شكراً إيران! سيناريو "المسرحية" رائع وأداؤكم بارع
حسناً إنها مسرحية! ولكن كانت "مسرحية" غاية في الإبداع والإتقان، بطلتها إيران وخشبة مسرحها كرامة الكيان. وقد أدت أميركا وفرنسا وبريطانيا والأردن، إلى جانب "إسرائيل"، دور "الكومبارس"!
اختلف الناس في قراءة سيناريو الرد الإيراني على "إسرائيل" بعد اعتدائها على القنصلية في دمشق فجر الرابع عشر من نيسان الجاري، متأثرين بحملة تشويه وتشويش حاولت التخفيف من وقع الحدث التاريخي الذي سيرسم مساراً جديداً لطبيعة المواجهة أو التسوية في المنطقة.
وأكثر ما تم الترويج له، للضحك على عقول السذج، أن الحدث مسرحية متفق عليها مسبقاً بين إيران وأميركا.
حسناً إنها مسرحية! ولكن كانت "مسرحية" غاية في الإبداع والإتقان، بطلتها إيران وخشبة مسرحها كرامة الكيان. وقد أدت أميركا وفرنسا وبريطانيا والأردن، إلى جانب "إسرائيل"، دور "الكومبارس" بكلفة تجاوزت مليار دولار أميركي!
أما المشاهدون، فملأوا الصفوف الخلفية من إيران إلى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا والأردن، وحجز الفلسطينيون الصفوف الأولى ليشاهدوا، وينقلوا لمن فاتته متعة المشاهدة، صور الصواريخ الباليستية وهي تتساقط على قواعد العدو الغاصب، مخترقة طبقات منظومات الدفاع الجوي التي تولت إضافة المؤثرات الصوتية والبصرية لتضفي مزيداً من التشويق والإثارة على المشهد الأخير.
ولم ينسَ الشعب المتروك منذ 75 عاماً أن يعبر عن امتنانه وإعجابه تهليلاً وتكبيراً وتصفيقاً وترحيباً، فشكراً إيران على هذا السيناريو المكتوب ببارود الكرامة والسيادة والردع، والذي رسم بخطوط النار قواعد الاشتباك الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، لتضع الجمهورية الإسلامية حداً فاصلاً بين الصبر الاستراتيجي والرد الاستراتيجي عندما يتعلق الأمر بالمصالح الكبرى والموقع والدور والهيبة والردع.
لنترك جانباً فتات اللاعقين على موائد الخانعين، ولنلقِ نظرة سريعة على بعض القراءات الواقعية من أصحاب الشأن الذين قالوا وكتبوا بعض ما فهموا من هذا التحول الكبير في المقاربة الإيرانية الجديدة للمواجهة المباشرة مع "إسرائيل"، ومن خلفها أميركا وحلفاؤها في المنطقة والعالم.
يقول خبير الأمن القومي الإسرائيلي العقيد كوبي ماروم: "هناك محاولة إيرانية لتغيير قواعد اللعبة ومعادلة الردع في مواجهة إسرائيل. إنها تشن حرباً ضدنا منذ 6 أشهر، ولم تدفع ثمناً باهظاً".
وقالت صحيفة "إسرائيل هيوم": "إيران توقفت عن الخوف، وهذه بشرى سيئة للأميركيين وحلفائهم في المنطقة"، وقالت الصحيفة نفسها في موضع آخر: "الهجوم الإيراني هو تذكير صارخ بفقدان الردع الاستراتيجي لإسرائيل والولايات المتحدة أيضاً".
أما صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فكتبت: "يشير وابل النيران الإيراني الذي يهدف إلى إلحاق ضرر استراتيجي بالقدرات الجوية والاستخباراتية للجيش الإسرائيلي إلى أن إيران مقتنعة بأن إسرائيل ضعفت عسكرياً ومدنياً، وأن إيران تعززت عسكرياً إلى حد يمكنها من الدخول في معركة مباشرة معها".
أما التسريب الأكثر إثارة، فحصل عليه الصحافي الاستقصائي الإسرائيلي رونين بيرغمان من مصدر مطلع على النقاشات التي جرت في مجلس الحرب بشأن إيران: "لو أذيعت النقاشات مباشرة على يوتيوب، لوجدت 4 ملايين إسرائيلي يحتشدون في مطار "بن غوريون" محاولين الفرار من هنا".
بطبيعة الحال، لن يرى ولن يسمع المهزومون هذه الحقائق، وسيرددون معزوفة "المسرحية"، لا لأنهم لا يعرفون الحقيقة، بل لأن الحقيقة تجرحهم وتحرجهم أمام جمهورهم، فقد أسقطت إيران بردها كل سردية الشيطنة التي حاولوا إلصاقها بطهران، مرة بعناوين طائفية، وأخرى بعناوين عرقية وشعوبية، وأثبتت بنداء "يا رسول الله" أن القضية الفلسطينية والعداء الوجودي لـ"إسرائيل" ثقافة وعقيدة راسخة في العقل والوعي الإيراني.
وما بعد الرد، ستقف "إسرائيل" مطولاً أمام الحدث لأخذ العبر والبناء عليها، ومن أبرزها:
- ماذا لو هاجمت إيران مجدداً بموجات متتالية من المسيرات والصواريخ لتستهدف منشآت مدنية حيوية، وأخرى عسكرية؟ كيف سيحمي الكيان نفسه؟!
- ماذا لو تدخل حزب الله من "المسافة صفر" وأطلق بعض ما في جعبته من صواريخ ثقيلة ودقيقة؟!
- ماذا لو ترافق هطول الصواريخ والمسيرات مع اقتحام آلاف المقاتلين أراضي فلسطين المتحلة؟!
هذه وغيرها الكثير من الأسئلة الوجودية تقض مضاجع قادة العدو. أما الجواب، فجاء على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن على شكل نصيحة أسداها لرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو: "قل إنك انتصرت وأنهِ الحدث".
هكذا ببساطة، ابلع الضربة ولا تتورط بحرب مباشرة مع إيران واحتفظ بالرد في الزمان والمكان المناسبين، فهذا زمان إيران وهذا مكانها الطبيعي في الإقليم! وهذا ما يفسر كلام رئيس وزراء العدو الأسبق إيهودا باراك الذي قال في مقابلة مع شبكة "سي إن إن": "الآن ما نحتاجه هو التفكير قبل اتخاذ إجراء واعتماد نوع معين من الصبر الاستراتيجي".
وقد فات باراك أن شعبه لا يملك ترف الوقت ولا حافزية الانتظار لتكوين استراتيجية طويلة المدى، فالكيان شارف على الثمانين، وعقدة الثمانين تؤرقه!