قراءة في اللعب الإسرائيلي على خلافات المغرب والجزائر

تجلت الاستفادة الإسرائيلية من التوتر السياسي والعسكري بين المغرب والجزائر، في إبرام صفقة تزيد قيمتها على مليار دولار مع المغرب لتزويده بأنظمة دفاع جوي.

  • قراءة في اللعب الإسرائيلي على خلافات المغرب والجزائر
    وجدت "إسرائيل" مساحة جيدة للعب في الخلاف الجزائري المغربي القديم

على مدار السنوات الماضية، لعبت "دولة" الاحتلال الإسرائيلي على الخلافات العربية والإسلامية، وإن لم تعمل على صناعتها، فقد عملت على تعزيزها بشكل كبير. ومؤخراً، وجدت مساحة جيدة للعب في الخلاف الجزائري المغربي القديم، وباتت اليوم تعمل للاستفادة من هذا الخلاف سياسياً، ومن قبله اقتصادياً وعسكرياً، عبر صفقات سلاح ضخمة أبرمتها مع الدار البيضاء، فيما تواصل قيادة "جيش" الاحتلال تعزيز العلاقات العسكرية، عبر الاتفاقيات والتدريبات المشتركة التي تجسدت، مؤخراً، في زيارة شخصيات عسكرية رفيعة آخرها أفيف كوخافي، رئيس هيئة الأركان، الذي يزور المغرب في هذه الأيام.

وقد تجلت الاستفادة الإسرائيلية من التوتر السياسي والعسكري بين المغرب والجزائر، في إبرام شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، في آذار/مارس الماضي، صفقة تزيد قيمتها على مليار دولار مع المغرب؛ لتزويده بأنظمة الدفاع الجوي "Barak-MX"، وذلك لاعتراض الطائرات المقاتلة والمروحيات والطائرات بدون طيار وصواريخ كروز وصواريخ أرض- أرض وصواريخ أرض- جو.

في المقابل، تنظر الجزائر إلى التقارب المغربي الإسرائيلي بارتياب شديد وتوجّس، عبّرت عنه المستويات السياسية، إذ رأى رئيس مجلس الأمة الجزائري، صلاح قوجيل، أن بلاده هي المستهدفة في أمنها وسيادتها، بزيارة وزير الأمن بيني غانتس، ومؤخراً رئيس هيئة الأركان كوخافي.

فيما يرى الفلسطينيون ما تقوم به الحكومة المغربية من تطبيع مع "دولة" الاحتلال، وصولاً إلى الجانبين الأمني والعسكري بأنه يمثل خيانة للقضية الفلسطينية ونضالات الشعب الفلسطيني، إذ يرى الفلسطينيون أن إلغاء حالة العداء بين الدول العربية و"دولة" الاحتلال يصب في مصلحة الأخيرة، مهما كانت المبررات التي يمكن سياقها، فهذا الأمر يمثل استعانة بالعدو على الأخ والشقيق قبل كل شي، وهذا الحال لا يمكن القبول به، ناهيك بكونه مساعدة للاحتلال وتقوية له، وتحقيقاً لأهدافه الاستراتيجية في منطقة أفريقيا وشمالها.

وبرغم كون ذلك أمراً خطيراً تجاه القضية الفلسطينية، توجد جملة من النشاطات الإسرائيلية والمغربية تتوجس منها الجزائر وترى أنها تهديد لها، وهي كالتالي:

- منذ استئناف العلاقات الإسرائيلية مع المغرب، في كانون الأول/ديسمبر 2020، تم التوقيع على اتفاقيات عسكرية بين الطرفين، وشارك الجيشان المغربي والإسرائيلي في تدريبات ومناورات مشتركة، وزار ممثلون عن الجيش المغربي "دولة" الاحتلال الإسرائيلي.

- التوقيع على اتفاقية للتعاون الأمني، خلال زيارة وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، للرباط في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، تشمل التبادل المعلوماتي والاستخباري وتطوير القدرات الأمنية المغربية، وتسهيل "دولة" الاحتلال حصول المغرب على المعدات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

- تعهد "دولة" الاحتلال للمغرب بتوفير الخبرة الأمنية والاستخبارية اللازمة والتدريبات الخاصة بها، لضمان تفوق المغرب الأمني والعسكري على جيرانه.

- إتاحة اقتناء المغرب لمعدات أمنية إسرائيلية عالية التكنولوجيا، وتطور في اتجاه إحداث استثمار إسرائيلي؛ لتلبية حاجة المغرب في مجال الصناعة الدفاعية، من خلال دعمه ومواكبته لإنتاج برامج وأنظمة تسليحية، محلياً.

- إعلان "جيش" الاحتلال أنه استضاف وحدة كوماندوس مغربية في تدريبات متعددة الجنسيات في تموز/يوليو من العام ذاته، وأقام علاقات عسكرية مباشرة مع الرباط في آذار/مارس 2022، كما استضاف الشهر ضباطاً مغربيين سامين للاتفاق على برنامج عمل مشترك لمدة عام كامل.

- مشاركة ضباط من "الجيش" الإسرائيلي، مؤخراً، لأول مرة، في مناورة عسكرية علنية في المغرب، أُطلق عليها "الأسد الأفريقي 2022"، نظمتها كل من قيادة أفريقيا في الجيش الأميركي والقوات المسلحة المغربية، حيث ظهر الضباط في أثناء مشاركتهم في المناورة، في قاعدة جوية مغربية.

- إعلان رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، أفيف كوخافي، أنه سيلتقي خلال زيارته المغرب، قيادة وحدة "الكوماندوس" في الجيش المغربي؛ "بهدف تطوير التعاون الأمني بين الجانبين".

دور إسرائيلي معاكس

"دولة" الاحتلال تراقب التطورات على الساحة الجزائرية، وخاصة في ما يتعلق بخطط ومشاريع التزود بالأسلحة من قبل الجيش الجزائري، خاصة بعد اعتبار المسؤولين الجزائريين تطبيع العلاقات بين المغرب و"دولة" الاحتلال تهديداً حقيقياً يقترب من الحدود الجزائرية. وفي هذا الإطار، أوصت دوائر أمنية إسرائيلية بمراقبة بناء القوات الجزائرية، وتطلعاتها إلى التفوق البحري وأنشطتها العملياتية، إذ من المرجح أن تعمل البوارج والغواصات الجزائرية في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط،​ على الرغم من أن البلاد ليس لديها، على ما يبدو، أي نية للقيام بعمل عسكري ضد "دولة" الاحتلال، بحسب التقديرات الأمنية الإسرائيلية.

وتابعت المستويات الأمنية، خلال الفترة الماضية، التزود الجزائري بالسلاح، إذ اهتمت بإعلان وزارة الدفاع الجزائرية، مؤخراً، شراء صواريخ CM-302""، من الصين، وهذه هي النسخة الصينية من صواريخ "Yachont" الروسية، التي يصل مداها إلى 400 كيلومتر، فيما ذكرت وسائل إعلان عبرية أن الجزائر، بدأت في تطوير قدراتها البحرية، منذ أكثر من عقد من الزمان، إذ جهزت أسطولها بأفضل البوارج المصنوعة في إيطاليا والصين وألمانيا، وأحدث الغواصات الروسية الصنع من نوع "كيلو"، والمزودة بصواريخ موجهة من نوع "كليبر" ضد أهداف في العمق البري وفي أعماق البحار، وكذلك اشترت الجزائر سفينة تحمل جنوداً وطائرات هليكوبتر LPD، مصنوعة في إيطاليا.

ويرى المستوى الأمني في "دولة" الاحتلال أن الأسلحة التي اشترتها الجزائر، مؤخراً، تسمح للدولة بالتفوق البحري في منطقة المغرب العربي، وهي قوة تهدد المغرب بشكل مباشر، ويوجد هناك توتر عسكري وسياسي بين البلدين، متوقعةً أن تزيد المشتريات الجديدة من الصين.

أهمية الخلاف الجزائري المغربي لـ "إسرائيل"

- تنظر "دولة" الاحتلال الإسرائيلي إلى الخلاف بين الشقيقتين المغرب والجزائر بأنه فرصة لدفع المغرب نحو التطبيع بشكل كامل، واستعادة بناء المنصة الأمنية والاستخبارية لها في منطقة شمال أفريقيا، بالإضافة إلى الضغط على الجزائر، ومعاقبتها على مواقفها التاريخية المناصرة للقضية الفلسطينية. كما تريد أن تصنع نموذجاً للدول العربية والإسلامية الأخرى يمكن أن يمثل نموذجاً ناجحاً اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً للدول التي تطبّع علاقتها مع "دولة" الاحتلال.

-  ترى "دولة" الاحتلال أهمية للتطبيع معها من قبل المغرب، على الرغم من الخلاف مع الجزائر؛ لأن هذا الأمر يخدم أهدافها الاستراتيجية، إذ يعزز مكانتها بأن تكون "دولة" طبيعية في المنطقة، بل "دولة" مركزية تلجأ إليها الدول المحيطة لتحصل على الرضا الأميركي، بجانب التطور التكنولوجي والاقتصادي والأمني والعسكري.

-  ترى "دولة" الاحتلال أهمية المغرب بالغة، خلال الفترة الحالية، لتحقيق أهدافها تجاه أفريقيا، إذ ترى أن التقارب الجديد والهدايا التي تمنح للمغرب في المجالين الأمني والعسكري سيكون لهما مقابل، يتمثل بدعم عودة "إسرائيل" إلى القارة الأفريقية، وانضمامها إلى منظمة الوحدة الأفريقية بصفة عضو مراقب، خلال الفترة المقبلة، على الرغم من معارضة الجزائر.