الأردن لم يتعلَّم درس الأزمة
الدرس الذي تعلمناه من الأزمة أن مصالح الأردن مرتبطة بشكل أساس بجيرانه العرب، وأن حضور العدو، سواء الصهيوني أو الأميركي، هو الخطر الحقيقي على أمن الأردن ومصالحه.
خلال ما سُمي بـ"الربيع العربي"، اشتهرت "غرفة الموك" بصفتها أحد مراكز التخطيط والتنفيذ للحرب التي تشن على سوريا. رغم الدور المهم الذي أدته هذه الغرفة في تصعيد الحرب، فإنَّ الحدود الشمالية للأردن ظلت هادئة، فإذا استثنينا عملية التفجير الإرهابية التي ارتكبها داعش في مخيم الركبان الأردني، فتلك الحدود لم تشهد نشاطاً عسكرياً يذكر، وسط تسريبات عن وجود تفاهم أمني أردني - سوري مشترك للحفاظ على أمن الحدود.
رغم الحملات الإعلامية، لم تشهد العلاقات بين البلدين أزمة حقيقية، فاستمرت حركة البضائع والمسافرين حتى سيطرة العصابات الإرهابية على معبر نصيب على الجانب السوري لمدة تقارب 3 سنوات. جاء فتح الحدود بين البلدين عام 2018 لينعكس إيجاباً على القطاعات الاقتصادية في البلدين، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما عام 2019 ما يقارب 118 مليون دولار.
وساد التفاؤل بعودة التبادل التجاري إلى المستويات التي كان عندها قبل الأزمة، إذ بلغ عام 2011 ما يقارب 700 مليون دولار، تضاف إليها حركة تبادل نشطة لنقل البضائع من دول الخليج والأردن إلى سوريا وتركيا ودول أوروبا الشرقية، وبالعكس بواسطة أسطول شاحنات أردني بلغ 500 شاحنة.
يقدّر الخبراء خسائر الأردن نتيجة الحرب على سوريا بنحو 20 مليار دولار، ويعتبر هؤلاء الخبراء أن هذه الخسائر كانت أحد العوامل المهمة التي أسهمت في الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الأردن.
بالأرقام، ارتفعت ديون الأردن من 13.4 مليار دولار عام 2011 لتبلغ 41.5 مليار دولار حتى نهاية تشرين الثاني 2023، وارتفعت نسبة البطالة خلال الفترة نفسها من نحو 11% إلى 23.3%، وارتفعت نسبة الفقر من نحو 13% إلى ما يقارب 37%، من دون أن نغفل العوامل الأخرى التي أسهمت في الأزمة، مثل تراجع المساعدات العربية وآثار وباء كورونا.
منذ معركة "سيف القدس"، تصاعدت الحملات السياسية والإعلامية الأردنية ضد سوريا. تركّزت هذه الاتهامات على عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات عبر حدود الأردن الشمالية الأردنية. وقد أعلن الأردن إسقاط طائرات مسيرة تحمل المخدرات والأسلحة قادمة من سوريا، وأشار بأصبع الاتهام إلى ما سمّاه "مليشيات مدعومة من إيران".
تجاهلت هذه الحملات أنَّ عمليات التهريب عبر الحدود ليست جديدة، وأنها ليست محصورة بحدود بعينها، بل هي موجودة على جميع الحدود وفي كل بلدان العالم.
تخلط هذه الحملات بين التهريب كنشاط معتاد على الحدود تقوم به عصابات إجرامية كانت في معظمها جزءاً من العصابات الإرهابية التي درَّبها وسلَّحها الأردن خلال الحرب على سوريا، ومحاولات بعض فصائل المقاومة، وخصوصاً الفلسطينية، لتمرير أسلحة إلى مناطق الضفة الغربية دعماً للمقاومة هناك.
هذا الخلط ليس بريئاً، فهو من ناحية يتبنى الرواية الأميركية التي تتهم سوريا والمقاومة بتصنيع المخدرات وتهريبها. من ناحية أخرى، يقدم الغطاء للغارات التي يشنّها سلاح الجو الأردني في الداخل السوري والنتائج التي يمكن أن تحدث في حال الرد على هذه الغارات.
في لقاء عقده القائم بالأعمال السوري في عمّان مع مجموعة من الشخصيات السياسية والصحافية، أوضح المسؤول السوري بعض الحقائق التي تتعلق بما يحدث على الحدود السورية – الأردنية. أهم هذه الحقائق:
- حدث اتفاق في اجتماع اللجنة الأمنية السورية الأردنية المشتركة على تزويد الجانب السوري بقوائم أسماء المتورطين في الجانب السوري مما يظهر في تحقيقات الجانب الأردني، لكن القوائم التي وصلت ضمّت أسماء أشخاص متوفين أو مسجونين في سوريا بتهم مختلفة.
- أرسل وزير الدفاع السوري رسالة إلى نظيره الأردني طلب فيها رفع مستوى التنسيق بين البلدين وتسيير دوريات مشتركة على الحدود، وقام مدير المخابرات السورية بإرسال 5 رسائل بالمحتوى نفسه إلى نظيره الأردني. وكذلك، أرسل وزير الخارجية السوري رسالة إلى نظيره الأردني. جميع هذه الرسائل ظلت من دون رد من الجانب الأردني.
- جميع الغارات التي شنها الطيران الأردني في العمق السوري كانت من دون تنسيق مع الجانب السوري الذي أبدى استعداده للتعاون في أكثر من مناسبة. وقد فضّلت سوريا حل هذا الموضوع من خلال الحوار المشترك بين البلدين، لأنها حريصة على عدم التصعيد مع جيرانها العرب.
رغم كل هذه الاعتبارات، تستمر الحملات الإعلامية والسياسية الأردنية على سوريا. وقد وصل الأمر بأحد النواب الأردنيين إلى مطالبة الجيش الأردني والأجهزة الأمنية بضربها.
ويستمر نشر قوات معادية على الحدود الشمالية للأردن، ما يشكل شرارة قابلة للانفجار في أي لحظة، وخصوصاً في ظل إعلان حركات المقاومة نيتها استهداف الوجود الأميركي في المنطقة.
في ظل الأزمة "المفتعلة" على الحدود الشمالية، يغيب الحديث عن الأزمة الحقيقية التي يمكن أن تعانيها الحدود الجنوبية للأردن، وخصوصاً ميناء العقبة، نتيجة المواجهات في البحر الأحمر وبحر العرب. هذه العمليات يمكن أن تؤثر، إذا استمرت، في انخفاض العمل في هذا الميناء، ما ينعكس سلباً على الاقتصاد الأردني، وخصوصاً قطاع النقل الذي بالكاد بدأ يتعافى من آثار إغلاق الحدود الأردنية السورية ووباء كورونا.
الدرس الذي تعلمناه من الأزمة أن مصالح الأردن مرتبطة بشكل أساس بجيرانه العرب، وأن حضور العدو، سواء الصهيوني أو الأميركي، هو الخطر الحقيقي على أمن الأردن ومصالحه.
هذا ما أثبتته عملية استهداف القاعدة الأميركية على الحدود الأردنية السورية، والتي تؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات تحمي الأردن من التورط في الحرب الأميركية - الصهيونية على محور المقاومة.
الإجراء المطلوب هو إلغاء الاتفاقيات الأمنية مع الولايات المتحدة ودول الناتو، والطلب من القواعد الأميركية مغادرة الأراضي الأردنية. هذا المطلب الذي رفعه الشارع الأردني منذ بداية معركة طوفان الأقصى أصبح أمراً ملحاً لحماية أمن الأردن ووضع سياسته في مسارها الصحيح بدعم المقاومة الفلسطينية.