جيش القدس الإلكتروني.. جبهة جديدة في وجه الاحتلال

شهد عام 2022 هجمات إلكترونية غزيرة ومتعددة على "إسرائيل". وكانت هذه الهجمات من أطراف في محور المقاومة، وكان "جيش القدس الإلكتروني" أحد أبرز منفذيها.

  • جيش القدس الإلكتروني.. جبهة جديدة في وجه الاحتلال
    جيش القدس الإلكتروني.. جبهة جديدة في وجه الاحتلال

على الرغم من فارق القوة العسكرية بين المقاومة والاحتلال، فإنَّ المقاومة لم تترك وسيلة في الميدان أو في الفضاء الإلكتروني إلّا واستخدمتها. وخلال الأعوام الماضية - في ظلّ استراتيجيتها صنع جبهات متعددة في مواجهة العدو - فعّلت المقاومة سلاح "السايبر" الإلكتروني، ليكون جبهة عمل متقدمة ومؤثّرة في الاحتلال.

بعد الحرب على غزة عام 2014، بادر الشهيد جمعة الطحلة، القائد في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، إلى إنشاء "جيش القدس الإلكتروني" وتشكيله، كسلاح إلكتروني للكتائب في مواجهة العدو. واستطاع هذا السلاح، خلال وقت قصير، تجاوز كل العقبات، وبات مؤثّراً في مختلف الأوقات، وخصوصاً خلال المعارك والمواجهات، وهو الجيش المسؤول عن أغلبية الهجمات الإلكترونية التي أعلنها جيش الاحتلال خلال الأعوام الماضية.

إنَّ "جيش القدس الإلكتروني" هو عمل فريد وعجيب للمقاومة الفلسطينية، إذ استطاعت كتائب القسام تجاوز كل العقبات التي يضعها الاحتلال، وأسست جيشاً إلكترونياً ممتداً لها يعمل من قطاع غزة، على رغم سيطرة الاحتلال على الطيف الكهرومغناطيسي الإلكتروني للقطاع المحاصر. كما يمتلك الجيش الإلكتروني للقسام امتدادات ومجموعات عمل متعدّدة في دول عربية وإسلامية تناصر القضية الفلسطينية.

وفي الوقت الذي تعيش المقاومة الفلسطينية حصاراً خانقاً يمنع إمدادها بالعدة والعتاد والخبرات، وفي ظل وجود طاقات عربية وإسلامية تريد الجهاد والمشاركة في تحرير فلسطين، فإنّ المقاومة أتاحت عبر "جيش القدس الإلكتروني" الفرصة أمام أصحاب العقول والتخصصات الإلكترونية للمشاركة في مواجهة العدو، وهو الأمر الذي عزّز قدراتها وقوتها في مواجهة الاحتلال.

وما يميز "جيش القدس الإلكتروني" أنّه استطاع تنفيذ هجمات إلكترونية كبيرة جداً على "دولة" الاحتلال من داخل قطاع غزة، خلال الأعوام الماضية، على رغم سيطرة الاحتلال على شبكة "الإنترنت" في قطاع غزة، ولم يتمكّن الاحتلال من إيقاف هذه الهجمات أو إبطال تأثيرها، على رغم استنفاره وحدات "الأمن السيبراني".

يمثل "سلاح السايبر"، اليوم، جبهة جديدة مستقلة بذاتها ومساندة للجبهات الأخرى للمقاومة الفلسطينية. فإلى جانب قطاع غزة والضفة المحتلة والقدس والداخل المحتلَّين، تضاف جبهة "السايبر" التي تواصل المعركة ضد الاحتلال على مدار الساعة. وبات الاحتلال يشاهد آثار عملها في اقتصاده وبنيته التحتية، في كثير من الأحيان.

استطاعت المقاومة، عبر هذا السلاح الإلكتروني، إلحاق الضرر عدة مرات بعمل منظومة "القبة الحديدية" والتأثير فيها والتشويش عليها، وهو ما منح مزيداً من القوة للضربات الصاروخية التي وجهتها المقاومة إلى الاحتلال خلال معركة "سيف القدس" عام 2021، إذ عطّلت كتائب القسام جزءاً من عمل "القبة الحديدية" إلكترونياً عبر سلاح "السايبر"، بالتزامن مع إغراق مدينة عسقلان بأكثر من 130 صاروخاً، وهو ما تسبب بأضرار واسعة في المدينة.

علاوة على ذلك، فإنّ الهجمات التي نفّذها "جيش القدس الإلكتروني" أثّرت في عدة مصالح في "دولة" الاحتلال. واليوم، بات سلاح "السايبر"، الذي طوّرته المقاومة الفلسطينية خلال الأعوام الماضية، يمتلك أوراق قوة للتأثير في الاحتلال، وتوجيه ضربات كبيرة ومؤثرة فيه، في الوقت الذي تحدّده وتقدّره قيادة المقاومة.

فخلال الأعوام الماضية، وتحديداً بعد عام 2018، وجّه "جيش القدس الإلكتروني" ضربات كبيرة إلى الاقتصاد وأماكن حيوية داخل "دولة" الاحتلال، وهو الأمر الذي دفع الاحتلال إلى الردّ على هذه الهجمات الإلكترونية عبر عمليات قصف داخل قطاع غزة، استهدف خلالها عدداً من الأبراج والشقق السكنية في محاولة لصنع معادلة، مفادها أنّ الهجمات الإلكترونية سيكون لها رد ميداني، وهي المعادلة التي كسرتها المقاومة، وواجهتها بتكثيف الهجمات الإلكترونية، ورسّخت معادلة فصل الاشتباك في الميدان عن الاشتباك في الفضاء الإلكتروني.

بات الاحتلال يستشعر حجم خطورة سلاح "السايبر" الذي تمتلكه المقاومة الفلسطينية، لذا وضع العاملين فيه في رأس قائمة الاستهداف والاغتيالات، بحيث استهدف خلال معركة "سيف القدس" وما قبلها أماكن يعتقد أنّها تابعة لهذا السلاح، بينما حاولت أجهزة المخابرات والاستخبارات الخاصة بالاحتلال جمع معلومات بشأن من يعملون في هذا السلاح، وأرسلت بالفعل تهديدات إلى آخرين. وفي معركة "سيف القدس" اغتالت أحد مهندسي "السايبر" العاملين في جيش القدس عبر استهداف مركز عبر طائرة مسيرة داخل مدينة غزة.

وعلى رغم كل ذلك، فإن عام 2022 شهد هجمات إلكترونية غزيرة ومتعدّدة على "دولة" الاحتلال. وكانت هذه الهجمات من أطراف في محور المقاومة، وكان "جيش القدس الإلكتروني" أحد أبرز منفذيها، الأمر الذي أجبر حكومة الاحتلال على توجيه أوامر وطلبات إلى شركات الاتصالات من أجل تكثيف جهودها في مجال الأمن الإلكتروني، وسط معطيات رصدت زيادة بنسبة 70% في الهجمات الإلكترونية التي تتعرض لها "دولة" الاحتلال.

وتقول شركة الأمن الإلكتروني، "تشيك بوينت"، إنَّ هناك قفزة سنوية نسبتها 137% في متوسط الهجمات الأسبوعية على الشركات الإسرائيلية، ووصل عدد هذه الهجمات إلى نحو 1500 هجمة أسبوعياً في عام 2022، وهو ما أكّده وزير الاتصالات السابق لـ"دولة" الاحتلال، يوعاز هندل، في تصريحات صحافية، قال فيها: "نحاول فرض المعيار الصحيح على شركات الاتصالات من أجل حماية إسرائيل، وإقامة نوع من القبة الحديدية للحماية من الهجمات التي تستهدف الأمن الإلكتروني. نعاني آلاف الهجمات الإلكترونية كل عام".

وعلى رغم جهود جيش الاحتلال وأجهزته وشركاته في وقف الهجمات الإلكترونية ومواجهتها، فإنَّ سلاح "السايبر" ما زال يمثل تحدياً حقيقياً لـ"دولة" الاحتلال، إذ مكّن المقاومة الفلسطينية من الوصول إلى عقول الاحتلال ومراكزه، إلكترونياً، بالإضافة إلى تطوير أدوات وأساليب عمل للمقاومة تتجاوز العقبات، وتخترق التطور الكبير لدى الاحتلال في الجانب العسكري.