إيران وشنغهاي والمسافة صفر
اهتمام إيران بمنظمة شنغهاي يعكس رؤيتها لتعميق العلاقات أكثر مع دول شرق آسيا وأوراسيا ودول الجوار اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.
تطوي منظّمة شنغهاي عامها العشرين، وسط مشهد لا يزال ضبابياً في أفغانستان، وفي ظلّ اختلافاتٍ في الرؤى بين أعضائها على مقاربة هذا الملف وطريقة التعامل مع حكومة الأمر الواقع التي خلَّفها الانسحاب الأميركي على عجل بين ليلة وضحاها.
المسألة الأفغانيّة وتداعياتها حالياً واحدة من تحدّيات عديدة تواجه أعضاء المنظمة، وفي مقدمها توتر العلاقات الصينية الأميركية منذ رئاسة دونالد ترامب إلى اليوم، في إطار استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة للحدّ من الصعود الصيني اقتصادياً وسياسياً ومخاطره على مصالحها الدولية، والأمر تعدى مواجهة الصين اقتصادياً إلى إثارة الاضطرابات والفوضى في هونغ كونغ، والتوتر مع تايوان، واستفزاز بكين في بحر الصين الجنوبي وفي قضية الإيغور في إقليم سين كيانغ.
ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى روسيا التي تواجه محاولات واشنطن زعزعة الاستقرار في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق واستقطابها إلى فلك حلف الناتو، ما يشكّل تحدياً أمنياً خطراً بالنسبة إلى روسيا، فضلاً عن التحرّكات الأميركيّة الأخرى في القطب الشّمالي والبحر الأسود.
وسط هذه الأجواء، تنعقد قمة منظمة شنغهاي للتعاون في دوشنبة، عاصمة طاجيكستان، بحضور عدد من زعماء الدول الأعضاء الدائمين والمراقبين، من بينهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي سيتوجه إلى طاجيكستان في أول زيارة خارجية له بعد توليه هذا المنصب، بهدف المشاركة في القمة، وهذا يشير إلى الأهمية القصوى التي توليها إيران للمنظمة، رغم أنها لا تزال حتى الآن، ومنذ العام 2005، عضواً مراقباً، رغم طلبها رسمياً العضوية الدائمة في العام 2006، لكن العقبات القانونية والسياسية حالت دون ذلك، والتي تمثلت بعدم تمكن المنظمة من الموافقة على طلب طهران، بسبب العقوبات التي كانت مفروضة من مجلس الأمن الدولي قبل توقيع الاتفاق النووي في العام 2015، بناء على معاييرها الداخلية ومخاوف الصين من تأثير عضوية طهران في زيادة التوتر في العلاقات الصينية الأميركية.
وبعد ذلك، أتى الخلاف السياسي بين طاجيكستان وإيران الَّذي فجرته مشاركة محيي الدين كبيري، زعيم حركة "النهضة" الإسلامية (المتهم بمحاولة الانقلاب على الحكم في طاجيكستان)، في مؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران في 27 كانون الأول/ديسمبر 2015، الذي أدى إلى اعتراض طاجيكستان على عضوية إيران الدائمة، ما حال دون ذلك.
اليوم، تدخل الصين في شراكة استراتيجية لمدة 25 عاماً مع إيران، رغماً عن أنف الولايات المتحدة التي قطعت، كما يبدو، شعرة معاوية مع الصين. أما العلاقات مع طاجيكستان، فقد تحسنت في الآونة الأخيرة، ما سيفتح الباب أمام انضمام إيران كعضو دائم إلى منظمة شنغهاي خلال هذه القمة.
اهتمام إيران بمنظمة شنغهاي سابقاً وراهناً يعكس رؤيتها لتعميق العلاقات أكثر مع دول شرق آسيا وأوراسيا ودول الجوار اقتصادياً وسياسياً وأمنياً. تأتي هذه الرؤية ضمن خطة استراتيجية تمضي بها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي بشكل واضح في سياستها الخارجية والاقتصادية، بهدف التصدي للعقوبات الأميركية وتعزيز الأمن الجماعي لتلك الدول.
في المقلب الآخر، إنَّ انضمام طهران كعضو دائم سيعزز أهمية المنظمة سياسياً واقتصادياً، لما لإيران - التي تتمتع بالأمن والاستقرار - من دور إقليمي ودولي بارزين، ولموقعها الجغرافي الاستراتيجي الرابط بين شرق آسيا وغربها، والمطل على المحيط الهندي وبحر عمان والمياه الخليجية، وهذا يعني الكثير اقتصادياً لدول المنظمة، ولا سيما الهند وروسيا والصين وباكستان.
حصول إيران على العضوية الدائمة في المنظمة هو مصلحة مشتركة ومنفعة متبادلة بين طهران والأعضاء الآخرين. ولا شك في أنه سيعزز دور المنظمة في الساحة الدولية. أما الخاسر والمتضرر الأكبر، فهو الإدارة الأميركية التي يتراجع دورها ونفوذها بشكل ملموس في شرق آسيا، وخصوصاً بعد الانسحاب المذل من أفغانستان.