صنعاء تتجه شرقاً.. ماذا في خلفيات مذكرة التفاهم مع الصين في مجال النفط؟
أين يمكن استكشاف النفط في المناطق الخاضعة لسيطرة المجلس السياسي الأعلى إذا كانت المحافظات النفطية لا تزال تحت سيطرة دول العدوان؟
في خطوة تبدو للوهلة الأولى إنجازاً اقتصادياً كبيراً من شأنه كسر تداعيات الحصار، ومد جسور التعاون الاقتصادي مع الشرق، وقعت وزارة النفط والمعادن التابعة لحكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء مذكرة تفاهم مع شركة "أنتون" وممثل الحكومة الصينية، للاستثمار في مجال الاستكشافات النفطية في الجمهورية اليمنية، بحسب ما أوردت وكالة "الأنباء" الرسمية.
وبحسب ما نقلته وكالة"سبأ" عن المعنيين في وزارة النفط، فإن هذه المذكرة جاءت بعد إجراء مفاوضات وتنسيق مكثف مع عدد من الشركات الأجنبية لم تسمها، لاقتناعها بالاستثمار في مجال استكشاف النفط، والمعادن في اليمن، مع استعداد صنعاء تقديم الفرص، والمزايا والتسهيلات إلى الشركات الاستثمارية في هذا القطاع الحيوي والمهم.
حيثيات التفاهم النفطي وأسبابه بين صنعاء وبكين
هناك عدة أسباب دفعت صنعاء عبر وزارة النفط إلى مسد جسر العلاقة الاقتصادية مع الصين من بوابة الاستكشاف في مجال النفط يمكن إجمالها في الآتي:
السبب الجوهري والأساسي أن الجهة الوحيدة المخولة توقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في هذا المجال هي صنعاء عبر وزارة النفط الكائنة في شارع الزبيري بالعاصمة صنعاء، وبالتالي فإن هذا الحق السيادي من اختصاص صنعاء، ومعظم الاتفاقيات مع الشركات النفطية تنص على هذه النقطة بشكل صريح. ما يعني أن أي اتفاقات وتفاهمات مع أي جهات أخرى باطلة وغير شرعية وغير ملزمة.
السبب الثاني أن هذه الخطوة "الجريئة" كما يصفها البعض، جاءت في ظل شحّ الإيرادات وتراجعها، وما ترتب عليه من عجز مالي وفجوة مالية كبيرة بين الإيرادات، والواجبات والنفقات في صنعاء ومناطق سيطرتها بسبب الحصار أولاً، وبسبب استحواذ دول العدوان ومرتزقتها بشكل غير شرعي وغير قانوني على أهم منابع النفط في المحافظات الجنوبية والشرقية (مأرب، شبوة، حضرموت،...إلخ)، كما أن عائدات النفط من مختلف القطاعات كانت ترفد ميزانية الدولة بنسبة تتجاوز 70% ومنها تغطي فاتورة المرتبات والخدمات للموظفين والمواطنين على حد سواء.
ومن الناحية السياسية، فإن هذه الخطوة جاءت في ظل امتناع دول العدوان عن صرف مرتبات الموظفين الذين يتجاوز عددهم وفق الكشوف الرسمية 1.3 مليون موظف مدني وعسكري، بل وعدّ مجلس الأمن وواشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي هذا الحق شرطاً تعجيزياً، فكان الذهاب إلى الصين، باعتبارها دولة كبرى في الميزان الدولي، ومن الدول الخمس في مجلس الأمن، وباعتبار ثقلها الاقتصادي العالمي.
كما أن الاستثمار باب تفتحه صنعاء لجميع الشركات العالمية على قاعدة المصالح المشتركة والمشروعة، باستثناء من يشذ عن هذه القاعدة وفي مقدمتهم كيان العدو الإسرائيلي، وبالتالي قد نشهد دولاً وشركات أخرى توقع مثل هذه المذكرات مع صنعاء، والأمر لم يعد سراً إذ كشف وزير النفط والمعادن لوكالة "سبأ" أن "هناك العديد من المفاوضات الجارية مع عدة شركات عالمية لدخولها في مجال الاستكشافات النفطية في اليمن، وسيتم العمل على وضع اللمسات الأخيرة لتوقيع مذكرات التفاهم معها"، وحذر في الوقت نفسه الشركات الأجنبية من "التعامل أو إبرام أي عقود مع حكومة المرتزقة".
لا شك في أن هذه المفاوضات وهذه التحذيرات ستمثل مصدر إزعاج قوي جداً لدول العدوان، وفي مقدمتها الدول التي تملك شركات نهبت خيرات اليمن على مدى العقود الماضية وبثمن بخس (توتال، هنت،...الخ)، ويمكن أن ندرك ذلك من خلال التصريحات الأميركية والبريطانية وآخرها تصريح السفير الفرنسي جان ماري صفا غير المقيم في اليمن، الذي اتهم صنعاء بـ "حصار الحكومة الشرعية اقتصادياً عبر هجمات تهدف إلى منع أي تصدير للنفط من الموانئ التي تسيطر عليها الحكومة"، وهنا لا يكترث بحكومة المرتزقة ولا بالمواطنين ولا تهمه سوى مصالح بلاده من خلال شركة "توتال"، وعلى ذلك يتم قياس الانزعاج الأميركي والبريطاني والدول التي تملك شركات نفطية.
ما يفسر هذا الانزعاج أن الدول الغربية تدرك تمام الإدراك أن وزير النفط يستند إلى قوة ضاربة (القوات المسلحة) فرضت معادلة قوية "معادلة حماية الثروة، ومنع تهريب النفط" من خلال عمليات الضبة وقنا وغيرها، ولا تزال قائمة منذ قرابة عام، وبالتالي فإن صنعاء تهدد وتنفذ تهديداتها، على هذا الأساس فإن الشركات النفطية والدول المالكة لها تتلقف هذا التحذير على محمل الجد؛ لأنه من غير المنطقي وغير العادل أن تنهب الشركات والدول الأجنبية ثروة بلادك وشعبك يتضور جوعاً ويحرم من أبسط حقوقه في المرتبات والخدمات لسنوات، وحينما تطالب بذلك يصفون مطالبك بـ "التعجيزية" ويصفون عمليات الحماية بأنها "إرهابية".
ثغرات التفاهم النفطي اليمني-الصيني
على عكس الحيثيات التي يسوقها مركز القرار في صنعاء، فإن خبراء اقتصاديين مقربين يرون أن مذكرة التفاهم بين صنعاء والصين، تحمل في طياتها ثغرات تمس بالسيادة، ويشككون في جدية الصين أو الشركات الصينية سواء كانت رسمية أو خاصة.
ويرى أحد الخبراء النفطيين فضّل عدم الإفصاح عن اسمه أن الشركة التي وقعت مع صنعاء، سبق أن وقعت قبل أقل من أسبوع مذكرة مشابهة مع حكومة المرتزقة في مدينة دبي الإماراتية، إذ بحث سعيد الشامسي (وزير النفط في حكومة العليمي المدعومة من قبل العدوان)، مع مدير عام شركة "سينوبك" الصينية في الشرق الأوسط لاستكشاف النفط وإنتاجه، ليبوبا وكينج، استئناف الشركة الاستثمارية في اليمن في قطاع النفط والغاز.
ويشكك الخبير النفطي في جدية الصين، وأنها تتعامل بطريقة ملتوية، إذ إن شركة "أنتون" التي وقعت مع صنعاء، وشركة "سينوبك" التي وقعت مع عدن تخضعان لشركة واحدة (الشركة الأم – نهضة الصين للاستثمار) وهي "CRCI" ويديرها مدير واحد، من بين شركات أخرى مثل "سينوتك"، "هودوف"، "إي - هاوس شينا"، كما أن "سينوبك" لا تزال تعمل في قطاع “S2” في العقلة بمحافظة شبوة، وهي جزء من الشركات التي نهبت 22 مليار دولار خلال الفترة الماضية، وبالتالي يعتقد الخبير النفطي أنه كان يفترض بوزارة النفط في صنعاء، "رفض التعامل مع أي شركة تتعامل مع المرتزقة" من منطلق سيادي دستوري باعتبار أن صنعاء المخولة توقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم كما أشرنا سابقاً، لأن الصمت عن "الاتفاقيات" مع الأطراف الأخرى "يكرس حالة الانفصال ويمس بالسيادة" من وجهة نظرة الخبير.
وبعيداً عن ذلك، ربما هناك ما يبرر لصنعاء ذلك أولاً لأنها المخولة، وثانياً لأنها أمام خيار الضرورة للاستفادة من هذه التفاهمات والاتفاقيات والانفتاح بهدف توفير ما أمكن توفيره لشعب محاصر، ويعاني أسوأ فصول الحرمان من أبسط حقوقه في دولة ليست فقيره بالثروات والمعادن وغيرها، مع الإبقاء على معادلة حماية الثروة ومنع الشركات الأجنبية من نهب ثروات اليمن.
لكن السؤال الجوهري، أين يمكن استكشاف النفط في المناطق الخاضعة لسيطرة المجلس السياسي الأعلى إذا كانت المحافظات النفطية لا تزال تحت سيطرة دول العدوان؟ وهل ستكون محافظة الجوف والمديريات المحررة في مأرب وتهامة أول محطات الاستكشاف؟ أسئلة ستبقى مفتوحة إلى حين الشروع في تنفيذ هذا التفاهم على أرض الواقع.