بوتين والعلاقة مع أذربيجان: التركيز على جنوب القوقاز
يتصرّف الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف على أساس أن العلاقة مع روسيا ضرورة حيوية، ويعمل في الوقت عينه على التوازنات الاستراتيجية والمصالح الاقتصادية والاستقرار الإقليمي، على الرغم من العلاقات الوثيقة مع الغرب.
تبعث زيارة بوتين إلى أذربيجان برسالة إلى الغرب مفادها أن أوكرانيا لا تشغل روسيا عن مصالحها ولن تتخلى عن دورها في جنوب القوقاز، وهي قادرة على التقدّم في الممر الشمالي الجنوبي مع إغلاق البوابة الغربية، ويمكنها بسهولة اختراق الحصار الجيوسياسي الذي يحاول الغرب فرضه.
لم تشهد علاقة روسيا بأذربيجان أي انحراف، لم تتجه أذربيجان نحو الأطلسي ولم تحاول كجورجيا الاستيلاء على أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بقوة السلاح، ولم تهرب إلى الحماية الغربية كأرمينيا، رغم الدعم الروسي لها.
العلاقة مع أذربيجان هي بين متساويين؛ المصالح الاقتصادية والتوجّهات السياسية جعلت من أذربيجان الشريك الرئيسي لروسيا في جنوب القوقاز. في حين، تحوّلت أرمينيا مع وصول رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان إلى السلطة إلى خنجر في صدر روسيا. وهي تحاول الخروج من منظمة معاهدة الأمن الجماعي وتحسين العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة وفرنسا تحت حجة أن روسيا لم تأتِ لمساعدتها في حربي 2020 و2022.
بوتين يريد استعادة الدور الروسي في جنوب القوقاز، بعد محاولات الغرب السيطرة عليه. يفوز بأذربيجان التي تنوّع علاقاتها وهو يعتقد أن أرمينيا رغم محاولاتها لا تستطيع الذهاب إلى الغرب، وتؤكد الزيارة إلى باكو أنه لا يمكن التغلّب على روسيا بسهولة في جنوب القوقاز. فما هي نتائج زيارة بوتين إلى أذربيجان؟
يتصرّف الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف على أساس أن العلاقة مع روسيا ضرورة حيوية، ويعمل في الوقت عينه على التوازنات الاستراتيجية والمصالح الاقتصادية والاستقرار الإقليمي، على الرغم من العلاقات الوثيقة مع الغرب. أدت حربان في القوقاز إلى تضييق نطاق النفوذ الروسي لصالح تركيا. لكن علييف سرعان ما تحوّل إلى سياسة التوازن في مواجهة المصالح المتداخلة أو المتضاربة لتركيا وروسيا.
التوازن مع تركيا واستقبال بوتين
يعمد علييف إلى تحقيق التوازن مع تركيا، التي تزايد نفوذها في المنطقة منذ حرب كاراباخ، وبعد تصريحات الرئيس التركي طيب إردوغان حول المساعدة التي قدّمتها أنقرة في تحرير كاراباخ بدا وكأنه يعتبر أن أذربيجان مديونة لبلده سياسياً عسكرياً. تحاول أذربيجان عدم الوقوع تحت نير تركيا، وهي تقيم علاقات تحالف مع روسيا التي لن تترك جنوب القوقاز. أما استضافة بوتين من قبل علييف وزوجته في منزلهما الخاص فكان مؤشراً على أهمية العلاقة مع روسيا.
عمل بوتين على تأكيد التوازن مع أذربيجان فوضع إكليلاً من الزهور على قبر صديقه حيدر علييف وزوجته، وأكد علييف خلال الزيارة أهمية الثقافة الروسية في أذربيجان وعدد المدارس وهي أكثر من ثلاثمئة وتعلّم اللغة الروسية. كما أعلن الرئيس الروسي عن إنشاء الجامعة الروسية الأذربيجانية في باكو.
الاتفاقيات والمصالح الاقتصادية
ترتكز العلاقات الأذربيجانية الروسية على نحو 170 اتفاقية. وتم خلال الزيارة الأخيرة التوقيع على ثلاث اتفاقيات وثلاث مذكرات تفاهم. أبرزها التركيز على آلية خلط الغاز الروسي بالغاز الأذربيجاني وبيعه للأسواق الأوروبية. وقال علييف أيضاً إنهم سيعملون بالتنسيق في قطاع الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء. وبطبيعة الحال، فقد تقرّر أنه لا يوجد ما يكفي من العجز في القدرة في خطوط أنابيب الغاز TAP وTANAP إلى أوروبا لإرضاء روسيا. قد تشتري أذربيجان الغاز من روسيا للاستهلاك المحلي وتزيد صادراتها.
واستهلكت أذربيجان، التي أنتجت 48.3 مليار متر مكعب من الغاز العام الماضي، نصفها تقريباً محلياً. وقال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أيضاً إنهم يعملون على مشروع جديد في حوض قزوين.
أما ممر النقل بين الشمال والجنوب فهو حاز على الأهمية الثانية وقال بوتين: "هذا الممر سيسمح لنا بالوصول إلى شواطئ المحيط الهندي". يبدأ الممر من الهند، ويذهب إلى القوقاز عبر الموانئ الإيرانية، ويؤدي إلى روسيا عبر اتصال أذربيجان بقزوين، وهي خطة قديمة. ولكن تمّ تسريعها بعد حرب أوكرانيا، كما تولي إيران أهمية كبيرة لها. ووفقاً لعلييف، تم تنفيذ قطاعي السكك الحديدية والسيارات في الجزء الأذربيجاني.
تستمرّ أعمال التحديث على السكك الحديدية، وقد تمّ تخصيص 120 مليون دولار لهذا الغرض في عام 2024. أما في عملية إنتاج الناقلات المشتركة فسيتمّ استخدام الناقلات الحديثة التي ستنقل النفط والغاز الطبيعي في بحر قزوين وعلى طرق آزوف والبحر الأسود"..
التجارة الثنائية كانت على جدول الأعمال، تعدّ روسيا ثالث أكبر شريك تجاري لأذربيجان بعد إيطاليا وتركيا. ويتجاوز حجم الاستثمارات الروسية في مجالات مثل البنوك والبتروكيماويات وإنتاج الشاحنات وصناعة النبيذ وصناعة الأغذية 8.7 مليارات دولار، وتبلغ استثمارات الأذربيجانيين في روسيا نحو 1.2 مليار دولار.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن حصة العملات الوطنية في التجارة آخذة في الازدياد. وأعلن بوتين دعمه لهدف أذربيجان المتمثّل في زيادة مكانتها في منظمة شنغهاي للتعاون وعضويتها في البريكس.
المصالح تجمع أذربيجان وطهران وروسيا
أكدت روسيا أنها تريد تأدية دور في محادثات السلام بين أذربيجان وأرمينيا التي فشلت في إحراز أيّ تقدّم بعد أن أصبحت كاراباخ تحت السيطرة الأذربيجانية..
قضية تحديد الحدود وفتح خطوط النقل تركت لمرحلة لاحقة. بعد أن تمّ حذف المادة الخاصة بممر زانجيزور من مسوّدة اتفاق السلام. إردوغان كان مستعجلاً يريد فتح الممر، لم يتراجع باشينيان فيما يتعلق بحماية الحقوق السيادية على الطريق، لكنه رفض أي دور لحرس الحدود الروسي.. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد اتهم باشينيان بتخريب الاتفاق.
أما إيران فهي لن تسمح بتغيير الحدود والوضع الجيوسياسي، حذرت طهران يريفان من نشر قوات أميركية فرنسية في المنطقة. وأدت علاقة باشينيان بايران إلى طي صفحة التوترات مع باكو.
طوّرت باكو وطهران الطريق الإيراني بين ناختشيفان وأذربيجان. جرى إنشاء السكة الحديد الموازية للطريق السريع على طريق آراس في تشرين الأول/أكتوبر 2023، واتفقت إيران وأذربيجان على تعزيز الممر بين الشمال والجنوب. وقد نوقشت هذه القضايا خلال زيارات أمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إلى طهران وباكو في أوائل آب/أغسطس.
تستمر المحادثات الثنائية بشأن ترسيم الحدود بين أرمينيا وأذربيجان. تأمل أرمينيا أن تتدخّل مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أما روسيا وأذربيجان فهما تتفقان على إغلاق مجموعة مينسك، ويفضّل بوتين رعاية المحادثات في صيغة موسكو-باكو-يريفان التي تأسست في عام 2020. يعمل بوتين على منع التدخّلات الغربية في جنوب القوقاز وحفظ أمنه ومشاريعه.