عباس في الصين... مبادرة لحلّ القضية الفلسطينية ودعم اقتصادي
إضافة إلى عرض الصين وساطتها لإيجاد حلّ للقضية الفلسطينية، أعلنت أنها على استعداد للاضطلاع بدور إيجابي لتحقيق المصالحة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية.
بعد رعايتها للمصالحة السعودية الإيرانية، أعلنت الصين عبر وزير خارجيتها تشين غانغ، الذي أجرى اتصالاً مع كل من نظيريه الإسرائيلي والفلسطيني في شهر نيسان/أبريل الماضي، استعداد الصين للمساعدة في تسهيل "محادثات سلام" بين الجانبين. ولهذا الغرض قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخّراً بزيارة إلى الصين حيث التقى بالرئيس الصيني شي جين بينغ وتباحثا حول الدور الذي يمكن أن تؤدّيه الصين في القضية الفلسطينية فضلاً عن تطوير العلاقات الصينية الفلسطينية.
دعمت الصين فلسطين منذ عهد الزعيم ماو تسي تونغ حيث كانت أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1965، واعترفت بدولة فلسطين عام 1988 وأقامت علاقات دبلوماسية معها.
بعد انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينغ لولاية ثالثة بدأت الصين تعرض مساعيها بشكل كبير وجدّي للتوسط في إحلال السلام العالمي وتظهر على المسرح الدولي كقوة عظمى تريد أن تؤدّي دوراً ريادياً عالمياً. فقد رعت المصالحة السعودية الإيرانية وإعادة طرح مبادرة الأمن العالمي في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عقد خلال شهر شباط/فبراير الماضي، كما عرضت مقترحاً للسلام في أوكرانيا وأرسلت مبعوثاً خاصاً إلى موسكو وكييف وبعض الدول الأوروبية للتباحث حول وثيقة السلام التي قدّمتها ووقف العمليات العسكرية. وأعربت بكين عن رغبتها في التوسّط لتسهيل المباحثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
تؤمن الصين، وبحسب تصريحات مسؤوليها، بأنه لا أمن ولا استقرار في الشرق الأوسط ما لم يتمّ حلّ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وأن الشعب الفلسطيني يعاني الظلم وليس من العدل الاستمرار في هذه المعاناة. ففي خطابه الذي ألقاه خلال القمة الصينية العربية التي عقدت في الرياض أواخر العام الماضي أعرب الرئيس الصيني عن استيائه من الظلم الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني، وأنه لا يمكن الاستمرار في هذه المعاناة إلى أجل غير مسمّى. وخلال لقائه بالرئيس محمود عباس مؤخراً في بكين أعاد الرئيس شي التشديد على معاناة الشعب الفلسطيني ودعم الصين للقضية الفلسطينية.
إن رغبة بكين في إيجاد حل لـ "الصراع" الفلسطيني الإسرائيلي ليست بجديدة، فهي قد عرضت مساعيها لتسهيل المباحثات بين الجانبين خلال السنوات الماضية، فقد عقدت عدة مباحثات استكشافية حول النزاع في أعوام 2003 و2006 و2013 و2017 وتمحورت جميعها حول وجوب إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967، ووقف النشاط الاستيطاني وضمان الأمن للجميع عبر مفاوضات وحوارات بنّاءة واحترام الوضع التاريخي الراهن للأماكن المقدسة في القدس. وأضيف إليها في العام 2017 "تعزيز السلام" من خلال التنمية الاقتصادية بين "إسرائيل" وفلسطين. وأعادت مبادرة الرئيس الصيني مؤخّراً ما تضمنته المبادرات الصينية السابقة نفسها.
إن فرص الصين في التوسّط بين الإسرائيليين والفلسطينيين ضئيلة وتدرك بكين ذلك جيداً. وعلى الرغم من ذلك فقد أعلنت مبادرتها لتسوية القضية الفلسطينية. فهي من ناحية ترغب في أن يكون لها دور أكبر في الشرق الأوسط وتأمين الأمن والاستقرار لتحقيق مكاسب اقتصادية، ولا سيما بعد عودة العلاقات بين السعودية وإيران، ومن ناحية أخرى تعتبر المبادرة تحدياً للولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر نفسها الراعية الوحيدة للمفاوضات المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتي لم تأتِ بأي نتيجة وهي معلّقة منذ العام 2013، وربما يشكّل دخول بكين الآن على خط المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية وسيلة ضغط على واشنطن لاستئناف المحادثات بين طرفي النزاع.
وفي إطار آخر، لا تريد "إسرائيل" أن تكون الصين هي راعية المفاوضات بينها وبين فلسطين بل الولايات المتحدة الأميركية. فالأخيرة حليفة "إسرائيل" وتقف إلى جانبها في المحادثات بينما الصين طرف محايد وعادل. كما أنه ليس من مصلحة "تل أبيب" أن يكون لبكين نفوذ أكبر من واشنطن في الشرق الأوسط لأنه يضرّ بمصالحها في المنطقة. وقبول "إسرائيل" بالوساطة الصينية سيضرّ بالعلاقات الإسرائيلية الأميركية خاصة أن الصين هي المنافس الاستراتيجي لأميركا وسبق لواشنطن أن مارست ضغوطات على "تل أبيب" للابتعاد عن الصين.
ولكن من المحتمل أن تقبل "إسرائيل" مبدئياً بالوساطة الصينية للضغط على الولايات المتحدة الأميركية ولا سيما في ظل فتور العلاقات بين الرئيس بايدن وبنيامين نتنياهو وامتناع الرئيس الأميركي عن توجيه دعوة لنتنياهو لزيارة أميركا حتى الآن، والمفاوضات التي تجريها واشنطن مع طهران حول الملف النووي الإيراني.
إضافة إلى عرض الصين وساطتها لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، أعلنت أنها على استعداد للاضطلاع بدور إيجابي لتحقيق المصالحة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية.
وعلى الصعيد الاقتصادي فقد اتفق الجانبان على رفع علاقتهما إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، ووقّعا على عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والتكنولوجية وغيرها من المجالات، كما اتفق الرئيسان على تسريع المباحثات لإنشاء منطقة تجارة حرّة بين البلدين والتي بدأت في العام 2019.
ولغاية اليوم ساعدت الصين في بناء أكثر من 40 مشروعاً في فلسطين بما في ذلك مبنى وزارة الخارجية. وستعمل الصين على زيادة استثماراتها في البنى التحتية والطاقة المتجددة والتبادلات الاقتصادية وزيادة التعاون في مجالات الثقافة والصحة والسياحة وغيرها في إطار مبادرة الحزام والطريق التي انضمت إليها أواخر العام الماضي.
مما لا شك فيه أن الصين أخذت خلال الأشهر الأخيرة تعمل على زيادة حضورها في منطقة الشرق الأوسط اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، الأمر الذي أثار قلق واشنطن التي تحاول أن تعيد حضورها في المنطقة فأرسلت وزير خارجيتها إلى السعودية لكسر الجليد بين البلدين.
الصين اليوم مع الولاية الثالثة للرئيس شي جين بينغ غير الصين خلال السنوات الماضية، إذ إنها تعمل حالياً على توسيع حضورها عالمياً وتنافس الدول الأخرى وتسعى لإنشاء عالم متعدد الأقطاب يكون لها دور فيه إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، وأصبحت أكثر جرأة في التعامل مع الصراعات والنزاعات الدولية بعد أن تجنّبت التعاطي في الشؤون الأمنية العالمية وصبّت جلّ اهتمامها على الاقتصاد وتطوير علاقاتها الاقتصادية مع دول العالم.