديلات طفيفة على أي منتج ليصبح منتجاً جديداً وفقاً للقانون، فيما ترى الولايات المتحدة أنها سرقة فكرية تسبّب لها خسائر كبيرة. من هنا، المعركة القانونية في مجال الملكية الفكرية خاسرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة. لذا، عليها أن تسلك مسلكاً آخر مع الحكومة الصينية يحقق لها غايتها. 

أما قضايا التلوث والمناخ، فالولايات المتحدة ترى أنَّ الصين من أكثر الدول تلويثاً للبيئة، فيما ترى بكين أن موضوع التلوث لا يمكن أن يقارن الدول كبيرها وصغيرها، بل يجب أن يقاس بحصة الفرد في التلوث العالمي، وهو ما يجعل الصين من أقل الدول تسبباً في تلوث البيئة، نظراً إلى عدد سكانها الكبير. كما أنَّ بكين تحقق قفزات كبيرة في مجال الانتقال إلى الطاقة النظيفة، في وقت بدأت الدول الأوروبية بالعودة إلى الفحم الحجري لحل أزمة الطاقة لديها.

- ضمان حرية الملاحة في منطقة بحر الصين الجنوبي، وهي المنطقة التي ترى فيها بكين صلة الوصل بين دول العالم، فيما ترى فيها واشنطن مسرحاً عسكرياً لاستهداف الصين وزعزعة استقرارها. 

الخلافات كبيرة، والمهمة صعبة أمام الرئيسين. ولعل تبعات اتفاقهما ستكون أقل وطأة على العالم من استمرارهما في القطيعة التي قد تؤدي إلى الصراع الذي سيدفع العالم كله ثمنه فيما لو حدث لا قدر الله.