دورة المجلس المركزي الفلسطيني.. نفق في آخر النفق
هذا يتطلب العودة إلى بداية النفق السياسي الذي دخله المجلس المركزي الفلسطيني، ومعه منظمة التحرير الفلسطينية.
بات من المؤكّد، بعد عدة تأجيلات، أنَّ المجلس المركزي الفلسطيني سيُعقد في رام الله يوم الأحد، الموافق في السادس من فبراير/ شباط الحالي، وبات من المؤكّد أيضاً أنَّه سيُعقد من دون مشاركة ثلاث حركات مقاومة مركزية في الساحة الفلسطينية، هي حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية.
ووفقاً لتصريح السيد سليم الزعنون – رئيس المجلس الوطني الفلسطيني – فإنَّ الملفات التي سيناقشها المجلس المركزي هي: ما تتعرّض له القضية الفلسطينية من حرب استعمارية استيطانية مفتوحة على كامل الأرض الفلسطينية، وخاصة في مدينة القدس المحتلة، إضافة إلى جمود "عملية السلام" في الشرق الأوسط، والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام تحت مظلة الأمم المتحدة لتحريكها، وسُبل تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وآليات تطويرها وتفعيلها، وأخيراً كيفية حماية المشروع الوطني الفلسطيني، مُمثّلاً في تجسيد دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
سليم الزعنون لم يوضح كيف سيناقش المجلس المركزي الفلسطيني هذه الملفات الكبيرة، ويحلّها في يومٍ واحد أو يومين؟!، وكيف اكتشف الفشل في ملفات مواجهة الاحتلال، والتسوية السلمية، والوحدة الوطنية، والمشروع الوطني فجأة؟! وكيف سيرسم المجلس المركزي استراتيجية مواجهة الاحتلال والاستيطان والتهويد تحت حراب الاحتلال؟!، وجدوى عقد مؤتمر دولي للسلام للقضية الفلسطينية، وإمكان تحقيق الوحدة الوطنية عبر منظمة التحرير في دورة للمجلس المركزي بلونٍ واحد تقريباً، وواقعية تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض زُرِعت بالمستوطنات اليهودية وقُطّعت بالحواجز العسكرية... وأسئلة عديدة أُخرى من دون إجابات، ولكنها تعطينا مؤشرات لمعرفة ماذا ينتظرنا في آخر نفق دورات المجلس المركزي الفلسطيني، وهذا يتطلب العودة إلى بداية النفق السياسي الذي دخله المجلس المركزي الفلسطيني، ومعه منظمة التحرير الفلسطينية.
تقرر تشكيل المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في الدورة الحادية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني عام 1973م، لمعاونة اللجنة التنفيذية للمنظمة في تنفيذ قرارات المجلس الوطني وإصدار التوجيهات المتعلقة بتطورات القضية الفلسطينية بين دورات المجلس الوطني، وبذلك يُعتبر هيئة وسطاً بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية. ويتكوّن من اللجنة التنفيذية وممثلين لفصائل المنظمة والاتحادات النقابية وشخصيات وطنية. وقد بدأ بعدد (32) عضواً في الدورة الأولى عام 1985م، وتضخّم العدد مع توالي الدورات ليصل إلى (143) عضواً في الدورة الثلاثين عام 2018م.
ولقد دخلت دورات المجلس المركزي النفق السياسي منذ بدايتها، مع تحوّل الفكر السياسي الفلسطيني للمنظمة باتجاه تقاسم فلسطين مع الكيان الصهيوني، بعد طرح مشروع النقاط العشر عام 1974م، فكان جاهزاً لتبرير التحوّل من النضال الوطني إلى التسوية السياسية، ومن الحقوق الوطنية إلى الشرعية الدولية، ومن الكفاح المسلح إلى المؤتمر الدولي، ومن التحرير الكامل إلى "السلام العادل"... وصولاً إلى الجانب الإسرائيلي بدلاً من العدو الصهيوني... فكانت دورات المجلس المركزي تجسيداً لتراجع الفكر السياسي الفلسطيني كمحطات على طريق قطار المشروع الوطني الفلسطيني الذي دخل نفقاً طويلاً مظلماً نحو المجهول، كانت الدورة العاشرة للمجلس إحدى محطاته الفاصلة.
أقرّت الدورة العاشرة للمجلس المركزي في تونس عام 1991م المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام ضمن الوفد الأردني الفلسطيني المشترك، وأقرّت الدورة الحادية عشرة عام 1992م مبدأ (الأرض مقابل السلام) على أساس قراري الأمم المتحدة 242 – 338، وأقرّت الدورة الثانية عشرة عام 1993م بعد اتفاقية أوسلو إنشاء (السلطة الوطنية الفلسطينية)... فكان المجلس المركزي بتلك القرارات يقود عملية التحوّل في المنظمة نحو نهج التسوية السلمية، ويتوغّل بعمق في النفق السياسي الذي دخلته المنظمة وعلقت داخله. وبعد إنشاء السلطة، عقد المجلس دوراته في غزة ثم رام الله، ليشغل نفسه في قرارات بناء سلطة من دون سلطة، وتجسيد دولة من دون سيادة، وترسيخ نهج سلام أشبه بالاستسلام... وبعد أحداث الانقسام عام 2007م كانت دورات المجلس المركزي ترسيخاً للانقسام، وتركيزاً للقرار الفلسطيني بيد فريق التنسيق الأمني، واحتكاراً لمنظمة التحرير الفلسطينية بيد فئة فرّغت المشروع الوطني من مضمون التحرير.
بناءً على هذا السياق لدورات المجلس المركزي الفلسطيني، التي وصلت إلى آخر محطات التيه في النفق السياسي الفلسطيني بتعزيز سيطرة فريق التنسيق الأمني على المنظمة والسلطة وفتح، ليدخل المجلس المركزي نفقاً جديداً في آخر النفق السياسي سيكون بدوره مدخلاً جديداً لتكريس الفشل والعجز في الملفات الأربعة التي طرحها السيد سليم الزعنون، لتناقش في الدورة المقبلة للمجلس؛ فمواجهة الاحتلال والاستيطان ستصبح تعاوناً مع الاحتلال وتعايشاً مع الاستيطان، والدعوة إلى المؤتمر الدولي للسلام ستصبح نهجاً للهروب من عجز تحويل السلطة إلى دولة أو عدم الرغبة في العودة إلى الثورة، وحصر الوحدة الوطنية بمنظمة التحرير بوضعها الحالي البائس لن يقود إلى تحقيق الوحدة الوطنية وسيؤدي إلى استمرار نهج الإقصاء لحركات المقاومة الفلسطينية، والمشروع الوطني الفلسطيني بتجسيد الدولة الفلسطينية على جزر سكانية مُحاطة بالمستوطنات الإسرائيلية هو وهم اختزل المشروع الوطني وقزّمهُ، بعد أن استولى عليه أشباه الرجال وأمثال الثوار.
الدورة المقبلة للمجلس المركزي الفلسطيني لن تكون مختلفة عن الدورات السابقة للمجلس سوى بمزيدٍ من العجز والفشل أمام الاحتلال والاستيطان والتهويد، ومزيدٍ من ترسيخ الانقسام والإقصاء، ومزيدٍ من الهرولة وراء سراب المؤتمر الدولي ووهم الدولة المستحيلة... وستصل الدورة المقبلة بالمجلس المركزي ومنظمة التحرير إلى آخر نفق التنازلات الوطنية لتدخل نفقاً آخر عنوانه التعايش مع الاحتلال والاستيطان، قد لا تخرج منه أبداً، لتفسح في المجال أمام إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بثوب جديد يحافظ على تراث النضال الوطني الفلسطيني، ويبعثه في إطار جديد، لتكون بيتاً حقيقياً لكل الفلسطينيين المتمسّكين بحقوقهم الوطنية الكاملة، وفي مقدمتها حق تحرير فلسطين الكاملة من البحر إلى النهر، وحق عودة كل اللاجئين إلى وطنهم ومدنهم وقراهم، وحق الاستقلال الوطني الكامل، في إطار الانتماء العروبي والإسلامي، وبدعم من كل أحرار الأمة ومقاوميها، المؤمنين بوعد الآخرة وإساءة وجوه بني إسرائيل حتى زوال كيانهم.