تقارب إيران والسعودية برعاية الصين.. حضور أقوى لبكين وتراجع لواشنطن في غرب آسيا؟
نجحت الصين في كسر الجدار القائم بين دولتين، إحداهما تجمعها علاقة تحالف مع الصين، هي إيران، التي تناصبها واشنطن العداء، وثانيتهما هي المملكة العربية السعودية، التي تجمعها بالولايات المتحدة علاقة تحالف استراتيجي.
في خطوة مفاجئة على الصعيدين الدولي والإقليمي في غرب آسيا، رعت دولة الصين الشعبية اتفاقا بين المملكة العربية السعودية وإيران لاستئناف العلاقات بين البلدين، وإعادة فتح سفارتي البلدين في طهران والرياض، خلال مدة أقصاها شهران.
وعقب اللقاء الثلاثي، التي عُقدت في العاصمة الصينية بكين، صدر بيان ثلاثي صيني – سعودي – إيراني، يفيد بأن "الجانبين (إيران والسعودية) اتفقا على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقَّعة بينهما في عام 2001". كما اتفقت الدولتان على تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، والموقعة في عام 1998. وأكد البيان التزام الدولتين مبدأ احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وحرصهما على بذل كل الجهود لتعزيز السلم والأمن، إقليمياً ودولياً، عبر التعاون مع الصين.
وكانت مباحثات عُقدت بين 6 و10 آذار/مارس بين وفد من المملكة العربية السعودية، برئاسة الدكتور مساعد بن محمد العيبان، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني في المملكة العربية السعودية، ووفد من الجمهورية الإسلامية الإيرانية برئاسة الأدميرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد وساطة من الرئيس الصيني شي جين بينغ من أجل تحسين العلاقات بين طهران والرياض. وجاءت المبادرة الصينية تتويجاً لجولات حوار كانت إيران والمملكة العربية السعودية أجرتاها خلال عامَي 2021 و2022 في العراق وسلطنة عُمان.
نقلة نوعية في العلاقات الدولية!
تُعَدّ هذه الخطوة تطوراً نوعياً في العلاقات الدولية، نتيجة عدة أسباب، فهي جاءت برعاية صينية، وهي المرة الأولى التي تقوم فيها الصين بتدخل سياسي حاسم في منطقة غرب آسيا لتوفق بين دولتين لهما نفوذ إقليمي كبير، هما إيران والمملكة العربية السعودية. وتأتي الخطوة في اليوم نفسه الذي تم إعلان انتخاب الرئيس الصيني شي جين بينغ لولاية ثالثة، في كسر للعُرف الذي جرت عليه البلاد بعد الزعيمين ماو تسي تونغ ودنغ كسياو بينغ. كما أنها جاءت بعد أشهر قليلة من اختتام أعمال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، الذي شهد تهميشاً للفريق الذي كان يتزعمه الرئيس الصيني السابق هو جينتاو، الذي كان يدعو إلى مهادنة الولايات المتحدة وعدم الدخول في صدام معها، وتدعيماً لنفوذ الفريق الذي يصفه الغرب بأنه "راديكالي"، والذي يتزعّمه الرئيس شي جين بينغ، والذي كان يدعو إلى اعتماد سياسات أكثر استقلالية للصين، ولو تطلَّب ذلك مواجهة مع الولايات المتحدة والغرب.
وهذه الخطوة الصينية هي الأولى في منطقة غرب آسيا، بهذا الحجم، في تاريخ الصين الشعبية، وخصوصاً أنها تأتي في منطقة تمتلك الولايات المتحدة النفوذ الأكبر فيها، في وقت تسعى واشنطن لفرض هيمنتها الأحادية عليها من أجل الانطلاق نحو جبهات أخرى في مواجهة القوى الأوراسية، متمثلةً بروسيا وإيران والصين. ونجحت الصين في كسر الجدار القائم بين دولتين، إحداهما تجمعها علاقة تحالف مع الصين، هي إيران، التي تناصبها واشنطن العداء، وثانيتهما هي المملكة العربية السعودية، التي تجمعها بالولايات المتحدة علاقة تحالف استراتيجي، منذ أكثر من ثمانية عقود.
وعلى الرَّغم من وجوب عدم المسارعة إلى التفاؤل بمسار العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، ووجوب عدم القفز إلى استنتاجات، وخصوصاً أن العلاقة بينهما لا تزال تحتاج إلى مسار طويل حتى تتحسن وتصبح علاقات طبيعية بين دولتين، فإنه في حال حدث تقدم نوعي في هذه العلاقات فإنها قد تساهم في حدوث انفراجات نسبية في عدد من الملفات الإقليمية، مثل الوضع في العراق، والأزمة في لبنان، والحرب على سوريا، والحرب في اليمن. وهذا سيحدث بمعزل عن الولايات المتحدة، التي ستسعى لعرقلة هذه الانفراجات عبر أدواتها الكثيرة، التي تملكها، كما ستسعى لعرقلة تحسن العلاقات بين الرياض وطهران.
الأثر في الرياض وطهران
قامت الرياض بهذه الخطوة بوساطة صينية، ومن دون تدخل من جانب الولايات المتحدة، وهذا يشكل صفعة للأخيرة، إذ إنه، على الرغم من أن الرياض لا تزال تدور في الفلك الأميركي، فإن هذا يشكل تطوراً نوعياً لجهة سعي المملكة لتنويع علاقاتها الدبلوماسية، وعدم الركون فقط إلى الولايات المتحدة. ويعود هذا، ليس فقط إلى سوء العلاقة بين إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بل أيضاً إلى استشراف المملكة تغيراً نوعياً في العلاقات الدولية، لجهة تراجع نفوذ الولايات المتحدة وتوجه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب. وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها المملكة بخطوة كهذه، بل كانت هنالك سابقة تجلّت في معارضة الرياض زيادة إنتاج النفط في الأسواق العالمية بناءً على طلب الولايات المتحدة، في إطار حربها الاقتصادية ضد روسيا. وهذا يُؤْذِن بأن المملكة العربية السعودية تتجه إلى تنويع تحالفاتها السياسية الدولية والإقليمية، وعدم اقتصارها على الولايات المتحدة.
من شأن هذه الخطوة أن تخفّف الضغوط عن كاهل إيران، على نحو يجعلها أكثر قدرة على الالتفات إلى معالجة مشاكلها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، ويجعلها تركز على ساحات تهمها في المواجهة مع الكيان الصهيوني، مثل سوريا ولبنان وفلسطين. وهذا من شأنه أن يعزز موقف إيران في مواجهة الولايات المتحدة، في ظل تعنُّت الأخيرة في فرض شروط للعودة إلى الاتفاق النووي، الذي وقّعته مع طهران إلى جانب فرنسا وروسيا والصين وألمانيا في عام 2015، والذي انسحبت منه خلال ولاية دونالد ترامب في عام 2018.
هذه الخطوة الصينية تضاف إلى خطوة روسية سبقتها في التواصل مع تركيا فيما يخص الوضع في سوريا، بمعزل عن الولايات المتحدة، ضمن منصة آستانة، التي جمعت طهران وموسكو وأنقرة، والتي تتجه كي تصبح رباعية مع انضمام دمشق إلى هذه المحادثات، علماً بأن عدة اجتماعات عُقدت بين وزيري الدفاع السوري والتركي برعاية روسية، كان من المقرر أن تتطور إلى اجتماع بين وزيري خارجيتَي البلدين لولا وقوع الزلزال المدمر في أوائل شباط/فبراير 2023.
هنا نجد أن موسكو استطاعت اجتذاب أنقرة، الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة، إلى إقامة علاقات سياسية في قضية مفصلية تهم واشنطن، هي سوريا، بينما استطاعت الصين أن تجتذب الرياض إلى البحث في موضوع العلاقة بإيران، بمعزل عن واشنطن، على رغم أن السعودية حليفة استراتيجية للولايات المتحدة. كل هذا يُبنئ بتزايد نفوذ القوى الأوراسية في غرب آسيا على حساب نفوذ واشنطن. وهذا يشكل جزءاً من عملية التحول البنيوية، التي يشهدها النظام الدولي، الذي ينتقل من نظام أحادي القطبية، تهيمن عليه الولايات المتحدة، إلى نظام متعدد الأقطاب.