السّعودية تكيل بمكيالين: تستكين للإنكليز وتعادي العرب
منذ اندلاع الحرب السّعودية على اليمن، لم تتوقَّف الانتقادات في بريطانيا للسعودية على كلِّ المستويات.
على مدى سنوات، ضجّت شاشات التلفزة والبرلمان والشارع البريطاني بأوصاف أكثر حدّة من وصف وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي الحرب السعودية على اليمن بالعبثية. بعض السياسيين وصفوها بالحرب "غير الأخلاقية"، وآخرون شبّهوها بـ"حرب القرون الوسطى العديمة الرحمة". رغم كلِّ هذه الانتقادات، لم تصدر الحكومة السعودية أيّ ضجيج، بل لاذت بالصَّمت.
منذ اندلاع الحرب السّعودية على اليمن، لم تتوقَّف الانتقادات في بريطانيا للسعودية على كلِّ المستويات، رفضاً لحربها ضد اليمن. لم تأخذ الرياض أيَّ إجراء قانوني، ولم تهدد بخفض الصادرات البريطانية إليها، بل أكثر من ذلك، تتفاوض الرياض حالياً مع الحكومة البريطانية لعقد صفقة تجارية تاريخية في المجالات التكنولوجية والصحية والتعليم.
ربما كانت المرة الأولى التي يسمع فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنَّه "قاتل لأطفال اليمن" و"مجرم" أمام الدوانيينغ ستريت في لندن، عندما زارها منذ 3 سنوات لأول مرة، وكانت في استقباله رئيسة الوزراء السابقة تيرزا ماي.
الحسابات الاقتصادية والاستراتيجية ربما قد تفرض على الحكومة البريطانية الانحياز إلى الجانب السعودي، بل حتى مساعدة المملكة في الحرب ضد اليمن، لكن الضغوط الشعبية والسياسية دفعت وزير الخارجية السابق دومينيك راب إلى إدراج 20 مسؤولاً سعودياً في لائحة ماغنيتسكي التي شملت شخصيات مقربة من ولي العهد السعودي، مثل القحطاني وأحمد عسيري؛ نائب رئيس الاستخبارات السعودية. هذه الخطوة الجريئة أزعجت الرياض، لكنها لم تعكّر صفو العلاقات الثنائية بين البلدين.
الحرب على اليمن أحدثت تحولاً جذرياً في الصورة النمطية للسعودية لدى الرأي العام البريطاني؛ صورة قد تتفاوت في توصيف العدوان السعودي ضد الشعب اليمني، لكنَّ المعارضة البريطانية تجمع على عبثية الحرب.
كير ستارمر، الزعيم الحالي للمعارضة البريطانية، هاجم بوريس جونسون بشدة في جلسة برلمانية في آذار/مارس 2021، بسبب استمراره بتصدير السلاح إلى السعودية، "على الرغم مما يحصل في اليمن، ومن السجلّ الحقوقي للسعودية في قتلها خاشقجي، واعتراف الولايات المتحدة بأن عملية القتل تمت بموافقة ابن سلمان"، على حد قوله.
الزعيم السابق للمعارضة البريطانية جيرمي كوربن لم يترك مناسبة أو تحركاً من دون دعم الشعب اليمني، فضلاً عن إدانة العدوان السعودي على اليمن، وكان من أوائل الداعمين لتحرك الحملة ضد تجارة السلاح أمام المحاكم البريطانية، لوقف صادرات الأسلحة إلى السعودية.
أندرو ميتشل، الوزير السابق للتنمية الدولية في حكومة المحافظين، أكد للقناة الرابعة الإنكليزية أن "السعودية تريد سحق الشعب اليمني وإعادته إلى العصر الحجري، فضلاً عن معاقبته في حرب خاطئة".
كارولين لوكاس، زعيمة حزب "الخضر" البريطاني، هاجمت عدة مرات حكومتها، مطالبةً بالوقف الفوري للحرب "غير الأخلاقية" ضد الشعب اليمني، فضلاً عن وقف تصدير السلاح إلى السعودية. أد دايفي، زعيم حزب الليبراليين الأحرار، يعدّ أحد الموقّعين على عريضة برلمانية تطالب الحكومة البريطانية بالتوقف عن دعم السعودية في حربها ضد اليمن.
زعيم حزب الوطني السكوتلندي في البرلمان إيان بلاكفورد وصف، في جلسة برلمانية، الحرب السعودية بـ"المدمرة للحياة الإنسانية في اليمن"، داعياً الحكومة إلى تعليق صادرات الأسلحة إلى السعودية.
لم يكتفِ البريطانيون بالتظاهر بالآلاف احتجاجاً على أداء حكومتهم في دعم الحرب على اليمن، وهم يستعدون لاتخاذ اجراءات قانونية ضد قادة السعودية والإمارات لارتكابهم جرائم حرب في اليمن. ويبدو أن محمد بن سلمان أمام ورطة جديدة في بريطانيا، وربما يتعرض للاعتقال في حال حضوره قمة المناخ في غلاسكو، بعدما تقدمت شركة محاماة بريطانية قبل أسبوع بطلب إلى شرطة سكوتلاند يارد للتحري والتحقيق في مسؤولية نحو 20 مسؤولاً سعودياً وإماراتياً في ارتكاب جرائم الحرب في اليمن. طلبُ التحقيق استند إلى مبدأ الصلاحية الدولية الذي تم توقيف رئيس تشيلي بينوشيه في لندن قبل 17 عاماً بناء عليه.
تحاول السعودية جاهدة تبييض صورتها في بريطانيا، وتغدق أموالاً طائلة في هذا المجال. صحيفة "الغارديان" كانت قد كشفت عن إنفاق الرياض ملايين الجنيهات لشركات علاقات عامة بريطانية، بغرض تحسين صورة المملكة السعودية في الداخل والخارج. وعلى الرغم من الأموال التي دفعتها السعودية لتبييض صورتها، من خلال شراء نادي نيوكاسل، فإنَّ ذلك لم يمنع مشجّعي نادي كريستال بلاس، على سبيل المثال، من حمل لافتات تصف ابن سلمان بالقاتل والمجرم خلال المباراة.
ينقل الكاتب البريطاني مارك كارتس في كتابه "الشؤون السرية"، المستند إلى وثائق وزارة الخارجية البريطانية، شكوى رئيس وزراء بريطانيا أنتوني إيدن إلى الرئيس الأميركي أيزنهاور من دور المال السعودي في تخريب العراق إبان حكم الملك فيصل، وذلك في لقاء جمعه به في شباط/فبراير 1956. إيدن لفت أيضاً إلى تذمّر الرئيس اللبناني كميل شمعون من "التأثير الشرير للمال السعودي في عموم الشرق الأوسط".
يبدو أنَّ المال السعودي الذي تذمَّرت بريطانيا منه يوماً بات حاجة لتحريك عجلة الاقتصاد المثقل بالأزمات. وربما تستغرق السعودية سنوات إضافية حتى تتمكَّن من تبييض صورتها التي تلطّخت بدماء أطفال اليمن أمام الرأي العام البريطاني.