طوفان الأقصى هو الجواب عن السؤال: ما العمل؟

ما العمل؟! هذا هو العمل الذي انتظرناه، هذا هو الجواب الشافي عن سؤالنا الذي عبّر عن حيرتنا، وانغلاق الآفاق أمام شعبنا، وتفاقم سقوط المطبعين من حولنا. ها هو، وها هو جوابه. فيا أهلاً بالطوفان العظيم.

  • لوّعنا هذا السؤال: ما العمل؟
    لوّعنا هذا السؤال: ما العمل؟

لوّعنا هذا السؤال: ما العمل؟

وكلما تفاقم السواد في أيامنا، فإن السؤال يُلحّ ونحن نتفجّع بالسؤال أمام بشاعة ما يُثقل على أيامنا، ويفاقم إحباطنا، ويوجعنا بسبب العجز عن إيجاد الجواب، والشعور بانغلاق الآفاق، بحيث يكاد ينعدم الأمل على رغم ثقتنا بشعبنا وعراقته بتاريخه الثوري الممتد على مدى عقود، وتأبّيه على الترويض وتحويله إلى شعب مُستخزٍ لا تفكير لديه ولا انشغال سوى بخبزه اليومي وسلامته البدنيّة الذليلة.

كنّا نقول: لا، شعبنا أعظم، وأصالته تحميه من كل أساليب التشويه المحيطة به والتي تستهدفه ليل نهار، وتدفع بعض افراده إلى الهرب عبر البحر والمغامرة والموت غرقاً أحياناً.

هل كنا نكابر عندما نعلن تشبثنا بفلسطين كاملة غير منقوصة حبّة تراب في زمن هذا الخراب الثقيل؟!

كنّا نُتهَم بعبارات تيئيسيّة: هذه شعارات الستينيات. فهل كنّا نكابر ونحن نردد بيقين: فلسطين عربيّة من نهرها إلى بحرها، غير ناقصة حبّة رمل واحدة.

كانوا يردون: هذه مزايدة.

وما كان إيماننا يهتز بعروبة فلسطين، وبحتمية انتفاضة عربيّة شاملة تُنقذ قلبها_فلسطين، ورفضها للموت ذُلاً وهواناً.

أوجاعنا تصاعدت ونحن نرى ما يفعله الاحتلال بأهلنا في القدس، ونشعر بالهوان ونحن نرى جنود الاحتلال وهم يهينون أمهاتنا وأخواتنا ويرموهن أرضاً، بتحقير وإذلال.

شعرنا بالقهر يوميّاً ونحن نرى قطعان المستوطنين وهم يقتحمون باحات الأقصى محروسين بجنود الاحتلال، في مشاهد تحدٍّ يُقصد بها ترويض نفوس الفلسطينيين وعقولهم بحيث يخنعون، لكن الفلسطينيين، نساءً ورجالاً، كانوا يُعبرون عن غضبهم ويتصدون بلا سلاح سوى غضبهم وأيديهم وحناجرهم.

"الواقعيون" استقبلوا المطبّعين مُرحّبين فرحين كأنهم يستقبلون مجاهدي جيش صلاح الدين المُحرّر للقدس والأقصى! وعَدُّوا أيام قدومهم بإذن من الاحتلال "أياماً تاريخيّة". يا للعار!

وكنّا نزداد قهراً من مطاردة مجاهدي الجهاد الإسلامي، والمقاومين الحمساويين والفتحاويين، وأصحاب الرأي، ورعاية المبشرين بثقافة الاستسلام على رغم كل ما جرّته مسيرة أوسلو من كوارث على شعبنا، من مصادرة للأرض، والاعتقالات، والقتل المجاني بلامبالاة، كأن جنود الاحتلال يمارسون هواية صيد الفلسطينيين.

ألوف السجناء في سجون "شركاء السلام"، وبعضهم أمضى أكثر من أربعين عاماً في الزنازين، مع معاناة الأمراض الفتاكة، وهم كما وصف بعض أولئك الأبطال وضعهم: نحن نذوب في السجن، وأعمارنا تضيع. فيحرق ارواحنا السؤال: ما العمل؟

نتأمل ما يقترفه العدو بأطفالنا. هل تنسون ما فعلوه بالطفل احمد المناصرة؟ لقد دمّروا طفولته، وحولوه إلى "حُطام" بني آدم. هذا ما فعله ويفعله "شركاء السلام" بأبناء شعبنا، وبنات شعبنا الأسيرات لدى المحتل المجرم المتوحش عديم الإنسانية، والذي يزداد شراسة كلما تواصل الاستخزاء أمامه. وا أسفاه!

مُزّقت الضفّة الفلسطينيّة، وتكاثرت حواجز الإذلال للفلسطينيين، واستشرى الفساد، وتكالب أصحاب المصالح الذين لا يُفكرون في غير مصالحهم وامتيازاتهم ومراتبهم، وكل من لا مصلحة له في المقاومة. وهكذا، تواصلت التنازلات برعاية أنظمة التطبيع، وبعضها كان شجع وساهم في دفع قيادات فلسطينيّة إلى الغرق في ظلمات "أوسلو" ومتاهاته.

وبقي السؤال الموجع؛ السؤال الذي يلحّ على الخروج من المتاهة، يتردد في الأفواه، والعقول، مطالباً بجواب يفتح أمام شعبنا طريقاً وخياراً ومساراً ينفتح على أُفق ثوري مقاوم يُنهي التيه والعجز، ويُخرج شعبنا من حالة التيه واليأس: ما العمل؟!

كنّا لا نرى مخرجاً من الانقسام، ولا نثق بالحوارات، ونُحبط من هيمنة خطاب الاستسلام المتغطّي بالواقعية العاجزة، والتي ينتفع بها الانتهازيون الفاسدون.

وفجأةً، انبلج فجر طوفان الأقصى، واحتجنا، ونحن في حالة ذهول مما نسمع ونرى، إلى أن نتساءل: أنحن في حلم، أم عِلم؟ّ

ورأينا وتابعنا وصدّقنا، فهذا هو شعبنا العربي الفلسطيني العريق في ثوراته، وهبّاته، وانتفاضاته. وهذا هو جوابه عن السؤال: ما العمل؟!

ويُحتسب لحماس وأبطالها، الذين رأيناهم يعبرون الحواجز والموانع ويقتحمون حصون العدو الصهيوني ويُحرّرون ما يسمى مستوطنات غلاف غزّة، ثم نرى أرتال "الأسرى" من جيش الاحتلال، جنوداً وضبّاطاً.

رأيناهم أذلاء مندهشين غير مصدّقين بسبب فرط استهتارهم أن هذا ممكن الحدوث، وأن الفلسطينيين المحاصَرين في قطاع غزة سيقتحمون عليهم حصونهم، ويقتادونهم أشباه عراة إلى غزة وبلداتها ومخيماتها، التي صبّوا عليها حمم أسلحتهم الأميركيّة، واستمتعوا بهدم ما يبنيه الغزيون على رؤوسهم ورؤوس أطفالهم. نعم، هذه غزّة، التي كنتم تجهلون، فذوقوا ذل الانكسار. هذا هو العمل الفلسطيني، الذي لم تتوقعوه بسبب جهلكم شعب فلسطين وتاريخه وتراثه الحضاري، وانتسابه إلى أمة عريقة هزمت الصليبيين والتتار، وحاربت الفرنسيين والإنكليز والأميركيين.

قبل أيام شاهدنا العرض العسكري لأبطال الجهاد الفلسطيني. وكنت أتساءل: كيف سيصل هؤلاء إلى داخل فلسطين. وها هم يصلون، ويأسرون عشرات جنود الاحتلال وضبّاطه.

من أعدّوا طوفان الأقصى، وخططوا، وأنجزوا، هم أبناء شعبنا، ونحن نفخر بهم، ونحن وإيّاهم سنواصل معاً، ومع كل أبطال شعبنا، السيرَ في طريق تحرير فلسطين، في الزحف العظيم، في طوفان الأقصى المتصاعد.

نعم، هذا يوم الثورة الكبرى، ثورة تحرير فلسطين، وفي هذا اليوم ليتشارك كل أخوة السلاح ورفاق السلاح. وهل بغير السلاح نُحرر الأسرى والأسيرات؟ وهل بغير السلاح نحرر فلسطين؟ وهل بغير السلاح نكنس الاحتلال الصهيوني من فلسطين؟!

ما العمل؟! هذا هو العمل الذي انتظرناه، هذا هو الجواب الشافي عن سؤالنا الذي عبّر عن حيرتنا، وانغلاق الآفاق أمام شعبنا، وتفاقم سقوط المطبعين من حولنا. ها هو، وها هو جوابه. فيا أهلاً بالطوفان العظيم.

أمّا أنتم يا من عملتم من أجل هذا اليوم العظيم، يوم نهوض شعب فلسطين، وردّ الروح إلى أمة العرب التي أهانها المطبّعون، يا من لم تنشغلوا بالتسابق إلى الامتيازات والمناصب، فإن فلسطين تكافئكم، وشعبها يكافئكم، وأمتكم تكافئكم، ورضا الشيخ الشهيد عز الدين القسّام يكافئكم، وفخرنا بكم يكافئكم، فلقد أجبتم عن سؤال فلسطين وشعبها وملايين العرب. ويا له من جواب للتاريخ، ولكل الشعوب المغلوبة المعذبة، وهذا هو العمل. فهيا إليه بالسلاح، بالحجارة، بالعصي، بالحناجر، بصرخة: لبيك يا فلسطين.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.