عام على حرب الأشقاء.. إلى أين يمضي المشهد في السودان؟
عام على حرب الأشقاء في السودان، ولا بوادر لمصالحة تلوح في الأفق المنظور. وتأخذنا حيثيات المشهد بعد مرور عام إلى قتال يبدو كأنه بدأ للتو.
طوت الحرب الدائرة في السودان عامها الأول، وهي التي اندلعت منتصف نيسان/أبريل العام الماضي بين قوات الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، على خلفية الصراع على السلطة، وتركت نحو 13 ألفاً و900 قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ ودماراً هائلاً للبنية التحتية ولمقدرات دولة كان يفترض أن تكون سلة غذاء للعالم العربي، حتى باتت تعاني اليوم مجاعة إنسانية غير مسبوقة واقتصاداً يتهاوى على وقع دوي القذائف.
عام على حرب الأشقاء في السودان، ولا بوادر لمصالحة تلوح في الأفق المنظور. وتأخذنا حيثيات المشهد بعد مرور عام إلى قتال يبدو كأنه بدأ للتو. وبينما يطوي العام الأول من الحرب آخر أيامه، تتصاعد وتيرة المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من دون أن يلتفت أزيز رصاص الفرقاء إلى عيد الفطر ولا تحتفي به قذائف مدافعهم.
الخطورة في إصرار الفرقاء على استدعاء نظرية المباريات، أي الحسم العسكري الكامل، بمعنى انتصار فريق مقابل هزيمة الفريق الآخر، متجاهلين كل الحلول السلمية، حتى تدرجت الحرب من صراع على السلطة بين الجنرالات إلى بوادر حرب أهلية تلوح في الأفق، وقودها مقومات الشعب السوداني كافة.
مع انتهاء العام الأول من الحرب، بدت ملامح التدحرج في تمدد الصراع وتصاعده داخل مكونات المشهد السوداني في دخول الحركات المسلحة على خطوط الصراع ومساراته وإعلان دعمها وانحيازها إلى الجيش السوداني. وبناء عليه، ردت قوات الدعم السريع باعتبار أن قوات الحركات المسلحة باتت هدفاً مشروعاً في الجبهات كافة.
وكانت مجموعة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا في تشرين الأول/أكتوبر 2020 قد أعلنت في 11 نيسان/ أبريل الجاري انحيازها إلى الجيش ومغادرة الحياد والشروع في مهاجمة الدعم السريع في ولاية شمال دارفور بعد استيلاء قوات الدعم السريع على 4 ولايات في إقليم دارفور من أصل 5 ولايات يتشكل منها الإقليم.
وأعلنت حركتا تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم انحيازهما إلى الجيش السوداني ودفعهما آلاف الجنود إلى قتال الدعم السريع في مناطق متفرقة من السودان، ما يعني أن المشهد مرشح لمزيد من التصعيد جغرافياً وعسكرياً، ولا سيما أن القتال امتد إلى مناطق جغرافية جديدة، حتى وصل في 9 نيسان/أبريل الجاري إلى ولاية القضاريف التي كانت تنعم بالهدوء، والتي نزح إليها ما يزيد على نصف مليون سوداني.
لم يكتفِ الفرقاء بالتصعيد الميداني على مدار عام فشلت فيه كل الوساطات والمبادرات الدولية والإقليمية في لمّ الشمل وإنهاء الحرب، بل ذهبوا على وقع العام الجديد إلى خطاب التصعيد المتمسك باستمرار القتال حتى انتصار طرف على الآخر، وهو ما عبر عنه رئيس المجلس الانتقالي وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 11 نيسان/أبريل الجاري خلال خطاب ألقاه أمام حشد عسكري في أم درمان بأن لا سلام ولا تفاوض مع من وصفهم بالمتمردين قبل الانتصار عليهم.
وقال البرهان: "هذه المعركة -سمّاها معركة الكرامة- ضد المليشيا (يقصد "الدعم السريع") ستنتهي بانتصار الدولة والقوات المسلحة والشعب السوداني".
وأضاف: "ليس لدينا أي حديث إلا بعد انتهاء المعركة مع هؤلاء المجرمين"، مشيراً إلى أن جيش بلاده الآن في وضع أفضل مما كان عليه العام الماضي، وهو قادر على مواجهة مؤامرات القوى الخارجية التي سعت لتدميره.
وفي اليوم نفسه، قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي: "خيارنا واحد، وهو النصر". وتابع حميدتي في تسجيل صوتي عبر منصة "إكس": "سننتصر لإرادة شعبنا ولوطننا ولضحايا الحرب والمشردين والمهمشين".
لم يُغلق خطاب التصعيد المتبادل بين البرهان وحميدتي الباب أمام فرص الحلول السلمية، لكنه أفضى إلى إحباط الحاضنة الشعبية التي فشل كلا الرجلين في استمالتها في صراعهما على السلطة من دون مراعاة لمعاناة ملايين السودانيين الذين أتت الحرب الدائرة على تفاصيل حياتهم ومقوماتهم.
وبدلاً من طمأنة الناس والعودة خطوات إلى الوراء، قررا المضي في الحرب حتى النصر، ما يعني أن القتال سيستمر ربما لعام آخر جديد. وقد كان تقدير الرجلين أن الحرب قد تُحسم خلال أسبوعين فقط، فإذا بها تطوي العام الأول من دون نصر ومن دون بادرة للاتفاق أو إرادة للتصالح في الأفق، والسؤال: كيف يمكن حسم الصراع بين الفرقاء في السودان وتحقيق انتصار طرف على طرف؟ ما هو مفهوم الانتصار في بلد تقول الإحصائيات إن إيراداته خلال عام انخفضت إلى نسبة 85%، وتوقفت فيه نحو 1000 منشأة اقتصادية عن العمل، وارتفعت مؤشرات الفقر فيه إلى أكثر من 90% بعد فقدان الموظفين والعمال وظائفهم وعدم حصولهم على رواتبهم، وقفزت خسائره الاقتصادية من 20 مليار دولار خلال الشهرين الأولين للحرب إلى أكثر من 200 مليار دولار حالياً، وأغلق، بحسب منظمة الصحة العالمية، ما بين 70 إلى 80% من مستشفياته، ونزح فيه وفق آخر تقارير الأمم المتحدة 8 ملايين مواطن داخلياً وخارجياً.
مآلات المشهد في السودان واستشراف مستقبله إلى أين تمضي؟ يجيب رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك الذي بات رئيساً للهيئة القيادية لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية في 14 نيسان/ أبريل الجاري، بقوله: "إن السودان يواجه خطر الانقسامات على أسس إثنية وعرقية، ما يهدد بالانهيار الكامل".
وفي كلمة مصورة لمناسبة مرور عام على الحرب في السودان، قال حمدوك: "تكمل الحرب التي تمزق بلادنا عامها الأول. 12 شهراً من الموت والخراب. وفي كل يوم من أيامها، تزداد معاناة أبناء شعبنا. فقد عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين من أبناء الشعب حياتهم، وتشرد الملايين بين مدن النزوح وأقطار اللجوء".
يذكر أن تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية التي يرأسها حمدوك كانت قد قدمت عقب اجتماعات لهيئتها القيادية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 6 نيسان/أبريل الجاري رؤية لإنهاء الحرب الدائرة في السودان، ولم يلتفت إلها ولم يتلقفها أي طرف.
إن غياب الحلول السلمية وعدم قدرة أي طرف من الأطراف المتصارعة في السودان على حسم المعركة لمصلحته، ومع تصاعد المواجهات العسكرية وتمددها جغرافياً، يضع المشهد السوداني أمام عدة سيناريوهات، هي كالتالي:
- استمرار الصراع بين الأطراف المتصارعة من دون قدرة أي طرف على الحسم، ما يعني استنزاف كامل مقدرات السودان البشرية والمادية. هذا السيناريو تداعياته خطيرة جداً، وستفضي إلى حالة تفكك اجتماعي وسياسي في السودان، وخصوصاً في ظل غياب قوى سياسية مدنية سودانية فاعلة ومؤثرة وقادرة على ضبط المشهد والتقدم لتكون بديلاً من طرفي الصراع.
- قدرة أحد الأطراف على استمالة قوى سياسية وعسكرية واجتماعية لمصلحته. ويبدو أن الجيش أوفر حظاً في ذلك، ولا سيما بعد إعلان انضمام الحركات المسلحة إلى الجيش ضد قوات الدعم السريع، لكن هذا السيناريو قد يذهب بالمشهد إلى الحرب الأهلية، لأن قوات الدعم السريع هي الأخرى تحظى ببعض الدعم القبلي والإقليمي من قوى خارجية. وقد يتدحرج الصراع خارج الجغرافيا السودانية إلى دول مجاورة أو إلى حرب بالوكالة.
- الذهاب إلى اتفاق سياسي يضمن للأطراف المتصارعة مصالحها. حدوث هذا السيناريو يقتضي اتفاق القوى الإقليمية والدولية على ذلك، لأن إرادة الأطراف المتصارعة وحدها غير كافية. وتحقق هذا السيناريو ممكن، لكنه يحتاج إلى وقت طويل تصل فيه الأطراف المتصارعة إلى قناعة استحالة الحسم العسكري ووصول مقدراتها البشرية والمادية لحالة من الإنهاك، فيصبح خيار الحل السلمي هو الخيار الوحيد أمامها.