تداعيات الأزمة اللبنانية على "إسرائيل".. ما يخشاه العدو
ما حدث ويحدث في لبنان، وسوريا من قبلُ، لم تكن فيه "إسرائيل" الغائبةَ الحاضرة فقط، بل كانت الحاضرةَ الحاضرة.
تتزايد التوتّرات في منطقة الشرق الأوسط، ونُذُر الحروب والصراع المسلّح في تصاعد، و"إسرائيل" الحاضرة الغائبة في كل بؤر التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، وهي المهدّد الرئيسي، الذي سيُشعل مزيداً من الحروب والنزاعات.
تبنّت "إسرائيل"، منذ احتلالها فلسطين، سياسة شدّ الأطراف وتذكية النزاعات الإقليمية والداخلية، حتى تنشغل المنطقة بقضاياها وخلافاتها، وتستنزف طاقاتها ومواردها، بينما يعمّ الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي "إسرائيل". فهل تحقّق هذا الهدف؟ وهل نجحت في سياستها تجاه المنطقة؟ وما هي الانعكاسات على أمنها واستقرارها ووجودها؟
تاريخياً، تُعتبر "إسرائيل" وحلفاؤها في المنطقة طرفاً رئيسياً في تغذية عدد من الصراعات والحروب، ويدها الخفية حيناً، والظاهرة أحياناً أخرى، عبثت في الأمن الإقليمي، عربياً وإسلامياً، وفي حروب الخليج خلال العقود الأربعة الأخيرة. والصراعاتُ الأهلية في سوريا ولبنان والسودان، وصراعُ المياه بين مصر وإثيوبيا، نتيجة إنشاء الأخيرة "سدَّ النهضة"، خيرُ شاهد على دورها، إلى جانب دور الولايات المتحدة الأميركية، والدول والكيانات المتحالفة معهما، بالتوازي مع السياسات الخاطئة التي اتَّبعتها تلك الدول الغارقة في الصراعات في معالجة أزماتها.
الأزمات والانقسامات والصراعات في المنطقتين العربية والإسلامية صبّت، بلا شكّ، في مصلحة "إسرائيل"؛ وفتحت أمامها عدداً من نوافذ الفرص، أبرزها العمل على إرهاق تيار المقاومة في المنطقة واستنزاف مقدِّراته البشرية والمادية، والعمل، من جهة أخرى، على عزله عن مجاله الحيوي وحاضنته الشعبية، وتحميله مسؤولية الأزمات الداخلية، السياسية والاقتصادية، ثمّ إشعال الفتن الداخلية، في أبعادها السياسية والطائفية والمذهبية.
عزّزت الانقساماتُ والصراعات تحالفاتِ "إسرائيل" واختراقَها المنطقةَ عبر بوابة التطبيع، على قاعدة حماية "تيار الاعتدال والتطبيع" من التهديد والخطر على أنظمته من تيار المقاومة، تحت غطاء الصراع، مذهبياً وطائفياً وأيديولوجياً.
ما حدث ويحدث في لبنان وسوريا من قبلُ، لم تكن فيه "إسرائيل" الغائبةَ الحاضرة فقط، بل كانت الحاضرةَ الحاضرة.
وتصريحات الثلاثي الصهيوني، بينيت وغانتس ولبيد، عن التطورات في لبنان، تعكس خشيته من انقلاب السحر على الساحر، وتحويل الفرص التي سعت "إسرائيل" لتحقيقها إلى تهديد يشكّل خطراً عليها.
فمن جهة، قد تُفضي الأزمة في لبنان إلى مزيد من اعتماده على إيران، بعد امتناع حلفاء "إسرائيل" عن مساعدته حتى الآن، وهو ما سيعزّز مكانة حزب الله وإيران داخل لبنان. وفي حال تعمّقت الأزمة الاقتصادية، على نحو غير قابل للحلول، وزادت احتمالات الاحتراب الداخلي، تخشى "إسرائيل" اتخاذَ الحزب قراراً بالحرب وشنّ هجوم عسكري مباغت عليها، وتحميلها مسؤولية الانسداد السياسي والانهيار الاقتصادي في لبنان، وربما توجيه اتهام مباشر إليها بتفجير مرفأ بيروت، وتحريض الدول الحليفة لها على عدم مساعدة لبنان، وتعميق أزمته الداخلية.
تخشى "إسرائيل" ألاّ تنجح في فكّ شيفرة المقاومة في لبنان بعد أن فشلت في فهم توجُّهات المقاومة وتفكيرها في فلسطين، بعد أن افتتحت الأخيرة معركة "سيف القدس" بهجوم صاروخي مفاجئ على مدينة القدس المحتلة، بعد تهديدها بالردّ على جرائم العدو في القدس والمسجد الأقصى.
خشية العدو الأكبر تكمن في اشتعال حرب إقليمية يشارك فيها تيار المقاومة، وتنضمّ إليها قطاعات شعبية داخل فلسطين المحتلة عام 48، والأردن ولبنان والعراق وغيرها.
سيناريو آخر لا يستبعده العدو، وهو أن تساهم خطواته الاستفزازية في القدس المحتلة والمسجد الأقصى في إثارة الرأي العام، فلسطينياً وعربياً وإسلامياً. وفي إثرها، يعتبرها حزب الله فرصة سانحة كي ينفذ تهديدات السيد حسن نصر الله، والتي أعقبت انتصار المقاومة في معركة "سيف القدس"، وتفعيل خط بيروت القدس. ففي حال أصبح الحزب أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا حرب أهلية لبنانية، وإمّا حرب من أجل القدس المحتلة والمسجد الأقصى، فخياره محسوم ومفهوم.
استفادت "إسرائيل"، بلا شك، من تفتيت الأمتين العربية والإسلامية، وتفكيكهما، ونجحت في تغذية الصراعات فيهما، واستغلّت التنوّع، إثنياً وطائفياً ومذهبياً، وعزّزت التناقضات الداخلية ولعبت على وترها، ودعمت جماعات المصالح، وضخّمت حجم الخصومات والخلافات بين الدول العربية والإسلامية، وروّجت نفسها حاميةً لأنظمة وعروش من تهديدات تيار المقاومة، فأصبحت حليفةً لتلك الأنظمة التي سقطت في وحل التطبيع.
لكن فرص "إسرائيل" التي تحقّقت قد تتحوّل إلى مخاطر وجودية تهدّد كيانها، وهو التهديد الذي بات يخشاه صنّاع القرار الإسرائيلي جهاراً نهاراً. وما يزيد في خشيتهم أكثر هو ما خلّفته معركة "سيف القدس" من اهتزاز في صورة "إسرائيل"، وتفكّكها اجتماعياً وسياسياً، وضعف مناعتها الداخلية، الأمر الذي قد يؤدّي إلى انهيارها السريع في حال نشبت حرب إقليمية. وهو ما سيفاجئ المنطقة بأكملها، كما تَفاجَأ العالم بانهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي.